نحو إسلام الرسول

(680) 7/3/2017 يسألون عن قطع يد السارق والسارقة (8)

«القطع»، بين الحقيقة والمجاز، في السياق القرآني

المجموعة الأولى: ما جاء على سبيل المجاز

١- «وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً» الأعراف ١٦٠

الحديث عن بني إسرائيل، جعلهم الله «أسباطًا»، و«السبط» ولد الولد، من أولاد يعقوب عليه السلام، وكانوا اثني عشر ولداً، جعل الله لكل سبط أمة خاصة به، لقوله تعالى بعدها:

«وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنْ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ»

٢- «وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً» الأعراف ١٦٨

فرقناهم جميعًا، بعد أن كانوا أسباطاً، وجعلنا كل فريق منهم مستقرًا في بلد، ولا يجتمعون في بلد واحد، و«مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ»، «وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»

٣- «أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ» محمد ٢٢

إن «تقطيع» الأرحام إفساد في الأرض، وخص به الأقارب لأن قطيعتهم أعظم عند الله، لذلك استخدم «التقطيع»، وليس «القطع»، لأن هذا النوع من الإفساد أشد وأعظم عند الله.

٤- «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ . وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ» الأنبياء ٩٣

٥- «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ . فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» المؤمنون ٥٣

أسند «التقطّع» إليهم، لبيان عظم جريمة «التفرق في الدين»، فقد جعلوا الدين «قطعًا» موزعة «بَيْنَهُمْ»، لقد اتخذوا بفعلهم هذا آلهة كثيرة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فصار دينهم متقطعاً قطعاً، لكل فرقة دين خاص بها، تعيش بداخله، فجاء تـشبيه ما فعلوه بـ «التقطّع»، على سبيل المجاز، والمقصود الدين:

«إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ».

ولذلك كان تفرق المؤمنين المسلمين في الدين شركًا بالله تعالى:

«وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»

٦- «إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ» البقرة ١٦٦
و«التقطع» الانقطاع والانفصال بشدة، فـ «شبه» حالهم بحال الساقط من علو، بعد أن انقطعت كل أسباب النجاة التي كانت ملتبسة به، «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ».

٧- «وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ» الأنعام ٩٤

حذف فاعل «تقطّع»، لبيان أن المقصود حصول «التقطّع»، بصرف النظر عن فاعله، فـ «التقطّع» مستعار لنفي أي اتّصال، كما يستعار الحبل للاتّصال، وهو أسلوب مجازي.

٨- «لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ» التوبة ١١٠

وهنا «التقطّع» كناية، أو مجاز، عن تمكن الريبة من قلوبهم، والاستثناء في «إِلاَّ أَن» تهكمي، لبيان أن هذا البنيان، «مسجد ضرار»، سيظل سببًا في تمكن «النفاق» من قلوبهم، ما داموا أحياء.

٩- «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ» الرعد ٣١

إن القرآن «آية عقلية»، ولو كانت حسية لفعلت أكثر من تسيير الجبال وتقطيع الأرض، فجاء هذا الأسلوب المجازي للتعريض بضلالهم إذ لم يهتدوا بهدي «الآية القرآنية».

١٠- «فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ» الحج ١٩

وهنا شبه النار بثياب مقطعة، مُفصّلة على قدر أجسادهم، وهو أسلوب مجازي، واستعارة تمثيلية تهكمية.

١١- «وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ» محمد ١٥

الناس تشرب الماء للارتواء، وأهل جهنم يشربون الماء الحميم للعذاب، وهم أصلا في حميم جهنم، لذلك جاء، «على سبيل المجاز»، ببيان أثر هذا الماء الحميم «فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ»، وهل هناك شيء في أجسادهم لم يُحرق ولم يُمزق ولم يُقطع أصلا؟!

المجموعة الثانية: ما جاء على سبيل الحقيقة

١٢- «إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ» المائدة ٣٣

إن صيغة التفعيل «فَعَّلَ» في الأفعال الثلاثة، «يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم»، أصلها الفعل الثلاثي «قَتَلَ، صَلَبَ، قَطَعَ»، ويرجع استخدام صيغة المبالغة «تُقَطَّعَ»، إلى ما ذكره السياق عن كيفية تنفيذ قطع الأيدي والأرجل، وقوله «مِّنْ خِلافٍ».

إن هذه العقوبات عقوبات مادية، وجاء استخدام القطع على حقيقته، وليس مجازا، كما في المجموعة الأولي، وجاءت «منْ»، في «مِنْ خِلافٍ»، ابتدائية، لبيان موضع القطع بالنسبة إلى العضو الثاني المخالف له في الجهة، أي إذا كانت اليد التي قُطعت هي اليمنى، ثم تكررت الجريمة، تُقطع الرجل اليسرى، فلا تنفذ العقوبة على جانب واحد.

ويبدو أن هذه العقوبات الرادعة، القاسية، من وجهة نظر منظمات حقوق الإنسان، كانت موجودة في شرائع الأمم السابقة، وليست خاصة فقط بالشريعة القرآنية الخاتمة، بل وكانت معروفة للناس وقت نزول القرآن، بدليل ذكر القرآن لها.

تدبر ماذا أراد فرعون أن يفعله بالسحرة:

١٣- «لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ» الأعراف ١٢٤

١٤- «فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ» طه ٧١

١٥- «لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ» الشعراء ٤٩

إن قطع الأيدي، في سياق الآيات الأربع، جاء بمعناه الحقيقي، أي فصل اليد عن الجسم، فكيف نأتي ونقول، إن عقوبة السارق، التي وردت في قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»، هي السجن، أو نقله إلى وظيفة أخرى؟!

إن قوله تعالى «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»، جاء بتفصيلا لما ورد في سياق عقوبات المفسدين في الأرض، وبيانا لقوله تعالى: «أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ»، وأن هذا القطع هو عقوبة السارق والسارقة.

فمن أين جاء أدعياء تدبر القرآن، ببدعة السجن، وهو مصطلح موجود أصلا في القرآن، ومع ذلك لم يستخدمه الله تعالى، ومن أين جاؤوا بالإبعاد عن مكان العمل، وقد وردت عقوبة «النفي» في نفس سياق الآية؟!

المجموعة الثالثة: ما جاء على سبيل الحقيقة والمجاز

١٦- «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» / يوسف ٣١

١٧- «مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» / يوسف ٥٠

في المجموعتين، الأولى والثانية، كان «الفاعل» للقطع غير المفعول به، أما هنا فالفاعل «المرأة»، والمفعول به «المرأة نفسها»، وهو أمر يختلف تماما عن كل ما سبق، لأن فيه الحقيقة والمجاز.

إن فعل «قَطَعَ»، الوارد في سياق المجموعة الثانية بالصيغة المشددة، «تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ»، جاء على سبيل الحقيقة، والفاعل غير المفعول به، أما هنا فالفاعل هو نفسه المفعول به، إذن فهناك حقيقة للقطع، ولكن يستحيل أن يكون بمعنى فصل اليد، استنادا إلى البديهة العقلية.

ثم جاء التضعيف في «قَطَّعْنَ» بدلالة التكثير، إشارة إلى كثرة النسوة القاطعات، كما يدل على مبالغة كل امرأة في القطع، وحسب ما ورد في سياق القصة، فإنه يستحيل أن يحدث هذا «القطع» المبالغ فيه، إلا إذا كان المعنى هو ما يُعرف في الجراحة بـ «القطع السطحي»، وهو إيقاع فعل القطع على جزء من اليد، ينفصل فيه اللحم عن بعضه.

أما لماذا فعل النسوة ذلك، وكيف، وهل كان ذلك بسبب رؤيتهن ليوسف، أم بسبب اتفاق كان بينهن وامرأة العزيز على تنفيذ ذلك، في حالة تبيّن أنها صادقة..، فكل هذا خارج سياق الموضوع، لأن الذي يهمنا هو بيان معنى «القطع»، بين الحقيقة والمجاز، في السياق القرآني.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى