نحو إسلام الرسول

(555) 22/12/2016 (حرمة الدم، وأزمة القصاص)

يُضيّع السلفي حياته الفكرية في فهم ودراسة ما يُسمى بـ «المصدر الثاني للتشريع» والعمل به، هاجرا دراسة وتدبر المصدر الأول «والأخير»، وهو القرآن، وحياة المسلمين الدينية مستقرة منذ قرون على ذلك، باعتبار أن الإسلام هو «المصدر الثاني للتشريع»، المبيّن للقرآن وأحكامه.

أما المفكر الإسلامي المستنير والعصري، فيُضيّع حياته الفكرية في نقد ونقض «المصدر الثاني للتشريع»، أو يطالب بوجوب تنقيته من الباطل الذي يحمله، وهنا يقف السلفيون له بالمرصاد، أما أتباعه فيكفرون بالمصدر الثاني والأول، فما أدرانا لعل القرآن قد أصابه هو أيضا ما أصاب المصدر الثاني؟!

إن من أسباب سقوط الهلالي والبحيري في الفتنة الكبرى، التي أشرت إليها في المنشور السابق، أن «البحيري» كان يُجاهد في سبيل قضيتين، وتابعه «الهلالي»، وهما:

أولا: إصرار «البحيري» على ضرورة أن يعترف «الهلالي» ومؤسسة الأزهر، أن المذاهب الفقهية قد أخطأت، وضاعت نصف الحلقة في هذه القضية.

ثانيا: إصرار «البحيري» على أن قضية الإرهاب تتعلق بـ «القصاص»، وليس بـ «حرمة الدماء»، لأن «الحرام» مسألة متروكة ليوم القيامة، وضاع النصف المتبقي من الحلقة في هذه القضية.

ولكن لماذا؟!

لأن «الهلالي» و«البحيري» يقفان في خندق واحد، خندق «المرجعيات السلفية» للفرقة التي تربوا على مائدتها الفكرية، وكان كلٌ منهما يدافع عن وجهة نظره، دون أن ينتبها إلى مسألة في غاية الخطورة.

إن ٩٩٪ من المسلمين، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، في العالم أجمع، «يجهلون» التاريخ السياسي والديني لأئمة الفرق والمذاهب الإسلامية، الذين ذكروا في هذا الحوار، كما «يجهلون» أن أحكام شريعة «مصادرهم الثانية للتشريع»، قامت على مذاهب «عقدية» وهي أصل الإرهاب والتطرف الديني في العالم!!

إن هناك مراكز بحثية عالمية متخصصة في دراسة أمهات كتب الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، تنشر أبحاثها عبر وسائل الإعلام التبشيرية، وتعلم جيدا ما في المذاهب العقدية الإسلامية من مصائب، ولكنها تسلط الأضواء فقط على الشبهات المتعلقة بالمرويات وأحكام القرآن، لصعوبة أن يفهم الناس هذه الشبهات العقدية.

وهناك من علماء الدين والمفكرين، من ناقشوا آلاف الشبهات والأباطيل التي حملتها أمهات كتب الفرق والمذاهب المختلفة، منذ الأربعينيات وحتى اليوم، ولهم الكثير من المؤلفات في ذلك، ولكن الرقابة تمنع تداول هذه الكتب في البلاد العربية، لذلك لا يعلم عنها المسلمون شيئا.

وإن ما تنشره المراكز البحثية التبشيرية، وما ينشره العلماء والمفكرون، يكفي لتسجيل آلاف الحلقات عن مصائب «المصادر الثانية للتشريع»، ولكن بمعزل عن «القواعد العقدية» التي قامت عليها، والتي لا يعلم المسلمون عنها شيئا!!

إن آلاف الحسابات والصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي لا يعلم أصحابها شيئا عن مصائب مصادرهم الثانية للتشريع، إلا ما وجدوه في البخاري ومسلم، وهذا الذي وجدوه منقول بالكلمة والحرف عن هذه المراكز التبشيرية، ومن الكتب التي أشرت إليها سابقا.

إن أخطر ما تقوم به شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الفضائية، هو اعتقاد الناس أن الذين يقرؤون لهم، أو يشاهدون برامجهم، هم الذين اجتهدوا واستخرجوا من أمهات كتب «المصدر الثاني للتشريع»، للفرقة التي ينتمون إليها، كل هذه الأباطيل التي يريدون تنقية هذه الكتب منها، والحقيقة أنهم مجرد نقلة.

فإذا سألت هؤلاء المجتهدين، أصحاب القراءات المستنيرة والعصرية، عن «المذاهب العقدية» التي قامت عليها أحكام الشريعة التي يريدون تنقية أمهات الكتب منها، فلن تجد عندهم إجابة!

فماذا قدم «البحيري»، وماذا سيقدم، ومعظم شبهات «المصادر الثانية للتشريع» قد قتلت بحثا، ولم يؤثر قتلها على بقائها حية عبر القرون، ولن يؤثر؟!

إنه لا يوجد مسلم عاقل، يريد أن يدعو الناس إلى دين الله الحق، وإلى هدم «أحكام الشريعة» التي لا توافق القرآن، يترك «القواعد العقدية» الخرسانية الفولاذية التي قامت عليها هذه الأحكام، ويذهب لهدم «طوبة طوبة» من البناء الذي قام عليها.

عندما صرّح شيخ الأزهر أن مؤسسة الأزهر لا تستطيع تكفير «داعش»، كان ذلك لأن مذهبها «العقدي» هو المذهب «الأشعري»، وهو لا يُكفر مرتكب الكبيرة، ولو كان عن عمد مع سبق الإصرار والترصد!

إن قضية الإرهاب والتطرف الديني، وسفك الدماء بغير حق، قضية «عقدية» في المقام الأول، وليست قضية شريعة، لأن شريعة «القصاص» تقوم أصلا على المذهب العقدي الذي ينتمي إليه الإرهابي، هذا المذهب الذي «يستحل» ما حرم الله تعالى.

إن الله تعالى يقول: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ»، ليرتدع الناس عن قتل النفس بغير حق، فإن أشد ما تتوقاه النفس هو الموت، فإذا ذهبنا إلى «المذاهب العقدية» التي يؤمن بها الإرهابيون، وجدنا أن مسألة «القصاص» لا اعتبار لها عندهم أصلا، لأن غايتهم الموت في سبيل الله، «الموت غايتنا»، حيث تُفتح لهم أبواب الجنة فور موتهم!

ولذلك نجد أن هناك قائمة انتظار بمئات الإرهابين، ينتظرون اللحظة التي يموتون فيها، بل ويتسابقون من أجل تحقيق ذلك، سواء قُتلوا قصاصًا بعد سنوات من التقاضي، أو بتفجير أنفسهم، والأخيرة طبعا هي المفضلة.

فعن أي «قصاص» يتحدثون، وعن أي تجديد أو تنقية للمصادر الثانية للتشريع يُطالبون، وقضية الإرهاب أصلا قضية «عقيدة»، وليست قضية «شريعة»؟!

إن «المنهجية العلمية» التي تعلمناها من تدبر القرآن، تفرض على كل مسلم أن يبتعد تماما عن نشر كل ما يتعلق بنقد أو نقض منظومة «المصادر التشريعية الثانية»، للفرق والمذاهب المختلفة، لأن الله تعالى يقول عن أعمال السلف:

«تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ (وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)»

إن «المنهجية العلمية» التي تعلمناها من تدبر القرآن تفرض على كل مسلم أن يقوم ببناء «القواعد الإيمانية» الصحيحة التي سيقف عليها من عرفوا الطريق إلى دين الله الحق، الذي ارتضاه الله للناس جميعا، ولا سبيل إلى بناء هذه القواعد إلا باتباع نصوص «الآية القرآنية».

إن المشركين عندما طلبوا من رسول الله «الآية» الدالة على صدق نبوته، وبلاغه عن الله، قال تعالى:

«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى