نحو إسلام الرسول

(553) 19/12/2016 (تعقيب هام على تعليق الصديق حسام علي)

كتب الصديق «حسام علي» تعليقا اليوم على موضوع «خدعوهم فقالوا: لا مجاز في القرآن»، المنشور في ٢٩ / ١٢ / ٢٠١٦، فقال:

ذكرت في هذا المقال ما نصه:

لقد خاطب الله الوجود البشري بكلمات كانوا يعرفون مسمياتها من قبل إرسال الرسل، وهناك شعائر ومناسك وأعمال ومهن كان على الرسل بيان كيفية أدائها للناس، فقد تعلموا من نوح صناعة الفلك، وتعلموا من داود صناعة لباس الحرب، وتعلم المسلمون من النبي الخاتم كيفية أداء الصلاة، والسؤال الآن:

إن الله جلت قدرته قد ذكر في نص الكتاب العزيز أن نوحا عليه السلام كان يصنع الفلك بوحي من الله تعالى «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ»، وأخبر سبحانه في كتابه العزيز أنه علم داود صنعة لبوس، قال تعالى: «وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ» فهذا لا إشكال فيه لوجود النص.

ولكن أين في القرآن الكريم أن الناس تعلموا من رسولهم الكريم كيفية أداء الصلاة وبالتالي يجب عليهم أن يؤدوا الصلاة كما كان يؤديها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟

أين في القرآن أن الناس يجب عليهم الاقتداء بالنبي في أداء الصلاة؟

أين في القرآن الإحالة في كيفية أداء الصلاة على فعل النبي أو ما تواتر عنه عبر القرون من الكيفية؟

انتهى تعليق الصديق حسام علي

وأقول:

أولا: لقد قلت: «لقد خاطب الله الوجود البشري»، أي خاطب جميع الأمم عبر جميع الرسالات، فمن أين علمنا خبر نوح وداود؟! من خلال هذا القرآن الذي بين أيدينا اليوم، ولكننا لا نعلم هل كان هذا التعليم بوحي «مُدوّن»، أم بوحي «خاص».

ولكن الذي نعلمه، أن هذه الصناعات حملتها على مر العصور، ما أسميه في مشروعي الفكري بـ «منظومة التواصل المعرفي»، أي بـ «التواصل العملي الأممي»، وليس بـ «التواتر العملي المذهبي»

ثانيا: إن بيننا وبين عصر الرسالة الخاتمة ما يزيد عن أربعة عشر قرنا من الزمن، فإذا كنا نؤمن أن هذا القرآن الذي بين أيدينا اليوم، هو «الآية» الدالة على صدق الله وصدق رسوله، فعلينا أن نتعامل معه باعتباره «آية إلهية»، وليس كتابًا إلهيًا فقط، وذلك بالأدوات العلمية والمعرفية المتاحة له اليوم.

ثالثا: عندما نجد اليوم أمامنا، بين نصوص هذه «الآية القرآنية، «٩٣» آية تتحدث عن فريضة «الصلاة»، ووجوب إقامتها، دون بيان كيفية إقامتها، فماذا علينا أن نفعل؟! (راجع منشور «لماذا لا يتبعون منظومة التواصل المعرفي»، بتاريخ ٢٦ / ١١ / ٢٠١٦)

رابعا: عندما نرى اليوم المسلمين، في جميع الفرق الإسلامية، وبجميع مذاهبهم العقدية المختلفة والمتخاصمة، يُقيمون الصلاة في جميع مساجد العالم، بنفس الكيفية، إذن فعلينا وفق آليات عمل «منظومة التواصل المعرفي»، أن نتتبع حلقات «التواصل العملي الأممي» بين هذه المساجد، بداية بـ «المسجد الحرام» والـ «المسجد النبوي».

خامسا: إذا كان النبي قد أقام الصلاة في المساجد التي كانت موجودة في عصره، كما أمر الله في الـ «٩٣» آية، فلا شك أنه أقامها بكيفية معينة، إذن فما هي هذه الكيفية، وهل حدث في أي عصر، وإلى يومنا هذا، تحريف لهذه الكيفية، على مستوى جميع مساجد الفرق الإسلامية المتخاصمة المتقاتلة؟!

سادسا: إن المنطق يقول، وكثير من الآيات تؤكد هذا المنطق، أن النبي والذين آمنوا معه، أقاموا الصلاة في هذه المساجد بكيفية واحدة، من قيام وركوع وسجود، وقد شهد بذلك «التواصل العملي الأممي»، إذن يبقى أن نعلم لماذا لم ينص الله على هذه الكيفية في كتابه، في الوقت الذي نص فيه على كيفية «الوضوء»؟!

سابعا: علينا أن نعلم أن قولنا٬ لماذا فعل الله كذا ولم يفعل كذا، لا يصح مطلقا، وكل ما يحق لنا هو أن نحاول فهم الحكمة، وعدم فهمنا لها لا يؤثر على وجوب أن نقيم هذه الصلاة.

فمثلا: عندما يُبين الله كيفية «الوضوء»، بهذا التفصيل الدقيق، فإما أن يكون المخاطبون لا يعلمون عنه شيئا، أو وصلهم محرفا.

أما عندما يأتي السياق القرآني بـ «٩٣» آية عن أحكام الصلاة، دون بيان كيفية إقامتها، فهذا معناه أن المخاطبين، الذين كانوا على ملة إبراهيم، ومنهم رسول الله محمد، كانوا يعلمون هذه الكيفية، ويؤدونها كما كان يؤديها إبراهيم وذريته، خاصة وقد أشار الله إلى هذه الهيئة بقوله تعالى:

«وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ، أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً، وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ».

وهنا تظهر أهمية وحجية «التواصل العملي الأممي»، وبيانه لما أجمله النص القرآني من أحكام، كهيئة الصلاة، من قيام وركوع وسجود.

ثامنا: لقد أفشت إحدى أزواج النبي حديثا دار بينها وبينه، ثم انتشر هذا الحديث بين أهل البيت، وأعلم الله النبي بما حدث، ثم بعد أن أعلمه، أنزل وحيا قرآنيا مختصرا بالموضوع، فقال تعالى:

«وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ»

فإذا تدبرنا قوله تعالى: «نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ»، علمنا أن الله «نبأ» رسوله بما حدث من بعض أزواجه، بوحي «غير قرآني»، لا نعلم عن تفصيله شيئًا، إلا ما «أشار إليه القرآن»، حتى لا يلتبس الأمر على أحد، فيخرج علينا ويقول: إذن أنت تؤمن بالمصدر الثاني للتشريع!!

ويقول الله تعالى:

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ»

فهل بيّن الله في القرآن لنا تفصيل هذه «الرُّؤْيَا»، التي رآها النبي، وجاء ذكر خبرها مجملا؟!

فهذه الآيات تثبت بالدليل قطعي الدلالة، أن هناك وحيًا ثانيًا كان يتنزل على النبي، يُفصّل ما أجمله النص القرآني، فما المانع، أن يكون الله قد بيّن لرسوله كيفية إقامة الصلاة، أو راجع معه هذه الكيفية، أو صحح له بعضها؟!

إن الذي يهمنا اليوم، ونحن نتعامل مع نصوص «الآية القرآنية»، وبيننا وبين عصر الرسالة ما يزيد عن أربعة عشر قرنا من الزمن، أن نعلم:

١- أن إقامة الصلاة التي جاءت مجملة في «٩٣» آية

٢- وأقامها النبي والذين آمنوا معه في «المسجد الحرام»، وفي «المسجد النبوي»

٣- وتواصلت حلقاتها إلى يومنا هذا، عبر منظومة «التواصل العملي الأممي»

٤- وليس عبر «التواتر العملي المذهبي»

هي حجة على جميع المسلمين، إلى يوم الدين، من لم يقمها كما أقامها النبي والذين آمنوا معه، فقد ارتكب إثما مبينا.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى