أرجو أن تكونوا قد اطلعتم في اليومين السابقين، عن طريق شبكة الإنترنت، على المشروع الفكري للمهندس «عالم سبيط النيلي»، ومشروع تلميذه الأستاذ «قصي الموسوي»، وهل هناك علاقة بين «الهندسة الروسية»، وبين قراءة المسلمين الشاذة للقرآن، التي راح ضحيتها أدعياء المعاصرة، وأتباع «القرآن وكفى»؟!
عندما طلب مني بعض الأصدقاء الرد على ما توصل إليه «الموسوي» من نتائج تتعلق بقضية «ذبح إبراهيم لابنه»، وكان ذلك أثناء فترة نشر منشورات مفهوم «القطع» بين الحقيقة والمجاز، قررت أن أنشر سلسلة من المنشورات عن هذا الموضوع، وقد بدأتها بالمنشور السابق (1).
ولكني، وبعد إعداد المادة العلمية لتكون صالحة للنشر، أدركت أن الوقت يضيع فيما لا يجب أن يُستثمر فيه، فقررت أن أكتفي ببيان أهم السلبيات والمتناقضات التي حملها «المنهج اللفظي الترتيلي» عند تعامله مع قضية «ذبح إبراهيم لابنه».
لقد ادعى الموسوي أنه أقام منهجه على قواعد «اللغة العربية»، ولكنه لم يلتزم عند التطبيق بما قال، وراح يُحكّم «منطق الهوى» عند تعامله مع «كلام الله»، وهو يعتقد أن القرآن «نصٌ تاريخي»!!
يقول الموسوي: «القرآن الآن هو نص تاريخي، نتعامل معه كوحدة واحدة، وما نعرفه من القصص القرآني يعتبر بمجموعه قضية واحدة متكاملة».
* أقول: القرآن كتاب الله الخاتم، الذي حمل «الآية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، والتي تحتاج إلى أدوات لفهم نصوصها مستنبطة من داخلها.
أما الذين يتعاملون مع القرآن باعتباره كتابًا إلهيًا فقط، كالتوراة والإنجيل، لا شك أنهم يعتبرونه نصًا تاريخيًا، وهؤلاء يقول الله تعالى لهم:
«قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ – وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ – فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى»
ويقول تعالى:
«وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ – فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا – فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا – وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ – فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ – وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ»
إن القرآن يهدي من يسلك طريق الهداية، ويضل من يسلك طريق الضلال، فكن حذرًا!!
وعليه، لم يكن غريبًا أن يقول الموسوي:
يجب إعادة كتابة سيناريو قصة إبراهيم مع ابنه بأدوات «المنهج اللفظي الترتيلي»، للوصول إلى فهمٍ أفضل للفكرة الشائعة عن إقدام إبراهيم على التفكير بقطع رأس ابنه إسماعيل، والنظر في إمكانية انطباق هذه الفكرة مع النص القرآني.
* أقول: عندما ننطلق في فهم القرآن باعتباره نصًا تاريخيًا، فإن القرآن لن يعطينا إلا ثمار المنهج الذي اخترناه، لذلك قل ما شئت، وافهم ما شئت، واستنبط من الأحكام ما شئت..، المهم كيف فهمت، وبأي أدوات استنبطت؟!
وتعالوا نقف عند قول الموسوي: «للوصول إلى فهمٍ أفضل للفكرة الشائعة عن إقدام إبراهيم على التفكير بقطع رأس ابنه إسماعيل»
إن الموسوي يعتقد أن قضية «ذبح إبراهيم ابنه» مجرد «فكرة» كانت تدور برأسه وأزعجته كثيرا، حتى أنه كان يرى في منامه، كوابيس وأحلام مزعجة، تدور كلها حول أنه «يذبح» ابنه في
عمل شاق!!
«وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ»
محمد السعيد مشتهري