«إن أول فتنة سيتعرض لها «المسلمون»، بعد كفرهم بـ «الإسلام الوراثي» القائم على المصادر التشريعية الثانية، هي فتنة الكفر بالقرآن نفسه، وأنا أعرف الكثير ممن وقعوا في هذه الفتنة، لأنهم لم يَجِدوا بديلا يعيشون الإسلام من خلاله»، وأنا على يقين، أن عدد الذين سيقعون في هذه الفتنة، بعد الاستماع للحوار الذي من المفترض أن يكون يوم الإثنين القادم، بين الهلالي والبحيري، سيكون عددا لا يتخيله أحد».
بهذه الفقرة ختمت موضوع «تعليقات الأصدقاء، وأزمة الفكر الإسلامي»، المنشور في «١٥ / ١٢ / ٢٠١٦»، وقد تم هذا الحوار بالأمس، ووقعت «الفتنة الكبرى»، ولكن لماذا هي «فتنة كبرى»؟!
أولا: لأنها إعادة ترسيخ وتثبيت لمفهوم «التفرق في الدين»، الذي أفرزته أحداث «الفتن الكبرى»، فتعامل أتباع كل فرقة من الفرق الإسلامية مع «الدين الإسلامي» من منطلق مرجعيات الفرقة التي ينتمون إليها، وعلى هذا الأساس يريدون تنقيتها مما يتعارض مع كتاب الله.
ثانيا: إن غياب «المنهجية العلمية» عن الحوار، «فتنة كبرى»، فمن أصول «الحوار العلمي» تحديد المصطلحات في بداية الحوار، وهل سيدور حول مرجعية «الدين الإسلامي»، أم عن مرجعيات «الفرق الإسلامية» وإشكالياتها؟!
ثالثا: عندما يقول الهلالي إن المسلمين بعد وفاة النبي رفضوا تدوين المرويات، وأنهم بعد قرنين من الزمن، أو ما يزيد، قبلوا تدوينها، عندما وجدوا أن فهم أحكام القرآن في حاجة ماسة إليها، ثم قبلوا «المنظومة الفقهية» لأنها فتحت أبوابا كانت مغلقة في فهم هذه المرويات، ما كان له أن يقول «إن المسلمين»، لو أن الحوار بدأ بتحديد المصطلحات، وأنه يتعلق بالمسلمين أتباع فرقة «أهل السنة والجماعة»!!
رابعا: عندما يتحمس البحيري ويقول إن مشروعه الفكري موجه إلى ما يزيد عن مليار ونصف مسلم، ما كان له أن يعلن عن هذا التعداد، لو أن الحوار بدأ بتحديد المصطلحات، وأن الطرفين سيتحاوران حول مرجعيات «المنظومة الفقهية» لفرقة «أهل السنة والجماعة»، لأن المليار ونصف مسلم ليسوا كلهم من أهل السنة والجماعة!!
خامسا: لقد كرر الهلالي عشرات المرات قوله ضرورة الخضوع لقرار الشعب، طبعا عن طريق مجلس النواب، أو الاستفتاء، وهذا الشعب ينتمي إلى فرقة «أهل السنة والجماعة»، فهل نحن نتحاور حول ما يتعلق بـ «الدين الإسلامي» أم ما يتعلق بـ «إسلام» فرقة «أهل السنة والجماعة»؟!
سادسا: لقد كرر البحيري عشرات المرات جملة «هذا ليس من الدين»، والسؤال: هل «التفرق في الدين»، الذي وصف الله أهله بـ «المشركين»، وضياع سنوات وسنوات من عمر المسلم في نقد ونقض التراث الديني لفرقة «أهل السنة والجماعة»، هل هذا من الدين؟!
سابعا: إن أمهات كتب «كل فرقة» من الفرق الإسلامية تُعد بالمئات، فهل يُعقل، وأنا في حوار علمي حول «حرمة الدماء»، أن تكون المرجعيات التي يدور حولها الحوار في فهم النص القرآني، هي ابن تيمية وابن القيم ورأي لمفتي سابق؟!
إن أمهات كتب الفرق والمذاهب المختلفة، تحمل من المصائب الفكرية، ما لا يُقارن بما تم عرضه بالأمس، ولو أردنا تسجيل حلقات لبيانها لتجاوزت الآلاف، ولكن «الفتنة الكبري» هنا، أن كل دقيقة يُضيّعها المسلم في دراسة وبحث وتسجيل حلقات حول التراث الديني لفرقته، أو حتى لجميع الفرق الإسلامية، لا علاقة لها بـ «الدين الإسلامي» الذي أمر الله الناس اتباعه، ولا ببدعة أن الحق يجب أن يقوم على محو الباطل، لأن وجود الحق وانتشاره هو الذي سيمحو ويزهق الباطل، فتدبر:
«وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً»
ثامنا: إن «حرمة الدماء» مفصلة في كتاب الله بالدلالة القطعية، قال تعالى مبينا أن القتال في الإسلام قتال لمواجهة اعتداءات العدو، وليس «هجوميا»:
١- «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ (وَلا تَعْتَدُوا) إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ (أَخْرَجُوكُمْ)»
٢- «أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ (وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ»
٣- «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً»
٤- «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا»
تاسعا: تخليت لو أني كنت في هذا الحوار، كيف سأتحاور حول موضوع «حرمة الدماء»، بحيث أنهي هذا الحوار في خمس دقائق؟!
سأطلب أن أكون أول المتحدثين، وأسأل أطراف الحوار:
١- هل تؤمنون أن القرآن مصدر قطعي الثبوت عن الله تعالى؟!
الإجابة: نعم
٢- إذا كانت مسألة «حرمة الدماء» مبيّنة بالدلالة القطعية في هذا القرآن، هل سنحتاج إلى مرجعية خارجية لبيانها؟!
الإجابة: لا
ثم أتلو عليهم الآيات الأربع السابقة، وأقول لهم بعدها:
هذا هو حكم الله في مسألة «حرمة الدماء»، ولسنا في حاجة مطلقا إلى دراسات وبحوث لتنقية منظومات سلفية مذهبية، لا روائية ولا فقهية، وذلك على مستوى جميع الفرق الإسلامية.
ولكن علينا أن ننتبه إلى أن التعامل مع القرآن يجب أن يكون باعتباره «آية إلهية»، وليس كتابا إلهيا فقط، الأمر الذي يحتاج إلى مؤسسة علمية كبرى، تجمع كبار العلماء من التخصصات المختلفة.
وانتهى الحوار
ولكن حوار الأمس أزعجني كثيرا، ولا تمر عشر دقائق إلا ويعلن عن مصيبة فكرية، نتيجة غياب «المنهجية العلمية»، والسقوط في «الفتنة الكبرى» فتنة «التفرق في الدين»
محمد السعيد مشتهري