نحو إسلام الرسول

(703) 2/4/2017 مبادرة نحو إسلام الرسول (6)

يا أيها «الذين آمنوا» أين «الإسلام»؟!

عندما ننظر إلى حال المسلمين بعين البصيرة، نجد أن الذين خرجوا من عباءة «الإسلام الوراثي»، وقالوا لا مذهبية في الإسلام، والإسلام هو القرآن وكفى، كانت مشكلتهم أكبر من «التراثيين»، الذين ورثوا «الإسلام» مذهبيًا.

لقد كان هدف الذين خرجوا من عباءة «الإسلام الوراثي»، أن يهدموا أمهات كتب أئمة السلف، ومنها مراجع «اللغة العربية»، باسم «إسلام المعاصرة»، «إسلام الحداثة»، «صندوق الإسلام»، «إسلام حر»، وعاشوا حياتهم يلعنون أئمة التفسير والحديث والفقه.

أولا: إن الذين تعاملوا مع «الإسلام»، باعتباره «منظومة فكرية»، وظلوا في مقابرهم الفكرية سعداء بما يقدمونه من ترف فكري، هؤلاء ضلّوا وأضلّوا، ولم يتغير شيء في واقع المسلمين، ولم يتقدموا خطوة واحدة نحن منظومة «العمل» الحضاري، وكل واحد عايش حياته!!

ثانيا: إن الذين تعاملوا مع «الإسلام»، باعتباره «منظومة جهادية» تعمل على أرض الواقع، هؤلاء أقاموا المصانع، والزراعات، والمتاجر، والمستشفيات، والأعمال الخيرية، وحصلوا على توكيلات عالمية، جعلتهم من أصحاب المليارات، فأصبحوا «مرهوبين»!!

ثالثا: إن الذين تعاملوا مع «الإسلام» باعتباره «منظومة سلمية»، هؤلاء لا تخشاهم الدول، لأنهم لا يسعون إلى إقامة خلافة إسلامية، وبالتالي لا يصطدمون مع الأنظمة الحاكمة، لذلك نراهم ينشرون أفكارهم في هذه الدول، ولهم فيها مساجد كبرى، وقنوات فضائية، وأعمال صناعية، وزراعية، وتجارية، ويتوسعون يوما بعد يوم.

وهذا النموذج الثالث هو الأقرب، من حيث آليات العمل، «وليس من حيث المنهج»، إلى مبادرة «نحو إسلام الرسول».

والسؤال: هل كل هذه التوجهات الإسلامية المختلفة تعلم ما هي حقيقة «الإسلام»، الذي قال الله تعالى عنه:

«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»

الواقع يجيب:

بعد تفرق المسلمين إلى فرق ومذاهب عقدية وفقهية متصارعة، لا أحد من المسلمين يستطيع أن يقول:

إن «الدين» الذي هو عليه اليوم، هو «الدين» الذي ارتضاه الله له، وهو الذي إن أقامه في حياته دخل الجنة؟!

فهل يرضى الله عن «الذين آمنوا»، دون «عمل الصالحات»، ويدخلهم الجنة؟!

وهل يقبل الله «عمل الصالحات» من «الذين آمنوا»، ويدخلهم الجنة، وهم يشركون به؟!

لقد ترك الله المسلمين، قرونًا من الزمن، لـ «الدين» الذي ارتضوه لأنفسهم، ولم يُمكّن لهم «الدين» الذي ارتضاه لهم:

«وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»

لأنهم فقدوا آليات الوصول إليه، وفي مقدمتها:

١- «المنهج»:

لقد أشرك المسلمون مع «كتاب الله» مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى رأسها «المرويات» التي جعلها أئمة السلف حاكمة على كتاب الله، وعلى استنباط أحكامه.

ثم خرج من المسلمين من يريد هدم تراث أئمة السلف، باسم المعاصرة والاستنارة، فهدم «التراث ومعه القرآن»، وهل يفعل ذلك إلا من أصيب بفيروس «الهوس الديني»؟!

لقد هدم هؤلاء المرضى، وهم لا يشعرون، هويتهم العربية، بما فيها أسماءهم، فأصبحوا بلا «مسمّيات»، فعندما ولدوا، وأصبحوا شيئًا يراه الناس، حملوا «الأسماء»، وأصبح «الاسم» على «مسمى»، وهم الآن يقولون نفهم القرآن بلا «مسميات»، طيب يا سيدي قل لنا الأول أين جئت بـ «مسماك»؟!

ولقد كان من الطبيعي أن ينتج عن غياب «المنهج»، كبيرة لا تقل في خطورتها عن الأولى، وهي:

٢- «التفرق في الدين»:

فهل يمكن أن «يُمكِّن» الله للمسلمين دينهم الذي ارتضى لهم، بعد أن أمرهم أن يكونوا شهداء على الناس، فعصوه ولم يفعلوا؟!

«هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»

وهل يمكن أن «يُمكِّن» الله للمسلمين دينهم الذي ارتضى لهم، بعد أن أمرهم أن يقوموا بتفعيل كتاب الله في حياتهم، وأن يُخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فعصوه ولم يفعلوا؟!

«كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»

لقد ضاعت هوية المسلمين بين الأمم، ولم تعد لهم ملة، ولا دين يُعرفون به، وانظروا إلى طبيعة «الخطاب الديني» المنتشر بين المسلمين في العالم، ما هو موضوعه، ويُخاطب من، وماذا حقق؟!

إننا أمام «خطاب ديني» بدأ من حيث انتهى الآخرون، يُبقي الوضع على ما هو عليه، ويستمر في إضافة حلقات جديدة إلى سلسلة حلقات «الإسلام الوراثي».

وأمام «خطاب ديني» ظهر كرد فعل للخطاب الأول، فتفرغ لهدم «الإسلام الوراثي»، فهدم كل شيء في طريقه له علاقة بالماضي، حتى ذاكرة المعارف العربية، ولا أعلم كيف يقرأ أصحاب هذا الخطاب العصري القرآن وهم «أعاجم»، يفهمون كلمات القرآن، ولم يشاهدوا «مسمياتها» من قبل؟!

إن الذين لا يؤمنون بـ «الآية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، «الآية القرآنية»، وأنها الباب الوحيد للدخول في الإسلام، وأنها جاءت «آية عقلية» ليعلم الناس أن أول الطريق لفهم نصوصها هو الاستعانة بعلوم «اللغة العربية» التي حملها لسان العرب في عصر الرسالة، إن هؤلاء لا يجب أن يتحدثوا عن القرآن.

لقد جاء «الإسلام» بمنهج ونظام حياة، بـ «منهج قرآني» يقيم على أساسه المسلم «وذريته» نظام حياتهم سلوكًا عمليًا، في مجتمع «الإيمان والعمل الصالح».

إن «الإسلام» جاء ليقيم «أمة»، ولم يأت ليعمل به كل فرد مع نفسه، حسب هواه، واحد يعيش في الشرق، والثاني في الغرب، في حالة ذوبان مع الملل الأخرى، من أجل «لقمة العيش»!!

إن «الإسلام» جاء ليقيم «أمة»، تبدأ بـ «العائلة»، حيث ينشأ الأولاد في بيئة دينية تربوية، يعلمون منذ صغرهم دينهم الذي ارتضاه الله لهم، ومسؤوليتهم تجاه هذا الدين، حتى يُحسنوا بعد ذلك اختيار «الزوج» التي ستشاركهم هذه المسؤولية.

* «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ (ذُرِّيَّتَهُمْ) وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا … أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا (ذُرِّيَّةً) مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ. وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ (يَرْجِعُونَ)»

* «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»

وهذا هو سر إعجاب المئات بالقراءات العصرية للقرآن، لأنها لا تعمل على إقامة الدين الذي ارتضاه الله للناس، أي لا تنطلق من قاعدة «ما يجب أن يكون»، وإنما الإبقاء على «ما هو كائن».

حاول أن تتدبر جيدا الموضوعات التي ينشرها أصحاب القراءات القرآنية العصرية، وتتبع عشوائية صياغة الأفكار، ومنهج «القص واللصق» الذي اعتادوا استخدامه مع الآيات القرآنية، وستعلم ما هي الرسالة التي يريدون توصيلها للناس.

إن شعوب العالم، «طبعا غير المسلمة»، هي التي تعمل بأحكام «الشريعة القرآنية»، فهي المؤمنة حقا، «أمن وأمان»، والمسلمة حقا «سلم وسلام»، فلا مساجد، ولا هيئة لصلاة حركية، ولا صيام، ولا حج، ولا أشهر عربية، والسفور وكشف العورات والزنا حرية شخصية، المهم أن يتفق الطرفان!!

فأنت أيها العربي، المسلم، الذي تعيش في ألمانيا، مثلا، عليك أن تعلم أنك تعيش وسط شعب مؤمن، مسلم، يعمل بأحكام «الشريعة القرآنية»، وإن لم يؤمن بالنبي محمد الذي جاء بها، لأنه جاء برسالة عالمية، وها هو العالم يعمل بها من غير وجوده!!

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى (الإِسْلامِ) وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
«يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا (نُورَ اللَّهِ) بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»

«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى (وَدِينِ الْحَقِّ) لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى