نحو إسلام الرسول

(619) 24/1/2017 («الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – مقدمة)

إن الأربعين منشورًا مثال لكيف تواجه المنهجية العلمية شبهات القراءات الشاذة للقرآن في مسألة واحدة من مسائل الشريعة، وهي مفهوم الصلاة، وكيفية إقامتها، والمنشور السابق الذي بعنوان «انتهى الدرس يا ذكي» وضعته للتأكيد على أن هذه القراءات ما زالت تحرث في «الهواء»، فتعجبت كيف أصبحت العشوائية الفكرية تحكم قلوب الذين يدّعون تدبر القرآن؟! ألم يكفهم عجزهم، منذ «١٣ أكتوبر ٢٠١٦م» وإلى اليوم، عن الإتيان بـ «مسميات» كلام الله، الذي يدّعون تدبره، من داخل القرآن «أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟! ألم يكفهم عجزهم عن الإتيان بـ «القواصم العشر»، وهي كلمات: ١- «تَحُسُّونَهُم» ٢- «سَاقٍ» ٣- «قَائِلُونَ» ٤- «الْغَائِطِ» ٥- «مُرَاغَمًا» ٦- «فَأُمُّهُ» ٧- «الْأَعْنَاقِ» ٨- «بَنَانٍ» ٩- «وَقَاسَمَهُمَا» ١٠- «يَفْرَقُونَ»، فلم يأت أحد منهم بآية واحدة تبين معنى هذه الكلمات «أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ»؟ ألم يكفهم عجزهم عن الإتيان بـ «مسمى» هذه الأسماء: «الكعبة»، و«عرفة»، و«المشعل الحرام» من داخل القرآن، وهي أماكن موجودة على الأرض، تؤدى عليها فريضة من فرائض الإسلام، وهي الحج، «أَفَلا تَتَّقُونَ»؟! ثم يأتي أحد الغلمان «فكريًا» في تعليقه على المنشور السابق ليُعلمني الفرق بين اللسان واللغة بدعوى التطور الدلالي لألفاظ القرآن، وتعليقه يشهد أنه لا يفهم ما كتبه، لذلك استسمح الأصدقاء بتأجيل الحديث عن مبادرة نحو إسلام الرسول، لمزيد من الرد على الشبهات.
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (١)
ينقسم الناس إلى «عَالِم»، و«جاهل»، و«أمّي»، «العَالِم» يتبع «المنهجية العلمية» التي يعلمها علماء العالم، و«الجاهل» يتبع «المنهجية العشوائية» التي يعلمها علماء العالم، و«الأمّي» يتبع «العلماء» و«الجهلاء»، دون تمييز، لذلك فهو الأكثر تأثيرًا في الشعوب المتخلفة، يليه «الجاهل» وتأثيره في الشعوب النامية، ثم «العالم» وتأثيره في الشعوب المتحضرة، ولذلك نسبة «الأمية» عند الشعب الياباني أقل من ١٪ «إحصائيات ٢٠١٥م»، ومن هنا نعلم لماذا جعل الله تدبر القرآن واستنباط أحكامه في يد «العلماء» لأن هذا القرآن ليس كالكتب الإلهية التي سبقته، فهو يحمل في ذاته «الآية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، الأمر الذي يقتضي أن يكون تدبره واستنباط أحكامه داخل محراب العلم، وعلى أيدي «العلماء»، وهذا ما بيّنه الله في كثير من الآيات، منها قوله تعالى: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ . بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ . وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» فكيف نترك الجهلاء والأميين يستنبطون أحكام الكتاب بهذه «المنهجية العشوائية» وبهذا «الهوس الديني»؟
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (٢)
عندما ظهر كوكب اليابان في سماء العلم ظهر بشعبه، وعندما اختفت خير أمة أخرجت للناس من سماء العلم اختفت بشعبها بعد ما لا يزيد عن ربع قرن من وفاة النبي وأصبح العلم في أيدي «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً» وتحول علم الآية إلى علم الرواية وعمّ «الجهل» وعمّت الأمية سماء العلم، ولم يعد المسلمون يعرفون إلا علماء وأئمة السلف حسب الفرقة التي ينتمون إليها، وورث الإسلاميون بجميع توجهاتهم الفكرية المنهجية السلفية في التعامل مع نصوص «الآية القرآنية»، ولم يستطيعوا التخلص من ذاكرتهم المعرفية العربية «الروائية» عند تدبرهم للقرآن، وأصبح «فيروس» الروايات حاكمًا على فهمهم للقرآن، وكما تفرق المسلمون بعد أحداث الفتن الكبرى «بَغْياً بَيْنَهُمْ» تفرق أصحاب التوجهات الفكرية «بَغْياً بَيْنَهُمْ»، «وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ»، «فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ .. ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»، لذلك لن يقبل الله الإيمان والإسلام «الوراثي»، لأنهما لا يقومان على «العلم»، والله يقول: «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»، فـ «العلماء» هم الذين
يعلمون أن هذا القرآن هو «الْحَقَّ»، وأنه وحده الذي «يَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (٣)
وفي سياق الحديث عن وجوب أن يتبع متدبر القرآن «المنهجية العلمية» التي حملتها كلمة «التدبر» في الآية: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»، والتي تقوم على تفعيل آليات التفكر والتعقل والتفقه…، «آليات عمل القلب»، وأنه يستحيل الإيمان بوحي «النبوة» دون الإقرار بصدق «الآية» الدالة على صدق «النبي»، تعالوا نسأل أنفسنا: هل يمكننا أن نفهم قوله تعالى: «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ» دون الاستعانة بأدوات معرفية من خارج القرآن؟ فما معنى الحق الأول، «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ»، وما معنى الحق الثاني «وَبِالْحَقِّ نَزَلَ»؟ وهل يمكن أن نقف على هذا «الحق» من خلال كلام الله المدون في المصحف، ونحن «أعاجم» نعيش في كوكب آخر لم نتعلم كيف نقرأ القرآن الذي نزل بـ «اللسان العربي»؟ إن الذي أنزل الكتاب هو الله «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ» وهذه مسألة نؤمن بها، لأنها من عالم الغيب، ثم من لحظة نزول الكتاب إلى عالم الشهادة يبقى وحي «النبوة» حقًا محفوظًا إلى يوم الدين، فهل آمن أهل اللسان العربي بالحق المنزل قبل أم بعد الإيمان بـ «الآية العقلية» الدالة على أنه «الحق المبين»؟ لا شك أنهم آمنوا به بعد
إيمانهم بـ «الآية» الدالة عليه، وهل إيمانهم بـ «الآية» يستلزم أن يكونوا من «الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»؟ نعم لقوله تعالى بعدها: «قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً»، سواء كان سجودهم حسيًا أو معنويًا.
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (٤)
إن الأمة الإسلامية أمة علم، من المفترض أن يكون أهلها هم الذين يعيشون على كوكب اليابان، علماء يخشون ربهم «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»، أقاموا خشيتهم على الفهم الواعي لحقيقة الوحدانية «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ»، لا يتبعون الهوى «وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ»، حتى آداب المجالس وأبسط المسائل الأخلاقية في الحياة الاجتماعية يعلمونها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا .. يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»، نفهم من ذلك أنه لا تدبر للقرآن، ولا استنباط لأحكامه، ولا حضارة إسلامية ولا تقدم للمسلمين نحوها خطوة واحدة، دون «إيمان خالص» و«علم جاد»، ولو علم المفكرون الإسلاميون ذلك، لاهتموا بترسيخ «المنهجية العلمية» لتدبر القرآن في قلوب المسلمين، وما أجهدوا أنفسهم وأضاعوا أوقاتهم في نقد أو نقض نصوص تراث ديني ما أنزل الله به من سلطان، لأنهم يعملون في سبيل الهوى المذهبي وليس في سبيل الله فالقرآن وحده هو الذي يواجه هذه الشبهات ومن لم يَكْفِهِ كلام الله فلن ينفعه هدم تراث الأمم جميعه، لأنه من الذين قال الله فيهم «لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ» إن آية واحدة من القرآن تكفي لهدم ما ألقاه الشيطان في قلوب الرواة، وهي قوله تعالى «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً»
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (٥)
لو تدبر المفكرون المستنيرون قوله تعالى «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً» ما أجهدوا أنفسهم في كتابة كلمة واحدة في نقد أو نقض التراث الديني ومروياته لأن الآية تحمل برهانًا قطعي الدلالة على أن النص الذي حمله وحي النبوة من عالم الغيب «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ» إلى عالم الشهادة «وَبِالْحَقِّ نَزَلَ» هو كتاب الله الذي تعهد الله بحفظه ولم يفوض رسوله ليشرع للناس خارج حدوده، وهذا ما بيّنه الله بقوله بعدها «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً» فلماذا يضع المفكرون المستنيرون كتاب الله أمام كتب التراث الديني المذهبي في ميزان واحد ثم ما وافق كتاب الله من هذا التراث قبلوه وبذلك ساووا بين «الآية» و«الرواية» من حيث القيمة، وهذا شرك بالله، لقوله تعالى: «أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ»، فهل فهم الذين أضاعوا جهودهم وأوقاتهم في نقد ونقض التراث الديني ومروياته، قوله تعالى بعدها: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»، وهل عرفوا لماذا قال تعالى «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ولم يقل وذكرى للمؤمنين؟ ومن هم القوم «المؤمنون» الذين شرفهم الله بالذكر في هذا السياق الذي حمل البرهان على أن القرآن «آية إلهية»، وليس «كتابًا إلهيًا» فقط؟ وهل يستطيع الجاهل أو الأمي
أن يفهم الفرق بين «الآية» و«الرواية»، أم يجب أن يكون من «الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»؟
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (٦)
وعندما نتدبر سياق الآية «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً» نجد بعدها «وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً» ثم يقول تعالى «قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ..»، وكلمة «به» تشير إلى الحق المنزل وهو «القرآن» المقروء وهو نفسه «الكتاب» المكتوب، فلا فرق بين الكتاب الذي «لا رَيْبَ فِيهِ» والقرآن الذي لم يستطيع الجن والإنس «أَنْ يأتوا بمثله» ولا يوجد مسلم من الذين «أُوتُوا الْعِلْمَ»، يقول إن الكتاب غير القرآن لأن الله يقول «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ» والحق وحي «النبوة»، فكيف يؤمن مسلم بـ النبي ويكفر بوحي النبوة والله يقول «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا»، فهل ورث المسلمون الكتاب، أم ورثوا القرآن، أم ورثوا مصحفًا للكتاب ومصحفًا للقرآن؟ فما هذا الهوس الديني وما هذا التخلف الفكري، الذي تشربه هواء الفضاء في أمة آمنت بـ النبي وعصت «النبوة»، قدّست «الرواية»، وهجرت «الآية»، تفرح وتُعجب بمن يهدم تراثها الديني، فإذا بها مع العلمانيين واللادينيين في خندق واحد، لا تعرف إلى إقامة مجتمع «الإيمان والعمل الصالح» سبيلا، إنها حقًا جريمة كبرى أن تهدم تراث أمة قبل أن تقيم لها على أرض الواقع مشروعًا يُخرجها من ظلمات «الشرك» إلى نور «الوحدانية» من ظلمات «الجهل» إلى نور «العلم» من ظلمات «التخلف» إلى نور «التقدم» .. متى؟!
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (٧)
يعتبر من الهوس الديني، والتخلف الفكري أن ننكر «منظومة التواصل المعرفي» التي يستحيل أن نفهم حرفًا واحدًا من القرآن دون الرجوع إلى مراجع «اللغة العربية» التي حملتها وخير شاهد على ذلك «الأربعون منشورًا والقواصم العشر» ويبقى السؤال قائمًا هل شربت «اللبن» وعرفت متى يتغير طعمه فترفض شربه، وهل عرفت ذلك من داخل القرآن أم من خارجه وإذا كان من خارجه فهل يُعقل أن يقول مسلم إنه فهم كل حرف من الآية «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ» من داخل القرآن؟ إنه يستحيل أن نفهم حرفًا واحدا من هذه الآية دون الرجوع إلى مراجع «اللغة العربية»، التي حملتها للناس «منظومة التواصل المعرفي» وهل عندما ضرب الله المثل بنعيم الجنة فقال «فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ» هل كان أهل «اللسان العربي» يعرفون من اللسان معنى «لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ» أم من واقع خبرتهم مع طبيعة هذا «اللبن»؟ وعندما قال الله تعالى «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» فهل بيّن معنى كلمة «هُدِّمَتْ» التي في «لسان العرب» تعني انهيار وسقوط أي شيء، سواء ماديًا أو معنويًا؟ فكيف لا يكون البيت الحرام الموجود داخل المسجد الحرام هو المكان الذي أدى فيه النبي والذين آمنوا معه مناسكهم ويؤديها المسلمون إلى اليوم؟
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (٨)
هناك حقائق تاريخية حفظ الله «آثارها» لتكون عبرة للناس على مر العصور، ومن ذلك ما أشارت إليه الآية «وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ» فيستطيع أي مسلم أن يشاهد هذه «الآثار» وهو يقرأ الآية ويقول نعم هذه مساكن عاد وثمود، نعم هذه مدائن صالح وظلت هذه الحقائق قائمة على الأرض موثقة في المراجع العالمية تشهد بصحتها منظومة التواصل المعرفي التي انفرد بها مشروعي الفكري وتميّز على سائر المشاريع الأخرى، هذه المنظومة المعرفية التي ما زال هناك من يعتبرونها «تواترًا عمليًا» ولا علاقة لها بهذا المصطلح المذهبي ولا بهذا «التوتر» الذي أحدثه التواتر في قلوب الذين آمنوا فعندما يتحدث القرآن عن آثار لحضارات سبقت نزول القرآن بقرون ويدعو الناس لمشاهدتها فبأي منطق نقول إن القرآن لا يُفهم إلا بالقرآن وقد رفع إبراهيم عليه السلام قواعد البيت الحرام في منطقة اسمها «بكة»، في بلد اسمها «مكة» على أرض اسمها «الجزيرة العربية» مع عدم وجود بيان لهذه المعارف ولا تفصيل في القرآن؟ لذلك كان من الطبيعي أن ينتشر «فيروس الهوس الديني» بين من وسموا أنفسهم باسم المفكرين المستنيرين، فَكَذّبُوا الله الذي حفظ هذه «الآثار» بمسمياتها التي نزل بها قرآنٌ يتلى على العالمين إلى يوم الدين، وكما قال الشاعر سيمونيدس «هزمناهم، ليس حين غزوناهم ولكن حين أنسيناهم تاريخهم» وأضيف وحين أنسيناهم تواصل حلقات المعارف العالمية.
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (٩) – قبل الأخير
إن الله تعالى هو الذي أمر إبراهيم عليه السلام ببناء البيت الحرام الذي في بكة، في بلد اسمها مكة على أرض الجزيرة العربية، وبرهان ذلك كلمة «بَوَّأْنَا» في الآية «وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ» وبَوَّأْنَا حددنا مكانًا على الأرض وهذا ما بينه القرآن في العديد من الآيات منها «وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا» والآية «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ»، أي تُحدد لهم أماكن القتال والسؤال: لماذا عندما جاء السياق المُبيّن لمعنى «البيت الحرام» وكيفية إقامة الصلاة يخرج العشوائيون المتخصصون في تحريف الأسماء والمسميات، ويقولون إن «بَوَّأْنَا» ليس معناها حددنا «مكانًا» على الأرض وإنما «مكانة» معنوية والله تعالى يقول: «وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ»، أي حدّدنا له مكاناً يبني عليه «البيت الحرام» الذي قام من أول يوم على الوحدانية «أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً» والذي يجب أن يكون دائمًا طاهرًا حسيًا ومعنويًا للعابدين المصلين «وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» وهو من مناسك الحج «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ..» إنك عندما تدخل «المسجد الحرام» فإن بصرك إما يقع على قائم يصلي أو راكع أو ساجد في هيئة الصلاة، ثم عند وقت الصلاة يؤدّونها جميعًا قيامًا وركوعًا وسجودًا، فلماذا قال إبراهيم في دعائه «رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ»؟!
«الأربعون» منشورًا، والقواصم «العشر» – (١٠) – الأخير
لماذا لم يتعلم المسلمون الدرس من أحداث الفتن الكبرى، ومن القراءات الشاذة للقرآن؟ لقد مزقت الفتن الكبرى الأمة الإسلامية تمزيقا، ومزقت القراءات الشاذة الفكر الإسلامي تمزيقا، فلم تترك اسمًا أو فعلًا أو حرفًا إلا وأخرجته عن أصله العربي بدعوى أن اللسان العربي غير اللغة العربية، لأنهم لا يعلمون أن الله يستحيل أن يحفظ كلامه المدوّن في المصحف دون مسماه الموجود خارجه، فمثلا كلمة عرفات وردت في سياق بيان مناسك الحج، فهل بيّن القرآن ماهي؟ ثم تعالوا إلى حرف «اللام» في كلمة «لِيُقِيمُوا» الواردة في دعاء إبراهيم «رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ» فأهل اللغة العربية يعلمون أن هذا الحرف برهان قطعي الدلالة على أن علة بناء الكعبة أن تكون قبلة المسلمين في صلاتهم، ومنسكًا من مناسك الحج، فتدبر «وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ»، ثم قال بعدها «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» فهل حدث منذ
بعثة النبي محمد وإلى يومنا هذا أي تغيير أو تحريف لكيفية أداء الصلاة، أو لكيفية أداء مناسك الحج، في «البيت الحرام» الموجود داخل «المسجد الحرام»، الموجود في البلد التي اسمها «مكة»؟ انظر كلمة واحدة عرفات، وحرف واحد اللام، يهدمان القراءات الشاذة للقرآن من قواعدها، والسؤال الأخير: كيف صلى النبي استنادا للنص القرآني؟
مجمل القول
إن الإسلام دين علم والمؤمنون به علماء، وهذا ما شهد كتاب الله به، أما العلم والعلماء فقد ذهبوا، ولم يبق إلا المؤمنون الذين يتبعون أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، سلفيون ينسبون إلى الله مصدرًا تشريعيًا لم يأذن به فاتخذوا إلههم هواهم وعصريّون يُحرّفون كلام الله لخدمة أهوائهم، يرون القرآن غير الكتاب غير الفرقان، والبيت الحرام ليس هو الكعبة، وجبل عرفات خدعة استخف بها أئمة السلف عقول المسلمين، ولا مجاز في القرآن، فيا أهل القرآن كيف تفهمون قول قوم إبراهيم «فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ» إن كلمة «على» تفيد الاستعلاء، فكيف يحملون إبراهيم «عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ»، إلا إذا كان التعبير مجازيًا، أفلا تعقلون؟ أما المستنيرون فلا ينكرون التراث الديني وإنما يطالبون بتنقيته مما يخالف القرآن، أي أنهم وأئمة السلف والخلف في خندق الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً، ولذلك فإن أفضل أسلوب لمواجهة هذه التوجهات الفكرية هو محو ذاكرة المعارف العربية من قلوبهم ثم نطلب منهم فهم القرآن بالقرآن ونشوف حيفهموه إزاى أما أن ينطلق أصحاب هذه التوجهات والذين يقرؤون لهم، عند فهمهم للقرآن واستنباط أحكامه، من قاعدة ذاكرة المعارف العربية، فهذا هو عين العشوائية الفكرية التي بيّنتها وفصّلتها في منشورات «يعصون النبوة ويصلون على النبي»، و«الأربعون منشورا والقواصم العشر» لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى