نحو إسلام الرسول

(547) 8/12/2016 (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ )

لقد خاطب الله تعالى الوجود البشري بـ «يا بني آدم»، نسبة إلى الأب آدم، عليه السلام، وقد ورد هذا الخطاب في القرآن أربع مرات في سورة الأعراف، ومرة في سورة يس، في سياق بيان وجوب أخذ العبرة من قصة آدم وزوجه.

وخاطب الله بني آدم، في سورة الحجرات، بـ «يا أيها الناس» يذكرهم بأصلهم الواحد:

«يَا أَيُّهَا (النَّاسُ) إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى»، أي من آدم وزوجه، ثم يشير إلى ذريتهما:

«وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».

وبيّن الله تعالى، في سورة النساء، أن هذه الشعوب وهذه القبائل، هم الرجال «الذكور»، والنساء «الإناث» الموجودون في العالم اليوم، فقال تعالى:

«يَا أَيُّهَا (النَّاسُ) اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا (رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً)، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ..»

وأمر الله رسوله محمدًا، أن يُخبر هؤلاء (الناس)، أنه رسول الله إليهم جميعًا، فقال تعالى:
«قُلْ يَا أَيُّهَا (النَّاسُ) إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً»

وكان أول نداء للناس، بعد تقسيمهم إلى: مؤمن، وكافر، ومنافق، هو قوله تعالى في سورة البقرة:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»

تدبر: «اعْبُدُوا رَبَّكُمْ .. لَعَلَّكُمْ (تَتَّقُونَ)»

وفي آية سورة النساء، قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»

وفي آية سورة الحجرات، قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ (أَتْقَاكُمْ)».

وإن من «تقوى الله» أن يعلم «الناس» أدوات «تدبر» الكتاب الذي أنزله الله على نبيه الخاتم، وجعله رسالته للناس جميعا.

وإن في مقدمة هذه الأدوات «اللغة العربية»، التي حملت مراجعها «اللسان العربي» الذي نزل به القرآن، وإلا كيف يفهم «الناس» كلمات القرآن وهم «أعاجم»؟!

ومن أدوات «تدبر» كتاب الله، أن يكون «الناس» على دراية بعلم «السياق القرآني»، حتى لا يستنبطون فهمًا أو حكمًا ما أنزل الله به من سلطان.

مثال: إذا أردنا الوقوف على معنى «الناس» في قوله تعالى: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ»، علينا أن نحصر الآيات التي وردت فيها كلمة «الناس»، ونتدبرها.

فإذا قمنا بحصر الآيات التي وردت فيها كلمة «الناس»، «والناس»، «بالناس»، «للناس»، نجدها «٢٥١» آية، كلها جاءت تخاطب الوجود البشري كله، رجالا ونساءً، إلا أن هناك آيات وردت فيها كلمة «الناس» وأريد طائفة منهم، كقوله تعالى:

«الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ (النَّاسُ) إِنَّ (النَّاسَ) قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ»

لا شك أن «الناس» الثانية من جنس «الناس» الأولى، ولكن الأولى تخص قوم أرادوا تثبيط همة المسلمين في مواجهة عدوهم «الناس» الثانية، وذلك بقولهم إن العدو قد جيش الجيوش، وجمع الجموع، ليخذلوهم عن الخروج لقتاله، وهذا من باب إطلاق الكل ويراد به البعض، وهو من الأساليب «المجازية».

ومن إطلاق الكل وإرادة البعض، جملة (مِنْ النَّاسِ) التي وردت في كتاب الله «٢٧» مرة من مجموع «٢٥١» آية، ومثال ذلك قوله تعالى في سياق الحديث عن قصة موسى، عليه السلام:

«وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً (مِنْ النَّاسِ) يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ»

إن الأمة (مِنْ النَّاسِ)، حسب هذا السياق، هي من مجموع «الناس» الذين يعيشون في مدين، وهناك قرائن ترجح أن تكون هذه الأمة من «الرجال»، وذلك من باب «التغليب»، وهو من الأساليب «المجازية»، حيث يغلب خروج الرجال إلى هذا العمل، والمرأتان لا تريدان مزاحمة الرجال، وأبوهم شيخ كبير، «فَسَقَى لَهُمَا».

وأيضا إذا ذهبنا إلى قوله تعالى:

«زُيِّنَ (لِلنَّاسِ) حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»

نجد أن القرائن هنا ترجح أن يكون الخطاب «للناس» جميعا، رجالا ونساء، لماذا؟!

أولا: لأن السياق الذي وردت فيه الآية يتحدث عن الكافرين الذين شغلتهم أموالهم وأولادهم عن اتباع النبي الخاتم، عليه السلام، فقال تعالى «الآية ١٠»:

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ»

ثانيا: فجاءت الآية «١٤» ببيان طبيعة النفس البشرية: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ»، وأن هذه الشهوات:

«مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ»
هي: «ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»

ثالثا: فكما زُيّن للرجال حب هذه الشهوات، زُيّن أيضا للنساء حبها، ولا شك أن متاع الحياة الدنيا يشمل الرجال والنساء، الذين خاطبهم الله بعد ذلك مباشرة بقوله تعالى:

«قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»

وورود الأمر بـ «التقوى» في سياق يخاطب «الناس»، كما وردت في سياق الآيات السابقة، يُبيّن أن الخطاب يشمل الرجال والنساء.

فهذه كلها قرائن دالة على أن كلمة «الناس» في قوله تعالى: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ»، تعني الرجال والنساء.

ولذلك أقول دائما إنه يستحيل أن نفهم القرآن بمعزل عن «علم البيان»، وما حمله من أساليب «مجازية»، مثل ورود كلمة «الناس» في قوله تعالى:

«الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ (النَّاسُ) إِنَّ (النَّاسَ) قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ»

فإذا سأل سائل: لماذا استخدم السياق القرآني نفس كلمة «الناس» في الحالتين، مع أن موضوع «الناس» الأولى، غير موضوع «الناس» الثانية؟!

فهل سنجد الإجابة في القرآن؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى