إلى أين أنتم ذاهبون، وإلى أي إسلام تنتسبون، وأي قرآن تتبعون؟!
إن الأمر بتدبر القرآن، «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ»، جاء مصحوبًا بتفعيل آليات عمل القلب، «أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»:
آليات النظر «أَفَلا يَنْظُرُونَ»
آليات التفقه «فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ»
آليات التذكر «أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ»
آليات التفكر «أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ»
آليات التعقل «أَفَلا تَعْقِلُونَ» … إلى آخر الآليات.
فلماذا أمر الله الناس بتفعيل هذه الآليات، وأين المؤمنون، المسلمون، أتباع النبي الخاتم محمد، الذين خصّهم الله بـ «آية قرآنية عقلية» دالة على صدق نبوة رسولهم، أين هم من تفعيل هذه الآليات في حياتهم، ولماذا ظلوا في ذيل التقدم الحضاري قرونًا من الزمن، مع هذا التكريم الإلهي لنبيهم، وللقرآن الذي يحملونه؟!
عندما أقمت مشروعي الفكري على أنقاض «التأصيل العلمي» لأزمة الإسلام الوراثي، والإيمان العشوائي، كان ذلك بعد أن أصحبت على يقين بوجوب أن يُعيد المسلمون جميعًا بناء إسلامهم على قاعدة «الوحدانية».
إن معظم المسلمين لا يعلمون شيئًا عن حقيقة «الوحدانية»، لذلك لا تجد لها فاعلية في حياتهم، يعيشون قرونا من الزمن داخل دائرة «التفرق في الدين»، ويحسبون أنهم مهتدون، يعيشون داخل دائرة «الشرك بالله»، ويحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
عندما خلعت ثوب التفرق في الدين، ثوب الشرك بالله، ووضعت لمشروعي الفكري ما نسميه في أبحاثنا الأكاديمية «خطة البحث»، جعلت لها عنوان: «القرآن وكفى – مصدرًا للتشريع»، وبعد أن أساء من كانوا يحضرون لقاءاتي الفكرية استخدام مفهومي للقرآن وكفى، قمت بتغيير العنوان وليس المضمون.
لقد سمّيت مشروعي الفكري «نحو إسلام الرسول»، وأقمته على قاعدة «القرآن وكفى – مصدرًا للتشريع»، وأنا أقصد أن «كلام الله» وحده، هو المصدر التشريعي الذي أمر الله الناس جميعًا اتباعه، والذي تعهد بحفظه إلى يوم الدين.
ولكن، كان هناك سؤال منطقي يفرض نفسه:
هل إذا نزل القرآن بلغة غير عربية، وأردت الاطلاع عليه لأقف على موضوعه، وكيف أنه الآية الدالة على صدق من بلغه عن الله، فماذا أفعل، وأنا لا أعلم اللغة التي نزل بها، التي «ينطق» بها «لسان» القوم الذين يتبعونه؟!
أولا: إن الذين يقولون إن فهم القرآن لا يحتاج إلى الاستعانة بعلوم «اللغة العربية»، بدعوى أنه نزل بلسان عربي، وليس بلغة عربية، هؤلاء لا يعلمون شيئًا عن القرآن، ولقد أقمت البراهين القرآنية الدالة على جهلهم في عشرات المنشورات السابقة.
ثانيا: بعد أن تعلمت كيف أقرأ القرآن، «باللغة العربية»، وتعلمت بعض علومه، ثم تدبرت آياته كما أمرني الله، لفت نظري قول الله لرسوله وللذين آمنوا معه:
«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً .. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ .. وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ .. مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
إنه حقًا تحذير خطير، يحمل نهيًا عن الشرك، وانظر من هم الذين حذرهم الله من الشرك؟! رسول الله والذين آمنوا معه، لقد نهاهم عن الوقوع فيما وقع فيه أتباع الأمم السابقة، «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»!!
فإذا نظرنا إلى واقع المسلمين، وجدناهم قد أعطوا ظهورهم لهذا التحذير الإلهي، وتفرقوا إلى فرق ومذاهب عقدية، يُكفر بعضهم بعضا، فماذا تفعل أحكام الشريعة في قوم أقاموا إسلامهم على الشرك بالله؟!
ثالثا: لقد وجّهت بوصلة مشروعي الفكري «نحو إسلام الرسول»، أي نحو تأصيل القواعد الإيمانية التي يجب أن يقوم عليها إسلام المرء، والتي أقام عليها الرسول إسلامه.
لذلك لم تكن دراسة أحكام الشريعة القرآنية من أولويات مشروعي الفكري، ولكن أجد نفسي أحيانًا مضطرًا لبيان حكم من أحكام القرآن، عندما أجد ضرورة لهذا البيان، ولقد كان تحريف أصحاب القراءات القرآنية الشاذة لعقوبة السرقة ضرورة تحتاج إلى بيان.
لذلك أقول لأصحاب بدعة «القرآن وكفى»:
عندما وصفت منهجكم العشوائي بالشذوذ، كان ذلك لعلمي الكامل والتام بشذوذه، وأول هذا الشذوذ رفضكم «اللغة العربية» وعلومها، وهو أمر لا يمكن أن يصدقه قلب سليم، فكيف تنكر الباب الذي لولاه ما استطعت أن تنطق بحرف واحد من هذا القرآن؟!
لقد أصابتكم منشورات «يسألون عن قطع يد السارق والسارقة» بحالة من «الهستيريا»، جعلت الحليم منكم حيران، حتى أن أحدكم خرج يقول: لقد سقط مشروع محمد مشتهري الفكري لأنه قال بقطع يد السارق والسارقة!!
إن عقوبة السرقة، هي «القطع» المادي الحقيقي لليد، قولا واحدا، حسب ما ورد في سياق الآيات التي وردت فيها كلمة «القطع» بمعناها الحقيقي والمجازي، وقد بيّنت أن «اليد» أطلقت على «الكف» في سياق بيان أحكام الشريعة.
ومع هذا، ومن مظاهر «الهستيريا» التي أصابت المخالفين في هذا الرأي «كبرا وعنادا»، أن المشكلة مازالت عندهم، من أين تُقطع اليد، ولماذا لم يقل الله «ابتروا» وقال «اقطعوا»!!
والحقيقة التي يجب إعلانها اليوم، إن جميع المنشورات السابقة، التي هدمت القراءات القرآنية الشاذة، لم تحمل تعليقًا واحدًا، يحمل برهانا قرآنيًا واحدا، للرد على ما جاء فيها.
إن الأزمة الفكرية التي يعيش بداخلها المسلمون اليوم، أزمة «علم»، ويستحيل أن تظهر هذه الأزمة على السطح، ويراها أو يدركها أحد، طالما أن المنشورات التي تُعرض على شبكات التواصل الاجتماعي، لا يحمل معظمها إلا هوسا دينيا، أو إهانات لأئمة السلف، أو سخرية من مروياتهم، أو نكتًا وفوازير وقهقهات وآهات..، ولا يجدون من يقول لهم:
إلى أين أنتم ذاهبون، وإلى أي إسلام تنتسبون، وأي قرآن تتبعون؟!
محمد السعيد مشتهري