نحو إسلام الرسول

(545) 6/12/2016 (المجاز وتنزيه الله عن الإتيان والمجيء)

يقول الله تعالى:

«هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ»

فإذا تدبرنا هذه الآية، نجد أن قوله تعالى: «أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ» جاء على حقيقته، فقد أنزل الله الملائكة يوم بدر، وأنزلهم على صورة بشر لمريم، وإبراهيم، ولوط، عليهم السلام، فقال تعالى:

«إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»

«فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً»

«وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ»

«وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ»

وإذا تدبرنا قوله تعالى: «أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ» وجدناه أيضا جاء على حقيقته، فقد أنزل الله آيات العذاب على المكذبين للرسل، فقال تعالى:

«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً . فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً . وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً . وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً . وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً»

ولكن عندما نتدبر قوله تعالى: «أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ»، هل نفهمه أيضا على حقيقته، وأن الله يأتي في صورة بشر، كما أتت الملائكة مريم وإبراهيم ولوطا؟!

وهل كذلك نفهم قوله تعالى:

«فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ»

هنا تظهر أهمية «المجاز»، كأسلوب من الأساليب البيانية التي عرفها أهل «اللسان العربي»، وخاطبهم الله على أساسها، لأن الإتيان والمجيء انتقال من مكان الى مكان، وصفة من صفات الأجسام.

ولما كان الله سبحانه وتعالى مُنزهًا عن الإتيان والمجيء، فإن الإتيان المسند إليه، «يَأْتِيَ رَبُّكَ»، لا يكون مطلقا على حقيقته، ويُفهم في إطار قوله تعالى:

«يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ (أَمْرُ رَبِّكَ) وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ»

وقوله تعالى:

«أَتَى (أَمْرُ اللَّهِ) فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»

ولما كان أمر الله ليس شيئًا ماديًا يأتي ويجيء، فلا سبيل إلى فهمه إلا على وجه مجازي يُبيّن عظم هول العذاب والجزم بحدوثه، لأنه صادرٌ عن الله تعالى.

إن «المجاز» في كتاب الله ينطق بذاته، وتشهد مئات الآيات بوجوده، وفي مقدمتها ما كان يتعلق بدلائل الوحدانية، ولولا المعنى الحقيقي الذي وُضع للكلمة في أصل اللسان، ما كان هناك «مجاز».

فإذا عبّرت الكلمة عن المعنى الذي وُضع لها أصلا في اللسان «اللغة» فهي حقيقة، وإذا استعملت في غير ذلك فهي مجاز.

فـ «المجاز» يعني خروج الكلمة «تجاوزها» عن معناها الأصلي، مع وجود علاقة بين المعنيين، وقرينة مانعة من إرادة المعني الأصلي.

فكلمة «أسد» معروفة عند جميع الشعوب، ومعروف مسماها الذي يُميزه عن سائر الحيوانات، والطفل «أحمد» معروف بما يُميزه عن الحيوان.

فإذا قال الأب لابنه «أحمد»، بسبب تصرف شجاع فعله: أنت «أسد»، فهل هذا الوصف غَيّر من حقيقة «أحمد» البشرية وجعله حيوانًا «أسدا»؟!

وهل كلمة «أسد» عندما استعملت بصورة مجازية غيرت من حقيقته الحيوانية؟!

إن «المجاز» لا يُغير من حقائق الأشياء، فالمعنى هو نفسه لم ينقص منه شيء، وكما ينتقل الإنسان «يجتاز» من مكان إلى آخر أكثر اتساعا، كذلك ينقل «المجاز» الكلمة من موقعها الأصلي إلى موقع جديد، ومناخ أوسع، أكثر بلاغة، لولاه لم تكن متميزة بصورتها البيانية الجديدة، وما أكثرها في كتاب الله.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى