نحو إسلام الرسول

(688) 18/3/2017 عندما تثمر «المقدمات» الباطلة «نتائج» باطلة

«فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ»

(أولا): «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ»

يقول الموسوي: لقد أصبح سعي إسماعيل يساوي سعي أبيه إبراهيم في عملية بناء البيت الحرام، ولكن هل مطلوب من إسماعيل أن يقوم مع أبيه بهذا العمل الشاق، والفكرة أصلا فكرة أبيه؟!

نلاحظ قوله: «والفكرة أصلا فكرة أبيه»

* أقول: يجب أن نتفق أولا، على أن إسماعيل عندما صاحب أباه في هذا «السعي»، وسمع منه قوله:

«يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ»

ثم قوله له بعدها: «فَانظُرْ مَاذَا تَرَى»

كان قد بلغ من الرشد، ومن العلم بنبوة أبيه، وأنه يوحى إليه، مبلغا يجعله يقول لأبيه فور سماعه كلامه:

«يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ»

إن قول إسماعيل لأبيه: «افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ»، يبيّن أنه يعلم أن هذا الأمر من الله، لا دخل لأبيه فيه، وأراد بحكمة وإيجاز شديد، أن يبلغ أباه استسلامه وخضوعه لأمر الله، وكأنه قال له «افعل ما تؤمر به من ربك».

فقوله تعالى: «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ»

إن كلمة «غلام» تطلق على الإنسان حتى بلوغه النكاح، فلما بلغ إسماعيل من العمر ما يجعله يفهم ما يحدث حوله، ويتعقل ما يسمعه، ويشارك أباه في عمله وقضاء حوائجه، اصطحبه أبوه إلى المكان «المسعى» الذي سينفذ فيه أمر الله بذبحه.

(ثانيا): «قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ»

يقول الموسوي: كان إبراهيم يرى في منامه كوابيس وأحلام مزعجة، كلها تدور حول أنه يذبح ابنه في هذا العمل الشاق، (يقصد بناء البيت الحرام)، ولذلك لم يقل «إنّي رأيتُ»، التي تفيد رؤيا واحدة، وإنما قال «إِنِّي أَرَى» الذي يفيد تكرار وقوع فعل الرؤيا.

* أقول: لقد رأي إبراهيم في منامه ما يوجب أن يذبح ابنه في اليقظة، وقد تكررت الرؤيا أكثر من مرة، كما قال تعالى في قصة يوسف:

«وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي (أَرَى) سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ»

فتدبر:

«قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي (أَرَى) فِي الْمَنَامِ»

وإن من فقه الابتلاء، أن يعين الابن أباه على الامتثال لأمر الله، فيخفف عنه شدته، فيصل الأب والابن إلى قمة الصدق مع الله.

(ثالثا): «أَنِّي أَذْبَحُكَ»

يقول الموسوي: إن النص لم يصرِّح بأن الأمر بالذبح أمر إلهي، خاصة وأنه إذا كان فعل «أرى» معناه تكرار وقوع الرؤيا، فإن فعل «أَذْبَحُكَ» يجب أن يشير أيضا إلى تكرار فعل الذبح، وهل هذا معقول؟!

ويقول: لقد أرهق إبراهيم ابنه في العمل دون أن يستشيره، واستنفد طاقته في عمل لا يدري ما أصله، وما هي نتيجته، لذا استخدم النص القرآني التعبير «أَذْبَحُكَ»، كما نقول: إنَّ فلان ذبح ابنه بالعمل، ولم يقدّر طفولته!!

ثم يصل إلى مفهوم «الذبح» في القرآن فيقول:

«استفراغ طاقة المقابل من أجلِ فائدةٍ وهدفٍ معيَّن ينفعنا، وإنه يتم على مستويات مختلفة، تبدأ مما هو فوق الصفر بقليل، وتنتهي باستفراغ كامل طاقة المذبوح بالإماتة والإهلاك».

* أقول: وبنفس «المنهجية العشوائية» التي فهم بها «الموسوي» معنى «الذبح» فهم معنى «القتل»، وقد سبق بيان ذلك في منشورات سابقة.

لقد افترى «الموسوي» على إبراهيم الكذب، وقال عن تصرفه هذا مع ابنه في العمل معه في بناء البيت الحرام «إنه تصرف لا أخلاقي ولا شرعي»، الأمر الذي دفعه أن يسأل ابنه عن قراره حول هذا الموضوع فقال له:

(رابعا): «فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى»؟!

يقول الموسوي: «طلب إبراهيم من ابنه أنْ يقوم بعملية دراسة شاملة لجوانب الموضوع المختلفة، فإنْ كان راغبًا من تلقاء نفسه في العمل فبها ونعمت، وإلا فإنَّ عليه أنْ يتوقف عن العمل ويترك أباه إبراهيم يقوم بالعمل وحيداً».

ويقول: «فهل كان إبراهيم سيتخلى عن القيام بهذا الأمر لو أنَّ إسماعيل رفض الإذعان، أم أنّه كان سيقدم على عملية قطع رأس إسماعيل على أيّة حال باعتبار أنّه مأمور من السماء؟!»

* أقول: فماذا تسفر المقدمات الباطلة إلا عن نتائج باطلة؟!

وأي تصرف «لا أخلاقي، ولا شرعي»، هذا الذي ينسبه «الموسوي» إلى إبراهيم، والله تعالى يقول عن عمله مع ابنه في بناء البيت الحرام:

«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»

إن إبلاغ إبراهيم ابنه بما أمره الله أن يفعله معه، «فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى»، هو البلاء المبين، الذي ذكره الله لبيان المحور الأساس الذي تدور حوله هذه القصة، من أولها إلى آخرها، «إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ».

ثم جاء وقت تفعيل إسماعيل لآليات التعقل، «فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى»، فعليه أن ينظر ويتأمل في هذا الذي رآه أبوه في المنام أكثر من مرة، وهل سينجح في هذا الابتلاء، وبماذا سيجيب؟!

(خامسا): «قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ»

يقول الموسوي: «فإسماعيل إنسانٌ حليمٌ، كان يعتقد بنبوة ورسالية أبيه إبراهيم، لذا فقد أعلن لأبيه بأنه يؤمن بأن عملية بناء البيت الحرام هي أمرٌ إلهي ولا حيلة لأبيه إبراهيم بالأمر.. وبما أنَّ إسماعيل تربى ونشأ على محبة الله تعالى والسعي لإرضائه فقد وجد أنَّها فرصة له هو الآخر بأنْ يثبت عبوديته لله تعالى»!!

* أقول: انظر إلى هذا التناقض البيّن، فقد قال من قبل، إن بناء البيت الحرام كان عن رؤية إبراهيم الشخصية، الأمر الذي جعله قلقًا على عمل ابنه معه، وكان عليه أن يستشيره قبل أن يبدأ العمل.

والآن يقول: «بأن عملية بناء البيت الحرام هي أمرٌ إلهي»، وأنه بعد استشارة إبراهيم ابنه إسماعيل في مشاركته فيها، وجده وافق عن طواعية وبفخر وثقة وقال:

(سادسا): «سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ»

يقول الموسوي: لكنَّ إسماعيل يَعِدُ أباه بأنَّه سيسعى لأن يكون مثالا يُحتذى في التحمُّلِ والصبر، وهكذا كان عليهما أنْ يعملا في الصحراء لبناء الكعبة… وكلُّ ذلك بناءًا على رؤيا شخصية تبدو غير مقنعة لمن يسمع بها!

* أقول: انظر وتدبر كيف عاد مرة ثانية إلى قوله الأول: «وكلُّ ذلك بناءًا على رؤيا شخصية»!!

ثم يسأل: ولماذا وضع إسماعيل نفسه مع مجموعة «الصَّابِرِينَ»، في حين أنَّ الذبح كان يمكن أن يتم وهو نائم مثلا، ولماذا لم يقل كما قال موسى للعبد الصالح «سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا»؟!

وهذا السؤال مثال عملي، يبيّن كيف تقود القراءات الشاذة للقرآن أصحابها إلى وضع مقدمات باطلة، ليصلوا إلى استنتاجات باطلة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى