«اليد» بين الحقيقة والمجاز
لقد وردت لفظة «يد»، في السياق القرآني، بمعناها الحقيقي، بصيغة المفرد والمثنى والجمع، كعضو من أعضاء جسد الإنسان، كما وردت بمعناها المجازي، للدلالة على معانِ كثيرة منها: النعمة، والغنى، والملك، والقوة، والقدرة.
و«اليد» في لسان العرب تشمل الكفّ، والساعد، والعَضُد، ويكثر استعمالها بمعنى «الكفّ»، وذلك من باب إطلاق اسم الكل وإرادة به البعض أو الجزء.
المجموعة الأولي:
ووردت «اليد» بمعناهما المادي الحقيقي، في سياقات تتحدث عن قيامها بأعمال:
أولا: البطش:
١- «أمْ لَهُم أيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا»
٢- «لأُقَطِّعَنَّ أيْدِيَكُمْ وَأرْجُلَكُم مِّن خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُم أجْمَعِينَ»
٣- «إذْ هَمَّ قَوْمٌ أن يَبْسُطُوا إلَيْكُم أيْدِيَهُم فَكَفَّ أيْدِيَهُم عَنْكُم»
٤- «لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أنا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيكَ لِأقْتُلَكَ»
ثانيا: العذاب:
١- «أوْ تُقَطَّع أيْدِيَهُم وأرْجُلُهُم مِّن خِلافٍ»
٢- تفصيل «أوْ تُقَطَّع أيْدِيَهُم»، وبيان أن المستحقين لهذه العقوبة هم:
«وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»
٣- «وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا»
ثالثا: ما يفعله الإنسان في نفسه من مصائب، بإرادته أو بغير إرادته:
١- «وقَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ»
٢- «يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأيْدِيهِم وأيْدِي المُؤمِنِينَ»
رابعا: ما يفعله الإنسان في نفسه، تنفيذا لأحكام الشريعة القرآنية:
١- فريضة الوضوء:
«فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ»
نفهم من ذلك أن «اليد» تُطلق على «الكف»، وعلى «الساعد»، إلى الكتف.
ولكن الله أمر بغسل «الكف»، و«الساعد»، إلى «المرفق» فقط، وهذا يعني أن إطلاق «اليد» على «الكف» إطلاق صحيح.
٢- فريضة التيمّم:
ولقد أمر الله بـ «التيمّم»، وذلك في حالة تعذر وجود الماء:
«فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ»
وهنا أطلق الله «اليد» على «الكف»، ولم يقل «إِلَى الْمَرَافِقِ».
إن إطلاق «اليد» على «الكف» في السياق القرآني كثير، فتدبر:
– «وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ»
– «فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً»
– «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ»
– «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ»
– «إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ»
– «وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ»
– «إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا»
– «وَلَو نَزَّلْنَا عَلَيكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأيْدِيهِم»
– «لَيَبلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أيْدِيكُم ورِمَاحُكم»
إن اليد «الكف» التي تُمسك بالصيد، هي أيضا التي ترمي الصيد بالرمح.
المجموعة الثانية:
ووردت «اليد» بمعناها «المجازي» في مواضع كثيرة، منها:
١- «وَقَالتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أيْدِيهِم وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بل يَدَاه مَبْسُوطتَان يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ»
إن اليهود ينسبون إلى الله «البخل»، والله هو الغني الحميد.
٢- «إلا أن يَعْفُونَ أوْ يَعْفُوا الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِكاحُ»
إن الذي «بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِكاحُ» ليس هو الذي يملك ورقة عقد النكاح، وإنما الذي له الكلمة، القادر على التصرف واتخاذ القرار.
٣- «تَبَّت يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبَّ»
إن «اليد» هنا، ليس المقصود بها العضو المعروف، وإنما استخدمت في هذا السياق، باعتبار أن أكثر الأعمال تتم بها، وهلاك أبي لهب كان بسبب أعماله السيئة، وخُصّت اليدان بالتباب من باب التعبير ببعض الشيء عن كله.
٤- «وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُم إلَى التَّهْلُكَةِ»
ليس المقصود الإلقاء بالأيدي، وإنما الإلقاء بالأنفس، فعبر عن الكل «النفس» بالجزء «اليد» مجازًا، باعتبار أن «اليد» هي التي تباشر الإنفاق.
٥- «قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ – تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»
وقد جاءت «اليد»، في هذا السياق، للتعبير عن فاعلية أسماء الله الحسنى في ملكه، وعن قدرة الله ونفاذ أمره فيه، «وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
٦- «مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ»
إن من أصول الإيمان التصديق بما أنزله الله على الأنبياء من كتب، وقد جاءت الكتاب الخاتم، القرآن الكريم، تصديقًا للكتب المتقدّمة، ومهيمنة عليها لتصحيح ما قام أتباع هذه الكتب بتحريفه.
٧- «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ»
وتأتي «الأيدي» لبيان فضائل الأنبياء والمرسلين، وما قدّموه من أعمال جليلة، وما حملته قلوبهم من قوة البصيرة، في العمل بأحكام الشريعة الإلهية.
٨- «يَأمُرُونَ بالمُنْكَرِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ ويَقْبِضُونَ أيْدِيَهُم»
إن المؤمنين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أما المنافقون فيأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويُمسكون عن عمل الصالحات.
هذه مجرد أمثلة لبيان الفرق بين «المنهجية العلمية»، و«المنهجية العشوائية»، في التعامل مع نصوص «الآية القرآنية».
محمد السعيد مشتهري