نحو إسلام الرسول

(551) 15/12/2016 (تعليقات الأصدقاء، وأزمة الفكر الإسلامي)

لقد كان موضوع السؤال الذي طرحته في نهاية منشور الأمس واضحًا ومباشرًا:

هل هناك على أرض الواقع كيانات إسلامية يتعامل معها المسلمون، بعد أن يخلعوا ثوب الإسلام الوراثي، ليقيموا جميعًا مجتمعًا حضاريًا، مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، مثل الكيانات والمؤسسات الإسلامية المتعددة، التي ضربت لها أمثلة في المنشور؟!

أم سنتركهم «بعد أن خلعوا ثوب الإسلام الوراثي» في الهواء الطلق، سعداء بنعمة القرآن الذي في أيديهم، و«كل واحد يفهمه على مزاجه»؟!

وحسب أصول الحوار العلمي، لم يكن الجواب في حاجة إلا لكلمة واحدة: «نعم» توجد مؤسسات، أو «لا» توجد، والذي يقول «نعم» عليه أن يذكر لنا أين هي؟!

ولكن الذي حدث هو الخروج عن موضوع المنشور، فتعالوا نلقي نظرة على تعليقات الأصدقاء.

الصديق Nizar Ismael يجيب على السؤال بقوله:

١- «المسلمون يعيشون في دول علمانية وإمتداد للملك الجبري من قرون طويلة، ولذلك من الطبيعي أن كل الكيانات أو المؤسسات الإسلامية تابعة لهذه النظم».

أقول: وكلامك هذا يعني أن المسلمين عليهم أن يظلوا متخلفين، في ذيل التقدم الحضاري، تحت حكم الملك الجبري، وواقعهم فعلا يشهد بذلك!!

ولكن هل نعلم لماذا؟!

لأنهم بعد أحداث «الفتن الكبرى»، لم يتعاملوا مع كتاب الله باعتباره «الآية الإلهية» الدالة على صدق «نبوة» رسولهم محمد، وإنما تعاملوا معه باعتباره كتابًا إلهيًا فقط، والفرق كبير كالفرق بين كلمة «الشمس» الموجودة في الكتاب، ومقابلها الكوني، «الشمس»، التي نرى ثمار وفاعلية آيته على الأرض.

٢- يقول: «الإسلام دين هداية وليس دين كهنوت ولا يجب أن تكون هناك كيانات أو مؤسسات تمثل الإسلام، فعندما تمثل المؤسسات الدين يصبح الدين تجارة».

أقول: لقد ذكرت أكثر من مرة على هذه الصفحة، أن «المنهجية العلمية» في التعامل مع القرآن، لا تعرف الماضي، لا تعرف سلفًا صالحًا أو طالحًا، وإنما تتعامل مع نصوص «الآية القرآنية» باعتبارها تتنزل على الناس اليوم.

إن المسلمين الذين يَدعون ربهم ليل نهار، «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»، لا يعلمون أن الصراط المستقيم، واقع معيشي حي، تعمل فيه الكيانات والمؤسسات الحضارية، من جميع التخصصات العلمية، وليس فكرا إسلاميا فقط.

وبدون هذه الكيانات، وهذه المؤسسات الحضارية، سيتحول القرآن إلى تمائم، وبركات، وقراءات على القبور وفي المناسبات، وقراءات مستنيرة وعصرية محفوظة في الكتب، وفي الفيديوهات، حتى يأتي «المخلص» ليقوم بتفعيلها في حياة المسلمين.

٣- يقول: «عندما انتقل رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الرفيق الأعلى أصبح كل امرئ حجيج نفسه. فكما يهتم الناس بالتعليم للحصول على شهادات تؤهلهم للعمل أو يتعلموا حرفا للتكسب عليهم أن يهتموا بما سيحدد مثواهم في الآخرة ولا يضعوا ثقتهم في آخرين وإلغاء عقولهم خصوصا أن رسول الله ترك فيهم كتاب الله الخاتم الذي يخاطب كل المستويات العقلية البشرية. كم آية ذكر الله تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟»

أقول: نعم كتاب الله خاطب «مجتمع الذين آمنوا وعملوا الصالحات»، وقد ترك النبي بعد وفاته هذا المجتمع قائمًا، ولا ننسى أن هذا المجتمع هو أول من خاطبهم الله بالقرآن، وبأحكام الشريعة، التي بين أيدينا اليوم، بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا»، فأين ذهب «مجتمع الذين آمنوا وعملوا الصالحات»، وأين الذين سيقيمونه؟!

لذلك يستحيل العمل بهذا القرآن، باعتباره «آية إلهية»، دون وجود كيانات ومؤسسات علمية حضارية تنطلق من مجتمع «الذين آمنوا وعملوا الصالحات»، هذا المجتمع الذي سقط يوم أن سقط المسلمون في «الفتنة الكبرى»!!

٤- ويختم الصديق تعليقه بقوله:

«الحمد لله على نعمة القرءان، وعلينا قبول كل قول سواء من التراث أو المعاصر مادام يتفق معه، ولا ينسخه ولا يضيف إليه ما ليس فيه من حلال وحرام وحدود».

أقول: أين هي هذه النعمة التي تحمد الله عليها؟!

هل في وجود المصحف في بيوت المسلمين؟!

أم في تلاوتهم لآياته؟!

أم في الصلاة والتهجد به؟!

لذلك، لم يكن غريبًا أن يقول الصديق بعد ذلك:

«وعلينا قبول كل قول سواء من التراث أو المعاصر مادام يتفق معه».

فهل نعلم أن من يقول علينا أن نأخذ من الأحاديث «المنسوبة إلى النبي» ما يوافق القرآن، قد أشرك بالله ما لم يُنزل به سلطانا؟!

تعالوا نتدبر هذه القصة:

في نهاية السبعينيات، كنت أقول «آخذ ما وافق القرآن»، وفي مناظرة من المناظرات سألني أحد علماء الحديث عدة أسئلة منطقية، قال:

أولا: إذا كان «الحديث» يوافق القرآن، فلماذا تأخذ به أصلا، وعندك القرآن «كلام الله»، الذي تقول إنه المصدر التشريعي الأول والأخير؟!

ثانيا: إن الذين جاؤوا إليك بهذا «الحديث» الذي تراه موافقًا للقرآن، هم «أئمة الحديث»، أي أنك اتخذت أمهات كتب الحديث لفرقة «أهل السنة والجماعة» مرجعًا في مشروعك الفكري، وهذا ليس منهجًا علميًا، لماذا؟!

ثالثا: لأنك تقول إن مشروعك الفكري لا يخاطب فرقة بعينها، وإنما يخاطب جميع الفرق الإسلامية، فهل تعلم أن الحديث الذي تستند إليه، والموجود في أمهات كتب أهل السنة، وتراه يوافق القرآن، ستجده عند الشيعة، أو غيرها، لا يوافق القرآن؟!

رابعا: إذن فعليك أولا أن تحدد موقفك من الفرق الإسلامية، قبل أن تأخذ من أمهات كتبها ما يوافق القرآن!!

والسؤال: هل ترى أن فرقة «أهل السنة» هي «الفرقة الناجية»، وباقي الفرق في النار؟!

لقد قررت بعد هذا اللقاء، أن «أنسف» مسألة «ما وافق القرآن» من مشروعي الفكري كله.

وأوجه هذا المنشور أيضا إلى الصديق Hani Bitar

أما الصديق Gamal Saleh فيقول:

«إجابة السؤال الكيان الاسلامي الذي يحمل أصحابه التوجهات القرآنية الصحيحة نحو اسلام الرسول هو أنت وأمثال البحيري كلامك يقول ذلك ووقعت في نفس فكرة الجماعات إذا اختلف معهم أحد، منطق خالف تعرف»

أقول للصديق: أنا وأمثالي كيانات ومشاريع «فكرية»، لا تُسمن ولا تغني من جوع، تعمل في عالم «الأفكار والكلام» فقط، ولا علاقة لها بحياة الناس.

والقرآن نفسه، الذي هو «كلام الله»، لا واقع له في حياة الناس إلا إذا قاموا بتفعيل نصوصه، لذلك أرى أن الذين يقولون «القرآن وكفى» لا يعلمون شيئا عن مفهوم «الآية القرآنية»، ووجوب تفعيلها لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ليس بالكلام وإنما بالعمل.

أما الصديق Samy Alsadat فيقول:

«مشكلتكم يا من تسمون أنفسكم قادة التنوير انكم ترفضون العمل بشكل جماعي….»

أقول: أنا لست من قادة القراءات التنويرية، ولا القراءات العصرية، فبرجاء على الأقل أن تطلع على المنشورات السابقة.

ثم يقول: «المشكلة الأخرى أن فيكم من يرى أن بناء الفكر الجديد يأتي أولا قبل هدم الفكر القديم ومجموعة أخرى ترى العكس…»

أقول: سبق الرد على هذا، ودين الله وآيته القرآنية، لا يقومان على الماضي حتى لو كان هذا الماضي هو أمس.

ثم يقول: «إن حضرتك اعتقدت أن نقد بعض الروايات بأسلوب علمي ولغوي صحيح و بيان مدي العوار فيها يعني بالضرورة إزالتها من الكتب وهذا غير صحيح…»

أقول: سبق الرد على ذلك.

ويقول الصديق Haytham Alalem
«يا سيد محمد، لم تذكر الأسباب التي من أجلها يقوم بعض التنويريين الإسلاميين بجهود كبيره لتنقية التراث الديني…»

أقول: عن أي أسباب تتحدث، ومن هم «التنويريون»، وهذه الجهود الكبيرة التي بُذلت لتنقية التراث الديني، كانت تابعة لأي فرقة من الفرق الإسلامية؟!

إنك تتحدث، في تعليقك من أوله إلى آخره، عن فرقة «أهل السنة والجماعة»، وحسب مشروعي الفكري، والمنهج العلمي في الحوار، عليك أن تحدد أولا:

هل «الدين الإسلامي»، الذي أمر الله اتباعه، هو الدين الذي عليه «أهل السنة والجماعة»، وهو المطلوب تنقية تراثه الديني؟!

إذن عليك أن تحدد أولا موقفك من الفرق الإسلامية الأخرى، قبل الحديث عن تنقية «التراث الديني».

ثم يطلب مني الصديق طلبا فيقول:

«أرجو منك إعادة الاستماع لما قاله البحيري جيدا في مقابلته مع عمرو أديب…»!!

ثم ذكر أسماء مفكرين تابعين لفرقة «أهل السنة والجماعة»، يستندون إلى أمهات كتب هذه الفرقة في نقد خطابها الديني!!

أقول: لقد أعلن عمرو أديب عن لقاء سيتم بين الهلالي والبحيري يوم الإثنين القادم، وأرى أن هذا اللقاء سيكون صدمة كبرى لأتباعهما، وإن غدا لناظره قريب.

لقد قلت في منشور الأمس: «إن أول فتنة سيتعرض لها «المسلمون»، بعد كفرهم بـ «الإسلام الوراثي» القائم على المصادر التشريعية الثانية، هي فتنة الكفر بالقرآن نفسه، وأنا أعرف الكثير ممن وقعوا في هذه الفتنة، لأنهم لم يَجِدوا بديلا يعيشون الإسلام من خلاله»

وأنا على يقين، أن عدد الذين سيقعون في هذه الفتنة، بعد الاستماع للحوار الذي من المفترض أن يكون يوم الإثنين القادم، بين الهلالي والبحيري، سيكون عددا لا يتخيله أحد.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى