مفهوم «القتل» كما أراده الله في كتابه
(ثم نستكمل بعد ذلك مبادرة نحو إسلام الرسول)
مع أنهم يعلمون أن الحديث عن أحكام الشريعة القرآنية ليس من أولويات مشروعي الفكري، إلا أن بعض الأصدقاء «الأعزاء» أصروا على بيان مفهوم «القتل» بشيء من التفصيل في ضوء الآيات القرآنية.
أولا: إن مفهوم «القتل» في الشريعة القرآنية، الذي وضعه هو الله تعالى، وليس أئمة اللغة العربية، بل وفصّله الله تفصيلا، حتى لا يدع لأي إنسان فرصة تحريفه، وجاء ذلك في سورة المائدة الآيات «٢٧ ـ ٣٣»، التي ذكرتها في البوست الملحق.
ثانيا: لقد فرّق القرآن بين الموت والقتل، فالموت مفارقة النفس الجسد بأمر الله تعالى:
«اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ (مَوْتِهَا)، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا..»
أما القتل، فهناك عامل خارجي يتدخل في مفارقة النفس الجسد، وقد يكون الإنسان نفسه، وهو «الانتحار».
ولبيان الفرق، يقول الله تعالى:
١- «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن (مَاتَ) أَوْ (قُتِلَ) انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»
٢- «لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا (مَاتُوا) وَمَا (قُتِلُوا)»
٣- «وَلَئِنْ (قُتِلْتُمْ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ (مُتُّمْ)»
وليس شرطا أن ينتج عن فعل «القتل» مفارقة النفس الجسد، فقد يكون موعد وفاتها لم يحن بعد، والله تعالى يقول:
«وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ»
ولقد استخدم السياق القرآني مادة «القتل» في بيان «المقدمات» التي قد لا تفضي إلى مفارقة النفس الجسد، كالمشاجرة «الخناقة»:
١- «فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ (يَقْتَتِلانِ) هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ»
٢- «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (اقْتَتَلُوا) فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا… (فَقَاتِلُوا) الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ»
ثالثا: ولقد بيّن السياق القرآني، في كثير من الآيات، المعنى «الأصيل» لكلمة «القتل»، منها قوله تعالى:
١- «فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً (فَقَتَلَهُ) قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً»
* «وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً. فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً»
* «وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً»
٢- وقتل موسى، عليه السلام، رجلا بطريق الخطأ:
* «فَوَكَزَهُ مُوسَى (فَقَضَى عَلَيْهِ) قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ»
* «فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ (تَقْتُلَنِي) كَمَا (قَتَلْتَ) نَفْساً بِالأَمْسِ»
* «قَالَ رَبِّ إِنِّي (قَتَلْتُ) مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ»
٣- ويقول الله عن قصة أصحاب الأخدود:
«(قُتِلَ) أَصْحَابُ الأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. وَمَا (نَقَمُوا مِنْهُمْ) إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
رابعا: كما بيّن السياق القرآني أحكام «القتل» العمد والخطأ، ومنها:
١- «وَلا (تَقْتُلُوا) النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
٢- «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا (يَقْتُلُونَ) النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ»
٣- «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ (يَقْتُلَ) مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً»
٤- «وَمَنْ (قَتَلَ) مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»
٥- «وَمَنْ (يَقْتُلْ) مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا»
٦- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (لا تَقْتُلُوا) الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ (قَتَلَهُ) مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا (قَتَلَ) مِنْ النَّعَمِ»
خامسا: ومن السياق القرآني نفهم، أن الله لم يُشرّع «القتال» إلا لدفع العدو عن انتهاك حرمات البلاد، وإرهابه حتى لا يعود إلى مثلها، ولا يكون هجوميًا أبدا:
* «(وَقَاتِلُوا) فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ (يُقَاتِلُونَكُمْ) وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»
* «(وَاقْتُلُوهُمْ) حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ (أَخْرَجُوكُمْ) وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ (الْقَتْلِ) وَلا (تُقَاتِلُوهُمْ) عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى (يُقَاتِلُوكُمْ) فِيهِ فَإِنْ (قَاتَلُوكُمْ) (فَاقْتُلُوهُمْ) كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ»
ومن هذا المنطلق علينا أن نفهم جميع الآيات التي ذكر فيها «القتال»، مع ملاحظة أن كثيرًا منها لا يأتي بتفصيلات الأحداث، لذلك علينا أن نتدبر سياق الآية جيدًا، وعلاقته بسور أخرى.
* «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ (فَلَقَاتَلُوكُمْ)، (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ) وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً»
* «فَإِنْ (لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ) وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ (وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ) فَخُذُوهُمْ (وَاقْتُلُوهُمْ) حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً»
* «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ (قِتَالٍ) فِيهِ قُلْ (قِتَالٌ) فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ) عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ (الْقَتْلِ)، (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ) حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا»
* «فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ (فَاقْتُلُوا) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
يقول الله تعالى: «فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ»، أي انقضت المهلة التي أعطاها الله للمشركين، والتي هي الأشهر الأربعة التي وردت في أول السورة، فعلى المسلمين أن يكونُوا لهم بالمرصاد في أي مكان يجدونهم فيه.
لقد نقض المشركون العهود، واعتدوا على المسلمين أكثر من مرة، والله يعلم أنهم كاذبون في وعودهم، ومع ذلك، أمر المسلمين أن يأخذوا بظاهر حالهم، فإن أظهروا توبتهم، وادعوا التزامهم بأحكام الشريعة، فليقبلوا منهم ذلك، ويفتحوا لهم «السبل» التي أغلقوها أمامهم.
* «فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَإِنْ (نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ) مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ (فَقَاتِلُوا) أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ»
إن قوله تعالى: «فَإِنْ تَابُوا»، تفصيل لما ورد في أول السورة:
«فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ»
وقوله تعالى: «فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ»، تشريع بالتعامل مع الناس حسب ما أظهروه، إلى أن يثبت العكس.
وقوله تعالى: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ»، يُبيّن أن الله يعلم أنهم إلى نقض العهود أقرب، وأن إعلانهم الالتزام بأحكام الشريعة، قد يكون ذلك «تقية»، وهذا ما بينه بعدها بقوله:
* «أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً (نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ) وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ (وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ»
سادسا: ومن السياق القرآني نفهم، أن من الأنبياء من تعرضوا لمحاولات «القتل»، ومنهم من قُتل فعلا على أيدي «بني إسرائيل».
ومن منطلق إيماننا بأن الله «فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ»، لا نجد تعارض بين قتل بني إسرائيل لأنبيائهم، ووعد الله بنصر رسله والمؤمنين، «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا».
إن قصة بني إسرائيل مع أنبيائهم أخذت مساحة كبيرة في كتاب الله، ولعل الله جعلها فتنة للناس، ليأخذوا منها الدروس والعبر، ومنها قتلهم أنبيائهم بعد أن آمنوا بهم وصدّقوهم.
أما وعد الله بنصر رسله والمؤمنين، فهذه هي القاعدة العامة التي شملت جميع الأنبياء والرسل على مر الرسالات.
ولذلك نجد أن الله خص «بني إسرائيل» بأكثر من آية، للكشف عن طبيعتهم الدموية، فيقول تعالى:
١- «وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي (أَقْتُلْ) مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ»
٢- «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ (أَتَقْتُلُونَ) رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ»
٣- «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ .. وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ».
٤- «لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ… وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ (وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ) بِغَيْرِ حَقٍّ».
٥- «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ»
٦- «الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ (قَتَلْتُمُوهُمْ) إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»
وهنا يجب أن نتوقف عند هذه الآية «١٨٣» من سورة آل عمران.
لقد ادّعت ذرية بني إسرائيل، أن سبب عدم إيمانهم برسول الله محمد، أنه لم يأتهم بقُرْبان تأكله النار، كما تنص التوراة، وقالوا إن جئتنا بهذا القربان صدَّقْنَاك.
ولقد أمر الله رسوله محمدا أن يقول لهم:
لقد جاءتكم رسلكم بما طلبتم، «فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»؟!
وتعالوا تدبر سياق الآية «الآية ١٨١»، لنعلم من هم «الَّذِينَ قَالُوا»:
«لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا (وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ) بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ»
لقد قتل بنو إسرائيل الأنبياء، وهذه حقيقة شهد لها القرآن في عصر الرسالة، ولم يكذبها خلفهم.
سابعا: إن من ليس له دراية بـ «علم السياق»، سيخلط بين المعنى «الأصيل» للقتل، والمعنى «المجازي» الذي عرفه أهل اللسان العربي في أساليبهم البيانية، لذلك لا يصح أن نقول لا «مجاز» في القرآن، ولا أن نجعل القرآن كله «مجازا».
إن أهل اللسان العربي يقولون: «قتلته النساء»، أي فتنته، و«قتل الخمر بالماء»، أي كسر حدتها، و«قتله الله»، دعاء باللعن، أي «لعنه الله».
وبهذا الأسلوب «المجازي»، فهم أهل اللسان العربي قوله تعالى:
١- «هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ (قَاتَلَهُمْ) اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»
٢- «(قُتِلَ) الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ».
٣- «(قُتِلَ) الْخَرَّاصُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ»
٤- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا (تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»
إن الذين يجعلون طلب المزيد من المال، ثم المزيد..، هدفًا رئيسًا في حياتهم، ويقتلون أنفسهم في سبيل تحقيق ذلك، سيأتي اليوم الذي لن تنفعهم فيه أموالهم، يوم أن تتلف نفوسهم وتهلك.
مع أن الله يقول لهم: «إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً».
ويقول لهم:
«وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»
محمد السعيد مشتهري