في سياق الحديث عن قصة موسي، عليه السلام، ورد اسم «فرعون» عشرات المرات، وهو اسم يطلق على كل من حكم مصر في العصر الفرعوني، «٣١٠٠ – ٣٣٢ ق.م»، باستثناء عصر «الهكسوس».
لقد وُلد موسى، عليه السلام، وبُعث، في عصر الحضارة الفرعونية، «١٣٠١ – ١٢٢٤ ق.م»، وتم تجميع فصول هذه الحضارة، عندما استطاع العلماء فك الشفرات المنقوشة على الآثار التي خلفتها وراءها.
لقد حمل تاريخ الحضارة الفرعونية من الحقائق التاريخية ما اعترف به علماء العالم عبر مئات القرون، ولكن يجب أن نعلم أن حجية هذه الحقائق لم تقم استنادًا إلى «مرويات» الرواة المدونة في الكتب، وإنما إلى الآثار الموجودة على أرض الواقع، والتي حفظ الله منها ما شاء أن يحفظه، ليأخذ الناس منها العبرة.
يقول تعالى مخاطبًا قوم النبي الخاتم محمد:
«وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ.. وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ»
أما «الكعبة – البيت الحرام»، التي جعلها الله «قِيَاماً لِلنَّاسِ»، وقبلةً للمؤمنين في صلاتهم، ومنسكًا من مناسكك الحج، فلم تقم حجيتها الإيمانية استنادًا إلى «مرويات الرواة» المدونة في الكتب، وإنما إلى «الآيات القرآنية» المدونة في كتاب الله.
وإذا كانت «الآثار الفرعونية» قد حملت تاريخًا مضى، فإن «الكعبة – البيت الحرام» قد حملت «آية إلهية» قائمة بين الناس إلى يوم الدين، تشهد أن القرآن كلام الله، وأن محمدًا رسول الله، ومن هنا نبدأ.
إن الذي يريد أن يفهم ويتعلم الشعائر التي حملتها الشريعة القرآنية، والأماكن التي تُقام عليها هذه الشعائر، عليه أن يبدأ من «البيت الحرام»، هذه المرجعية الموجودة على أرض الواقع، تشهد بكيفية أداء الصلاة، وبكيفية أداء شعائر الحج.
إن الذي آمن بتعهد الله بحفظ القرآن، الذكر الحكيم، عليه أن يعلم أن من مقتضيات هذا الإيمان، أن يؤمن في نفس الوقت بحفظ الله لـ «كلمات» هذا القرآن و«مسمياتها»، وإن من «مسميات» الكلمات المتعلقة بأحكام الصلاة والحج، هذا البناء المسمى بـ «الكعبة»، وهذا البناء المسمى بـ «المسجد الحرام».
(أولا): بالنسبة للصلاة
عندما نتحدث عن مفهوم الصلاة، وعن أحكامها، يجب أن ننطلق من إيماننا بأن رسول الله محمد، والذين آمنوا معه، قد أقاموا هذه الصلاة في «المسجد الحرام»، وأن سلسلة حلقات تواصل هذه الصلاة بين المسلمين، لم تنفصل منها حلقة واحدة، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.
لذلك فإن الذين ينكرون حجية تواصل حلقات كيفية أداء الصلاة بين المسلمين، وحفظ الله لها، هم في حقيقة الأمر، ينكرون حجية تواصل القرآن بين المسلمين، وبالتالي حفظ الله لكلماته!!
والسؤال: كيف يحفظ الله جملة «أقم الصلاة»، ويترك مسمى كلماتها تلعب به شياطين الإنس والجن على مر العصور؟!
ثم تعالوا نفهم ونتدبر ماذا تعني هذه الآيات:
«وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»
«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»
«وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً»
«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ.. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ»
لا شك أن المسلمين في عصر الرسالة، كانوا يعلمون ما هي «المساجد»، وماذا يفعلون بداخلها، وفي مقدمتها «المسجد الحرام»، وكذلك المساجد التي انتشرت في بلاد العالم في العصور التالية.
والسؤال: هل هُدّمت وتغيرت ملامح هذه المساجد في يوم وليلة، ثم ورث المسلمون «أبنية» سمّوها مساجد، وما هي المساجد التي عرفها النبي، وصلّوا فيها، وما هي الصلاة التي عرفها النبي؟!
فإذا لم يكن هذا هو «الهوس الديني» فماذا يكون؟!
(ثانيا): فريضة الحج
ثم كيف تؤمن بوجوب أداء فريضة «الحج»، وتتحدث عن كيفية أداء شعائرها، وأنت تُنكر الأماكن التي تؤدى فيها هذه الشعائر، ومنها «المسجد الحرام»، و«الكعبة»، و«الصفا والمروة»، وجبل «عرفة»؟!
وإذا قلت لا أنكرها، فمن أي المصادر المعرفية عرفت أين تقع، هل من القرآن، الذي هو تبيانٌ لكل شيء؟!
فأي حج هذا الذي تتحدثون عنه؟! وأي أشهر معلومات هذه التي تؤمنون بها؟! وأي «نسيء» هذا الذي تتلاعبون به، فهل الأشهر العربية موجودة أصلا في القرآن، باستثناء «رمضان»، حتى
تخدعون الناس ببدعة «النسيء»؟!
لماذا لا تحترمون عقول الناس المساكين الذين يتبعونكم؟!
إن الذي يخدع الناس، ويقول لهم، إن مفهوم الحج، وشعائره، ومناسكه، موجودة في القرآن، فهو ضالٌ مُضل.
إن القرآن لا يحمل إلا «الكلمات» المتعلقة بشعائر الحج، أما «مسمياتها» فموجودة في بلد اسمها «السعودية»، والأشهر العربية موجودة في مراجع «اللغة العربية» وعلى ألسنة الناس!!
إن هناك أزمة فكرية ونفسية حقيقية عند من يقولون إن القرآن تبيانٌ وتفصيلٌ لكل شيء، لأنهم يستدلون على ذلك بآيات لا يفهون أصلا لا كلماتها ولا سياقها!!
إن طوق النجاة للمساكين التابعين المقلدين، أن عليهم عندما يحدثهم أحد عن أحكام «الحج»، ويستدل بالآيات التالية مثلا:
«إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ.. وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»
«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ»
«إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا»
أن يسألوه فورًا: من أين عرفت «مسميات» هذه الكلمات، وخاصة أسماء «الأشهر المعلومات»، حتى نُصدق أن القرآن لا يُفهم إلا بالقرآن؟!
النتيجة: «يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ»
إن الذي يجلس على مكتبه، ويقوم بتجميع الآيات ذات الموضوع الواحد، ثم يستخدم منهج «القص واللصق»، ويأخذ جملة من هنا وجملة من هناك، ثم يخرج للناس ويقول لهم:
لقد جئتكم بما لم يأت به أحدٌ من العالمين، فلا هيئة للصلاة، ولا مساجد، ولا حج، ولا أشهر عربية، لأن «النسيء» ضيّعها كلها..، ثم لا يسأله أحد:
هل خرجت إلى العالم الخارجي، وشاهدت بنفسك «مسميات» كلمات هذه الآيات التي تحدثنا عنها؟!
فهذا معناه «الهوس الديني»، الذي لا يُستأمن المصابون به، على فهم كلمة واحدة من كتاب الله.
إن الذي دفع ثمن هذا «الهوس الديني»، هم المساكين الذين أقنعتهم القراءات الشاذة للقران، أن كل شيء يفعله «السلفيون» عليهم أن يفعلوا عكسه!!
لقد صنع أصحاب «القراءات الشاذة للقرآن» دينًا جديدًا يُشبع هوى «أهل الهوى»، وكمان بالعند في «السلفيين»، أباحوا «الزنا» بشرط اتفاق الطرفين!!
محمد السعيد مشتهري