نحو إسلام الرسول

(655) 22/2/2017 لن تستطيعوا إخراج «ما في القبر» حيًا

عندما أهتم بالتعقيب على تعليق أحد الأصدقاء، وأفرد له منشورًا خاصًا، فهذا ليس بهدف إقناع صاحبه بما أقول، وإنما لإضافة مزيد من الأمثلة إلى ملف «العشوائية الفكرية»، ولبيان كيف تقف «المنهجية العلمية» حاجزًا منيعًا أمام اختراق أصحاب بدعة «القرآن وكفى» للبناء المحكم لنصوص «الآية القرآنية».

تعالوا نتخيل أننا نعيش مع رسول الله في عصر التنزيل، ونقرأ قول الله تعالى:

«وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِن الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ»

فلا شك أننا سنعلم، على الفور، من هم «الأعراب» الذين يحدثنا الله عنهم، وأين يسكنون حول المدينة، لأننا نعيش معهم، ولقد نزل القرآن يحذرنا من نفاقهم.

ولكن عندما نقرأ هذه الآية اليوم، ونريد معرفة من هم «الأعراب» لنحذرهم، فأين نجد وصفهم في هذه الآية، أو في العشر آيات التي وردت فيها هذه الكلمة؟!

لقد ذكرت «العشر آيات» التي وردت فيها كلمة «الأعراب»، في المنشور السابق، وبيّنت أنه يستحيل «بالنظر إليها وتدبرها»، أن يفهم منها عاقل من هم «الأعراب»، ولو استعان بشياطين الجن.

فإذا تركنا عصر الرسالة، عصر التنزيل، وجئنا اليوم نتعامل مع النص القرآني الذي أمامنا، فسنقف عاجزين أمام هذه الآيات «العشر»، لا نستطيع معرفة من هم «الأعراب» الذين ورد ذكرهم فيها.

أما أصحاب بدعة «القرآن وكفى»، أتباع منهج «القص واللصق» و«العشوائية الفكرية»، يستخدمون ذاكرة معارفهم العربية، التي تكوّنت منذ طفولتهم خارج القرآن، ويقولون بما يقول به «أئمة السلف»، إن «الأعراب» هم «البدو»، استنادًا إلى أمهات كتب التفسير واللغة العربية، وإلى قوله تعالى: «وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ»!!

فهل بعد هذا من «هوس ديني»، فما علاقة كلمة «البدو»، التي ذُكرت في آية واحدة، في سياق الحديث عن قصة يوسف، ما علاقتها بكلمة «الأعراب»، التي ذُكرت في القرآن بعد قرون من عصر يوسف؟!

هل بيّن القرآن أن «البدو» هم «الأعراب» الذين كانوا يسكنون حول المدينة؟!

إن المتدبر للقرآن، لا يجد مطلقًا علاقة بين الكلمتين: «البدو»، و«الأعراب»، وإنما جاء أصحاب بدعة «القرآن وكفى» بهذه العلاقة، من ذاكرة معارفهم العربية، مع الاستعانة بآليات البحث عن جذر الكلمة، ومشتاقاتها، وتعلم الفرق بين دلالة الفعل الثلاثي والرباعي..، والفعل واسم الفاعل..، أي بعد استعانتهم بالجهود التي قدمها أئمة وفقهاء «اللغة العربية» للتيسير على الناس فهم «لسان العرب»، فإذا بهم ينكرون حجية معاجم «اللغة العربية» في فهم القرآن.

إذن فأين في «القرآن» بيان من هم «الأعراب»، ومن هم «البدو»؟!

وعندما يقول الله تعالى:

«لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ (فِي الْمَدِينَةِ) لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً»

نفهم أن الذين ذكرتهم الآية موجودون (فِي الْمَدِينَةِ)، وإذا كنا نعلم من هم «المنافقون»، في كل زمان ومكان، إلا أننا لا نعلم أين تقع هذه (المدينة)، التي ورد ذكرها في الآية، وهل بيّن القرآن وفصّل مكانها على الخريطة، استنادًا إلى قوله تعالى:

«وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ»؟!

كيف تدّعون أن القرآن لا يُفهم إلا بالقرآن، وتتحدثون عن سياق آيات وردت فيها كلمة (المدينة)، وما الذي كان يحدث فيها، وأنتم لا تعلمون أين هي؟! أفلا تعقلون؟!

وهل يُعقل أن نتبع «منظومة التواصل المعرفي»، في كل كلمة من كلمات القرآن، ومنها كلمة «المدينة»، التي تقع على أرض الجزيرة العربية، في دولة اسمها «السعودية»، ثم نخرج للناس ونقول لهم: «القرآن وكفى»؟! أفلا تعقلون؟!

وعندما يقول الله تعالى:

«.. وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ . يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا (إِلَى الْمَدِينَةِ) لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ»

نعلم أن المنافقين يُهدّدون أهل المدينة، ولكن أين تقع هذه «المدينة»؟!

وعندما يقول الله تعالى:

«وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ (أَهْلِ الْمَدِينَةِ) مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ»

نعلم أن المنافقين موجودون حول المدينة، وفي داخلها، ولكن من هم «الأعراب» (يعني جنسيتهم إيه)، وما هي هذه «المدينة» التي مردوا فيها على النفاق؟!

وعندما يقول الله تعالى:

«مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ»

نعلم أن «أهل المدينة» مثلهم مثل «الأعراب»، لا يجب أن يتخلفوا عن رسول الله، ولكن من هم «أهل المدينة»، ومن هم «الأعراب»، وهل بيّن النص القرآني ذلك؟!

الحقيقة، إنها مصيبة فكرية عظمى، وأزمة عقلية كبرى، أن نلجأ إلى أمهات كتب التاريخ والحضارات، نتعلم منها الفرق بين سكان «الحضر»، وسكان «المدينة»، وسكان «البدو»، ثم بعد ذلك، واستنادًا إلى منهج «القص واللصق»، نخرج إلى الناس، ونقول لهم إن «الأعراب» هم «البدو»!!

إن سؤال المنشور السابق كان بسيطًا وسهلًا جدًا، وما كانت الإجابة عليه تحتاج إلى مئات الكلمات، وعشرات الجمل، من الكلام المرسل الذي لا محل له من الإعراب.

كان السؤال: هل بيّن القرآن وفصّل، من هم «الأعراب»، ومن هم «البدو»؟!

وكان من المفترض أن تكون الإجابة: بـ «نعم» أو «لا»

وإذا كانت بـ «نعم»، يجب أن يأتي التعليق بجملة واحدة مفيدة، تبيّن أين ورد هذا البيان القرآني.

لقد كشفت تعليقات الأصدقاء، أتباع بدعة «القرآن وكفى»، عن أزمة «الفكر القرآني» التي قامت على اتباع «الهوى»، والتي يستطيع أي عاقل بمجرد الاطلاع عليها أن يقف على حقيقتها، ويعلم لماذا «دَفَنّاها» في مقبرة «الفكر العشوائي»، و«الهوس الديني».

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى