نحو إسلام الرسول

(548) 9/12/2016 (لماذا لا يتدبرون القرآن؟)

عندما أمرنا الله بتدبر القرآن: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»، وعندما قال تعالى:

«وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ»، هذا ليس معناه أن نمسح من قلوبنا «ذاكرة المعارف العربية»، ونجلس على المكاتب، ونفتح المصاحف، ونعكف على تدبر الآيات، لأنها تبيانٌ لكل شيء!!

إن تدبر القرآن «علم»، يقوم على «منهجية»، تحمل آليات التفكر والتعقل والتفقه…، وهي ما أسميها بـ «آليات عمل القلب»، ولقد بيّنت في المنشور السابق، أن معنى كلمة «الناس» في كتاب الله، هو المعنى المحكم الذي عرفته ألسن الشعوب والقبائل على مر العصور، المعبر عن «بني آدم»، والذي ورد في «٢٥١» آية.

وحسب «المنهجية العلمية» التي يجب أن تقوم عليها «منظومة التدبر»، فلا يمكن صرف هذا المعنى «المحكم» إلى غيره إلا بـ «قرينة» صارفة، مثال ذلك قوله تعالى:

«الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ (النَّاسُ) إِنَّ (النَّاسَ) قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ»

فأي عربي لا يعلم عن اللغة العربية إلا ما تعلمه في المدرسة، إذا قرأ السياق الذي وردت فيه هذه الآية، سيفهم أن «الذين» هم «المسلمون»، الذين قال لهم جماعة من المنافقين، «الناس» الأولى، إِنَّ «النَّاسَ» الثانية، وهم العدو، «قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» لتثبيط همتهم في مواجهة عدوهم، فأين «المجاز» هنا؟!

إن «المجاز» ليس هنا، وإنما هو الإجابة على السؤال الذي ذكرته في ختام المنشور السابق:

«لماذا استخدم السياق القرآني نفس كلمة «الناس» في الحالتين، مع أن موضوع الأولى، غير موضوع الثانية؟!

وبمعنى آخر: لماذا لم يقل المنافقون للمسلمين: «إن المشركين قد جمعوا لكم»، مكان «إن الناس قد جمعوا لكم»؟!

الجواب: لأن هذا الأسلوب، من الأساليب البيانية، التي حملها «اللسان العربي»، وخاطب الله بها أهل «اللسان العربي»، ثم دونها أئمة اللغة العربية، وأطلقوا عليها «علم البيان»، ومنه ما يُسمى بـ «إطلاق الكل ويراد به البعض».

إن إطلاق الكل وإرادة البعض أو الجزء، من الأساليب «المجازية» القائمة على القرائن العقلية، أي على «آليات عمل القلب»، وهي أداة من الأدوات الخمس التي أقمت عليها مشروعي الفكري:

«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»؟!

وعندما نتدبر قوله تعالى:

«زُيِّنَ (لِلنَّاسِ) حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ …»

نجد أن هناك قرائن تثبت ذم هؤلاء الذين «زُيِّنَ» لهم حب هذه الشهوات، وهي:

أولا: أن الله تعالى لم يقل «زيّنا لهم»، كما قال تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ (زَيَّنَّا لَهُمْ) أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ»

وإنما قال «زُيِّنَ للناس»، فأسند الفاعل للمجهول، لأن مصادر «التزيين» متعددة، في مقدمتها الشيطان، والهوى.

ثانيا: سبق هذه الآية الحديث عن فتنة الكافرين بأموالهم وأولادهم:

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ»
ثم قال تعالى عن هذه الشهوات المزينة:

«ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»

ثالثا: من الشهوات المزينة ما يُسمى بـ «الشذوذ الجنسي»، وقد ورد في كتاب الله أن «من النساء» من يشتهين النساء: «وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ»، وأن من الرجال من يشتهي الرجال: «وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ».

والسؤال: «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»

رابعا: بعد أن ذكر الله تعالى أن هذه الشهوات المزينة، «مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، بيّن أن «التقوى» هي صمام الأمان من هذا التزيين الشيطاني، فقال تعالى:

«قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»

وطبعا ورود الأمر بـ «التقوى» في سياق يخاطب «الناس»، كما بيّنت ذلك في المنشور السابق، يُبيّن أن الخطاب يشمل الرجال والنساء.

خامسا: أصحاب القراءات المعاصرة، التي أسميها بالقراءات «الشاذة»، لا يعلمون شيئا يدافعون به عن هذه القراءات إلا قولهم: إن وجود «مجاز» في القرآن يعني أن الله غير قادر على التعبير عما يريد فذهب إلى استعمال «المجاز»!!

إن هؤلاء لا يعملون شيئًا عن معنى «التدبر»، ويفتنون الناس وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا، فهل عجز الله تعالى عن التعبير عن فاعلية (أمره)، فبعد أن قال:

«فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا»

تدارك هذا العجز وقال:

«أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»

نعم: «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» – «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى