نحو إسلام الرسول

(696) 26/3/2017 يسألون: هل كان النبي أميًا؟!

لقد بعث الله رسوله محمدًا في قوم هم أهل اللسان العربي، وطلب منهم أن يأتوا بسورة من مثل سور القرآن، «فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِه»، فأن عجزوا، فإن عجزهم هذا برهان على أن القرآن من عند الله.

والسؤال: هل يُعقل أن يطلب الله من أمة لا تعرف القراءة والكتابة، أن يأتوا بسورة من مثل سور القرآن، ويقول لهم إن عجزتم عن ذلك، فإن عجزكم هذا، برهان على أن هذا القرآن من عند الله؟!

تعالوا نتعرف على مفهوم «الأمية» في كتاب الله.

أولا: لقد بعث الله رسوله محمدًا في قوم «مشركين»، لم يُرْسِلْ إليهم رسولًا من قبله منذ إسماعيل، عليهما السلام:

«لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ»

ويقول تعالى:

«لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ»

وسمّاهم الله تعالى بـ «الأميّين»، ورسول الله منهم:

«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ»

ثانيا: وصف الله فريقًا من أهل الكتاب، الذين كانوا معاصرين للنبي، بـ «الأميّين»، لماذا؟!

لأنهم حرّفوا كتبهم، واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من موروث ديني باطل، صنعوه بأيديهم، وقالوا إنه من عند الله، فلم تعد لهم علاقة بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائهم، لذلك سمّاهم الله «أميّين»:

«وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ»

وأمرهم الله أن يتبعوا «النبي الخاتم»، ووصفه بـ «الأمي»:

«فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ»

وذلك لبيان أنه لم يكن تابعًا لأي كتاب إلهي من قبل بعثته:

«وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ»

ثالثا: إذن، فقد بعث الله النبي الخاتم في قوم مشركين «أميّين»، لا ينتسبون أصلا إلى كتب إلهية، وكان معهم الذين «أوتوا الكتاب»، الذين حرّفوا كتبهم، ولقد أمر الله هؤلاء جميعًا باتباع النبي الخاتم محمد:

«وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ»

ولقد كان أهل الكتاب يُسمّون المشركين بـ «الأميّين»، باعتبار أنهم ليسوا من أتباع الكتب الإلهية:

«وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ… ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ»

أي ليس علينا في أكل حقوق «الأميّين» حرج ولا إثم.

ولقد خاطب الله الفريقين بقوله تعالى:

«لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ. رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً … وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ»

رابعا: نريد أن نتوقف عند قوله تعالى:

«رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً»

إن «التلاوة» في اللسان العربي، هي الكلام الذي يخرج على لسان المتحدث، سواء كان محفوظًا عن ظهر قلب، أم مدونًا في الصحف، ويُبيّن سياق الآية أن الرسول كان يتلو القرآن من الصحف، وليس فقط عن ظهر قلب، ومما يؤكد ذلك كلمة «الكتاب» التي وردت في أول سورة البقرة، قبل أن يكتمل نزول القرآن كله:

«الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ»

إن جميع الآيات التي وردت فيها كلمة «الكتاب»، يُفهم منها أن المخاطبين بهذا الكتاب، يقرؤون ويكتبون، وطبعا كان في مقدمتهم رسول الله محمد.

إن أهم أدوات تحصيل العلوم والمعارف، القراءة والكتابة، وقد بيّن القرآن ذلك في كثير من الآيات، منها قوله تعالى:

«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ»

«اقْرَأْ… عَلَّمَ بِالْقَلَمِ»:

إن ما يحمله الإنسان من وسائل إدراك تمكنه من تعلم القراءة والكتابة، نعمة من نعم الله الكبرى، فهل يُعقل أن يحرم الله رسوله من هذه النعمة، وقد جعل «آيته» الدالة على صدق نبوته «آية عقلية»؟!

خامسا: قالوا إن الله حَرَمَ النبي من هذه النعمة، حتى لا يشك أحد أنه هو الذي ألف القرآن، خاصة وأن هناك من اتهموه بأنه كان يستنسخ القرآن من الكتب السابقة، أو أن هناك من كان يكتبه له:

«وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً»

ولو تدبرنا هذه الآية، لوجدناها كافية في نفي بدعة أن النبي كان لا يقرأ ولا يكتب، وذلك بشهادة أعدائه.

إن قوله تعالى: «فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ»، يُبيّن معنى «اكْتَتَبَهَا»، ذلك أن الإملاء إلقاء الكلام على من يكتب، أو يروي ليحفظ ألفاظه، وهنا في هذا السياق، معناه يكتب ألفاظه، لأنهم يشاهدون الصحف بين يديه، يؤكد ذلك استخدام السياق القرآني لكلمة «الكتاب».

لقد جعل الله «آية» رسوله الدالة على صدق «نبوته» كتابًا يُتلى، فتدبر:

«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

لقد أسقط الذين قالوا إن النبي كان أميًا، لا يعرف القراءة والكتابة، هذه «الآية» من حساباتهم، فكيف ينزل الله الكتاب الخاتم، يحمل «آية قرآنية» دالة على صدق «نبوة» رسوله محمد، في أمة لا تقرأ ولا تكتب؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى