نحو إسلام الرسول

(558) 25/12/2016 (الإسلام دين «أمة» وليس شأنًا فرديًا)

عندما تخلفت «أمة الإسلام»، وأصبحت في ذيل الحضارة، كان من الطبيعي أن يبحث أفرادها عن أسباب يبرّرون بها تفرقهم وتخلفهم، وجهلهم بأصول «الدين الإلهي» الذي يجب إعادة إقامة إسلامهم عليه، فما كان منهم إلا أن اعتبروه «شأنًا فرديًا»، ليظل المسلمون على تخلفهم، بلا «أمة» تحميهم، وتدافع عنهم، والله تعالى يقول:

«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ، وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ . وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»

إن «القوة المرهوبة» هي القوة التي يُعمل لها ألف حساب، وعندما تكون هذه القوة أمة «النبي الخاتم»، أمة «الإسلام»، أمة «القرآن»، أمة «الحق والعدل»، أمة «الشهادة على الناس»، فلن تكون في يوم من الأيام هي الظالمة المعتدية.

فأين ذهبت أمة: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»، أمة: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا»، أمة «النبي الخاتم» محمد، أمة «القرآن»، التي قال الله تعالى لأفرادها:

«..هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ، وَفِي هَذَا، لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ..»

إن المسلمين لو تدبروا هذه الآية وحدها، لعلموا حجم «الكبيرة» التي يفعلونها وينتظرون عذابها في الدنيا والآخرة، وهي انقطاع حلقات «التواصل الإيماني» عن حياتهم، هذا التواصل القائم على «الوحدانية»، والتصديق بـ «النبوة الخاتمة»، و«الشهادة على الناس»، وعدم «التفرق في الدين»، إنها «الفريضة الغائبة».

أولا: لقد نزلت الرسالة الإلهية الخاتمة لإقامة «أمة الإسلام»، هذه الأمة التي كان من المفترض أن تقيم مجتمعات «الإيمان والعمل الصالح»، على مستوى دول العالم، كي تقيم الشهادة على الناس، وتخرجهم من الظلمات إلى النور، بعملها الصالح، وبمؤسساتها الحضارية الكبرى، بعيدا عن الإكراه في الدين، وعن أي صورة من صور العنف.

إن «الشريعة القرآنية» دين وعلم وحضارة، لذلك فهي الحجة، أما تصرفات المسلمين فتدين وسلوك، لذلك ليست بحجة، والله تعالى يخاطب رسوله فيقول:

«الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»

ويستحيل أن يكون إخراج الناس «مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» بالسيف والاعتداء على حرماتهم، لأن هذا العمل يتم «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»، وليس بإذن أئمة الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، ولا يوجد في كتاب الله إذن بالاعتداء على حرمات الناس مطلقا، فتدبروا وانتبهوا!

لذلك فإن القراءة القرآنية «العصرية»، هي القراءة التي تعمل على استعادة خيرية «أمة الإسلام»، وتَحَمّل مسؤولية الشهادة على الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وذلك من خلال إقامة مجتمعات «الإيمان والعمل الصالح» في أنحاء العالم.

وقريبا سأعلن عن مبادرة باسم «نحو إسلام الرسول»، تدعو المسلمين الذين يؤمنون بمشرعي الفكري، في كل دولة من دول العالم، للاشتراك معا في مشروع تجاري أو صناعي، يكون نموذجا لمجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، وليكن ذلك كعمل إضافي لأعمالهم الحالية، كمرحلة أولى.

ثانيا: إن إقامة الشهادة على الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، عمل ومسؤولية «أمة»، وليس «شأنًا فرديًا»، ولقد وضعت «الشريعة القرآنية» الضوابط الحاكمة لتصرفات المؤمنين، ليكونوا خير «أمة» أخرجت للناس، فقال تعالى:

– يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (آمَنُوا) اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ (مُسْلِمُونَ) . وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا (تَفَرَّقُوا) ….

– وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ (أُمَّةٌ) يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ (الْمُفْلِحُونَ)

– وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ (تَفَرَّقُوا) وَ(اخْتَلَفُوا) مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ (الْبَيِّنَاتُ)، وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ (عَذَابٌ عَظِيمٌ)»

لقد أمرت «الشريعة القرآنية» المسلمين بالاعتصام بحبل الله جميعًا وعدم التفرق، وهناك أعمال تقوم بها «أمة» من المؤمنين، أي جهات ومؤسسات علمية متخصصة، وهناك أعمال تقوم بها «الأمة» بالمفهوم الكلي، أي «المؤمنون» جميعا، فقال تعالى في نفس السياق:

«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..»

ونلاحظ تقدم «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» على «الإيمان بالله»، لبيان مدى عظم وأهمية هذه الفريضة، وجاء بـ «كنتم» في صيغة الماضي، مع أن الأمة كانت حاضرة وقت نزول القرآن، لبيان أن المقصود «أمة الإسلام»، من لدن آدم وإلى يوم الدين، والتي يعمل كل فرد فيها بهذه الفريضة، في محيط دائرته، قال تعالى:

«لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا (لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ)، لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»

وإذا كان الكافرون لا ينهون عن المنكر، فإن المنافقين يأمرون به، قال تعالى:

«الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ (يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ) وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ»

أما عن «المؤمنين»، فيقول الله تعالى:

«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ»

وفريضة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، التي شرعها الله لضبط تصرفات وسلوكيات الناس، لا علاقة لها بمؤسسات «الحسبة»، وهيئات «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، التي قامت على أزمة والتخاصم والتكفير بين المسلمين.

ثالثا: لقد انهارت «أمة الإسلام»، وتًقَطّعت حلقات «التواصل الإيماني»، يوم سُفكت الدماء بغير حق في أحداث «الفتن الكبرى»، وأصبح تدين المسلمين تدينًا وراثيًا مذهبيًا، تابعًا للفرق الإسلامية التي ولدوا فيها.

ولقد أصبح «التواصل الإيماني»، داخل الفرقة الواحدة، تواصلًا مذهبيًا، يقوم على المذهب «العقدي» و«الفقهي» الذي ينتمي إليه أفراد الفرقة، ثم بعد أن ضاقت صدور المسلمين بهذه المذاهب، تحللوا منها، واعتبروا «الدين الإسلامي» شأنًا فرديًا.

والحقيقة أن «الدين الإسلامي» لا يعرف «الشأن الفردي» إلا فيما يتعلق بقرار الإنسان الدخول في الإسلام من عدمه، فإذا آمن وأسلم وجهه لله، لم يعد إسلامه «شأنًا فرديًا»، فقد أصبح جزءًا من «أمة الإسلام»، وعليه أن يتحمل مسؤوليته.

لذلك فلا فاعلية للمسؤولية الإيمانية الفردية إلا في دائرة واحدة فقط، وهي دائرة: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، دائرة: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ».

إن الذين يعتبرون الدين الإسلامي «شأنًا فرديًا»، هم الذين ينطلقون في دعواهم هذه من قاعدة «التفرق في الدين»، من قاعدة التحذير من الشرك، التي توعد الله أصحابها بعذاب في الدنيا قبل الآخرة، فقال تعالى:

«قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ (عَذَاباً) مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، أَوْ (يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً، وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)، انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ (يَفْقَهُونَ)»

ويقول الله تعالى في سورة الروم، مخاطبا الرسول والذين آمنوا معه:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا … مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»

فكيف يكون «التفرق في الدين» شركًا بالله تعالى، وعذابا في الدنيا والآخرة، ثم يقولون إن «الدين الإسلامي» شأنٌ فردي؟!

رابعا: يقول الله تعالى:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»

فمن هم «الَّذِينَ آمَنُوا» الذين وعدهم الله، هل هم أهل السنة، أم الشيعة، أم المعتزلة، أم الأباضية…، أم مذاهب الفرقة الواحدة العقدية والفقهية؟!

ومن هم الذين حذرهم الله بقوله: «وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»؟!

وعندما يقرأ المسلم سورة الفاتحة ويقول:

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»

فمن هم الذين جمعهم معه: «نَعْبُدُ ـ نَسْتَعِينُ ـ اهْدِنَا»، هل هم أتباع جميع الفرق الإسلامية؟!

إذن فلماذا تفرقوا في الدين؟!

أم هم أتباع الفرقة التي ينتمي إليها؟!

وإذا كان المسلم لا ينتمي إلى أي فرقة، فمن هم الذين جمعهم معه: «نَعْبُدُ ـ نَسْتَعِينُ ـ اهْدِنَا»، وأين هم، وماذا قدموا للإسلام حتى يدعو الله أن يهديه، ويهديهم، إلى صراطه المستقيم؟!

وإذا كان ممن يقولون إن «الدين الإسلامي» شأنٌ فردي، فلماذا لا يقول: إياك «أعبد» وإياك «أستعين»، «اهدني الصراط المستقيم»؟!

كفاكم تهريجا، و«هههههه»، و«تضليلا» بما تنشرونه على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا يغرنكم مئات المعجبين بما تكتبون، وانظروا ما تكتبون وعلاقته بأزمة «الفكر الإسلامي»، فأنتم تعيشون في «غيبوبة فكرية»، حتى تقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.

وفرق بين «غيبوبة» الرعاية المركزة، و«الغيبوبة الفكرية» التي حلت بالمسلمين، لأن الأخيرة «عقدية» عقوبتها العذاب في الدنيا والآخرة.

ولقد حذر الله رسوله محمدا والذين آمنوا معه، «الذين رضي الله عنهم»، من الوقوع في الشرك، فقال تعالى:

«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً … * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»

وهكذا نطقت الآية وشهدت، أن الإسلام دين «أمة»، وليس شأنًا «فرديًا»، ولا ترفًا «فكريًا».

فانتبهوا … واستيقظوا … وتدبروا

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى