نحو إسلام الرسول

(660) 25/2/2017 فقه الناطق والمنطوق (10) الأخير

إن «لسان العرب» كان ينطق بـ «لغة عربية»

عندما استخدم السياق القرآني كلمة «اللسان»، دون غيره من الآيات المشاركة في عملية النطق، كان ذلك لبيان أن «اللسان» هو «عمدة» هذه الآيات، لذلك بدأ:

أولا: ببيان المعنى الحقيقي لـ «اللسان»:

«أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ . وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ»

«يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ»

فـ «الألسن» هي «آلة النطق».

ثانيا: بيان المعنى المجازي لـ «اللسان»:

«بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ»

«وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»

إن «اللسان» بمعناه الحقيقي، «قطعة اللحم»، لا يوجد منه عربي وأعجمي، لذلك فإن المقصود هو الاستخدام «المجازي»، أي اللغات، واللهجات المتفرعة عنها، التي ينطق بها «اللسان»، فَسُمّيت «اللغة» باسم سببها، وهو «اللسان».

وقد تُستخدم «اللغة» ويراد بها «اللهجات» المختلفة في الأمة الواحدة، وهذا ما يُعرف في علم «المجاز» بإطلاق اسم الجزء على الكل، كقولهم:
لغة قريش، وقيس، وكنانة، وبكر، وتغلب، وربيعة، ومضر، وتميم، وغطفان.

إن «اللغة» هي «مسمى» الكلام الذي ينطق به «اللسان»، وعندما استخدم السياق القرآني كلمة «اللسان» للتعبير عن «اللغة»، فذلك لأنه «آلة النطق» التي خُلق بها البشر جميعًا، ثم اختلفت «لغاتهم»، و«لهجاتهم»، كلٌ حسب البيئة التي نشأ فيها.

فعندما يقول الله تعالى:

«وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ»

فإن «اختلاف الألسن» هو اختلاف «اللغات» التي ينطق بها «اللسان».

ولذلك حفظ الله «لسان العرب»، الذي نزل به القرآن، في مراجع «اللغة العربية»، وإلا ما قامت حجة القرآن على الناس، وما أمرهم الله بتدبر آياته، فكيف يتدبر «الأعجمي» القرآن، وهو لا يعلم كيف يقرأ كلماته؟!

فإذا ذهبنا إلى مراجع «اللغة العربية»، وجدنا:

أولا: يقول الراغب في المفردات: «اختلاف الألسنة» إشارة إلى اختلاف اللغات.

ثانيا: يقول ابن منظور في لسان العرب: «إلا بلسان قومه»، أي بلغة قومه.

ثالثا: يقول الزبيدي في تاج العروس: اللغة أصلها لغى أو لغو، ولغا لغوًا تكلم.

رابعا: يقول ابن فارس في مقاييس اللغة: إنَّ اشتقاق اللغة من «لغو».

خامسا: ويقول ابنُ جنّي في الخصائص: «اللغة» فُعْلةٌ مِن لغوتُ، أي تكلمتُ.

ولقد وردت كلمة «لغو» في إحدى عشرة «١١» آية من كتاب الله، بمعنى الكلام الذي لا معنى له ولا فائدة، فهل معنى هذا عدم اعتراف القرآن بـ «اللغة»؟!

إن الأمر عكس ذلك تماما، فهذه الآيات، الـ «١١»، هي البرهان على أن «الكلام» الذي نطقت به «ألسن العرب» اسمه «اللغة»، كما سبق بيان ذلك عند حديثنا عن قوله تعالى: «وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ»، أي اختلاف «اللغات» التي تنطق بها «أَلْسِنَتِكُمْ»، ومن البراهين على ذلك:

١- قوله تعالى: «لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ»

إن «اللغو» هنا ليس معناه «الكلام الذي لا معنى له، ولا فائدة مرجوة منه»، لأن المقصود إحداث أي شيء، يجعلهم لا يسمعون القرآن «وَٱلْغَوْاْ فِيهِ»، ولو كان كلاما حقًا فصيحًا، ولكنه بأصوات مرتفعة وسريعة، ولذلك استخدم حرف «في» الظرفية، لبيان أن المطلوب هو إيقاع التشويش في صوت القارئ، بهدف: «لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا ٱلْقُرْآنِ».

٢- قوله تعالى عن أهل الجنة:

«لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً»

وبصرف النظر عن هل الاستثناء «إلا» متصل أم منفصل، فإننا نفهم من السياق أن هناك أصوات سُميت «لَغْواً»، منها ما هو «سلام»، هذا بمنطق الذين يتعاملون مع النص دون الاستعانة بمراجع «اللغة العربية»، أي أن أهل الجنة، يسمعون «لغوا» ولكنه حقٌ.

لا شك أن «لسان العرب» كان ينطق بـ «اللغة العربية»، واستخدام القرآن الألفاظ والمعاني بحسب الاستعمال العربي لها، ككلمة «اللغو» مثلا، لا ينفي، كما ذكرنا، استخدام العرب لـ «اللغة»، بناء
على قاعدة «عدم الوجدان ليس دليلا على عدم الوجود».

إن عدم وجدان كلمة «لغة» في السياق القرآني، للتعبير عما ينطق به «اللسان» من «لغات»، سواء كانت عربية، أو أعجمية، ليس معناه عدم وجود كلمة «اللغة» في لسان العرب.

وفي ختام موضوع «فقه الناطق والمنطوق»، أقول لأدعياء العلم، وجهلاء التدبر، وأصحاب بدعة «القرآن وكفى»، كفاكم إفسادًا، وإضلالًا، وتحريفًا لكلام الله، وتفكيكًا لبنية السياق القرآني، وإسقاطًا لمعظم أحكام الشريعة القرآنية، وعيشوا حياتكم الفكرية بكامل حريتكم داخل «مقبرة نقد ونقض التراث الديني»، فهذه هي التي تجيدون التعامل معها، والحديث بداخلها، واقطعوا علاقتكم تمامًا بنصوص «الآية القرآنية».

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى