نحو إسلام الرسول

(543) 2/12/2016 (الدراسات العلمية لا تعرف المذهبية، ولا العشوائية)

أقصد بـ «المذهبية»، التوجهات الفكرية العقدية والتشريعية المختلفة، التي أفرزتها أزمة التخاصم والتكفير بعد أحداث الفتن الكبرى، والتي عليها اليوم أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، والتي كفرت بها وبما تحمله من تراث ديني، ومصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان.

فالذي لا يعلم من هو صاحب المشروع الفكري الذي يقرأ له، وما هي توجهاته الفكرية، كيف يفتري عليه الكذب، ويتهم مشروعه بما ليس فيه، لمنشور قرأه له؟!

والمنهج «العشوائي» منسوب إلى «عَشْواء»، وهو المنهج القائم على غير أساس علمي، ويقابله منهج «التدبر» القائم على أساس علمي، وحجة وبرهان.

و«العشوائية الفكرية»، طرق للتفكير لا تقوم على تفعيل ما أسميه بـ «آليات عمل القلب»، والتي يخاطب الله تعالى أصحابها بقوله:

«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»

والدراسات العلمية لا تقوم على «المذهبية» ولا على «العشوائية»، لأن ذلك يخالف شروط البحث العلمي، وفي مقدمتها «الحيادية»، واتباع «المنهج العلمي».

أولا: إن المصاب بمرض الحساسية المزمنة تجاه «المذهبية السلفية»، يرسب في اختبارات إعداد الدراسات العلمية، لافتقاده شرط «الحيادية»، لأنه يرى كل العلماء أمامه «فقهاء أصوليين سلفيين»!

ثانيا: إن المصاب بمرض «العشوائية الفكرية» يخالف كل ما جاء به السلف، ولم يبق من منهجه في المخالفة، إلا أن يمتنع عن قراءة القرآن واتباع أحكامه، لأن السلفية تفعل ذلك!

ثالثا: إن «العشوائي» يرى المقال الذي يكتبه صاحب المشروع الفكري، لا يختلف عن مقال أديب يكتب في صحيفة، وعليه أن يراعي في أسلوبه أنه يكتب للعامة والجهلاء.

أما «المتدبر» فيرى مقال صاحب المشروع الفكري يختلف تماما عن الأديب، لأن مقاله لا ينفصل عن مشروعه الفكري، لذلك يجب الإحاطة بالأصول التي قام عليها مشروعه الفكري كي نفهم مقاله، لماذا؟!

١- لأن الأصول والقواعد التي قام عليها المشروع الفكري متصلة وملتحمة في نسيج واحد، وإذا كان المنهج العلمي في البحث يفرض على علماء العالم اتباع «المنهجية العلمية»، فمن باب أولى أن يتبعها العلماء المسلمون.

٢- لأن صاحب المشروع الفكري «التأصيلي» وهو يؤسس لمشروعه، ويضع قواعده، فإن القاعدة الثانية تقوم على الأولى، والثالثة تقوم على الثانية…، وذلك بشكل منتظم، ووفق «منهجية علمية»، لذلك يستحيل أن تفهم مشروعه بتفكيك قواعده.

٣- لأن «المنهجية العلمية»، تفرض على من يريد نقد أو نقض أي مشروع فكري، لأي مفكر، أن يبدأ بالقاعدة الأولى، فإن استطاع نقدها أو نقضها، فقد أسقط المشروع كله.

رابعا: إن صاحب المشروع الفكري عندما يكتب مقالا أو منشورا على صفحته «الشخصية» فإنه ينطلق من قواعده وهو يعلم أن المتابعين له يفهمون ما يكتب، لأنهم أصلا يعلمون مشروعه الفكري من خلال موقعه الرسمي، فإذا دخل زائر هذه الصفحة، وقرأ منشورًا وعلم أن لصاحب الصفحة مشروعًا فكريا، فسنجد:

أن «المتدبر»، بعد أن يقرأ المنشور، ويختلف أو يتفق مع صاحبه، قد يذهب للتعرف على صاحب الصفحة، من خلال موقعه الرسمي، لعله يضيف إليه جديدا.

أما «العشوائي»، فإنه يقف عند المنشور، ويطلب من صاحب الصفحة أن يشرح له ما فيه من أصول وقواعد مشروعه الفكري!!

خامسا: إن أصول الحوار العلمي تفرض على من يختلف مع أي كاتب في أفكاره، أن يعرف أولا من هو هذا الكاتب، وما هي توجهاته الفكرية…، وذلك قبل أن يكتب كلمة واحدة في نقده، لذلك قالوا:

هل تعلم من هو الكاتب «فلان»؟! نعم أعلمه. هل قرأت (له) أم (عنه)؟! لا قرأت (عنه). إذن فأنت لا تعلمه!

ولكن «العشوائية الفكرية»، لا مانع عندها أن تسحب قاعدة من القواعد التي قام عليها المشروع الفكري، وتريد أن تفهمها بمعزل عما قبلها وما بعدها من قواعد، بدعوى أن من حقها أن تفهم أي شيء تراه أمامها، ولا علاقة لها بالمشروع الفكري وصاحبه!!

سادسا: إن المنهج العلمي في الدراسات والبحوث العلمية، له أصول وقواعد يجب اتباعها، وعندما أناقش طالب في رسالة ماجستير أو دكتوراه، لا أستطيع «مطلقا» أن أقف عند جملة من رسالته، وأنا أعلم أنها من نتائج بحثه، وأقول له: ماذا تقصد بهذا الجملة؟! لأن الطالب في هذه الحالة سيبتسم، وقد يخجل أن يرد على أستاذه، ليقول له: هذا معناه أني أشرح لسيادتك موضوع الرسالة من جديد!

ومن هذا المنطلق، فإن معظم المعجبين بأصحاب التوجهات الفكرية الإسلامية المختلفة، سلفية، ومستنيرة، وعصرية، لا يستطيعون الإجابة على هذه الأسئلة، التي تُبيّن لهم، هل هم من «المتدبرين» أم من «العشوائيين»:

١- على أي أساس علمي أقام صاحب التوجه الفكري ما يدعو إليه؟!

٢- ما هي المصادر المعرفية التي أقام على أساسها مشروعه الفكري؟!

٣- ما هي علاقة هذه المصادر المعرفية بما أمر الله تعالى اتباعه؟!

وليسأل أتباع التوجهات الفكرية الإسلامية المختلفة أصحابها هذه الأسئلة، وعندها سيعلمون الفرق بين «المنهجية العلمية»، و«العشوائية الفكرية».

سابعا: إن السبب وراء هذه الأزمة الفكرية الإسلامية التي يعيشها المسلمون اليوم، هو عجز معظم المفكرين الإسلاميين عن التعامل مع القرآن بـ «منهجية علمية»، باعتباره «آية إلهية» وليس فقط «كتابا إلهيا»، والسبب:

«التربية العشوائية»، التي جنى المسلمون ثمارها قرونا من التخلف، والعالم من حولهم يتحرك نحو الكشف عن مزيد من أسرار «النظام» المتحكم في فاعلية آيات الله في الآفاق والأنفس.

لذلك كان من القواعد التي أقمت عليها مشروعي الفكري، أن حفظ «الذكر» ليس معناه حفظ المصحف من أن يمسه أحد بسوء، وإنما حفظ مسميات كلماته الموجودة في هذا الوجود، وهو ما أسميه بـ «المقابل الكوني».

لقد كتبت عدة مقالات في بيان مفهوم «المقابل الكوني»، وأن «الحفظ الإلهي» ليس معناه حفظ اسم الكلمة وصورتها في الوجود فقط، فأين «الآية الإلهية القرآنية» في ذلك، وإنما معناه حفظ مفهوم «الجعل الإلهي»، الذي نتعلم منه مقتضيات هذا الحفظ من فاعليات قائمة في هذا الوجود، مازال علماء العلوم الطبيعية وغيرهم يبحثون عنها، فتدبر:

«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي (خَلَقَ) السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ و(َجَعَلَ) الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ»

ثامنا: لقد مرت «العشوائية الفكرية» باختبار بسيط وسهل جدا، لإثبات صحة دعواهم أن «القرآن تبيان لكل شيء»، وسقطت سقوطًا لم يحدث لأي توجه فكري إسلامي على مر العصور، ومع ذلك يصرون على «القرآن وكفى»!!

يقولون إنهم «يصلون»، ويشرحون في منشوراتهم كيفية هذه «الصلاة»، ومهما كانت هذه الكيفية فليست هذه هي المصيبة الفكرية، وإنما المصيبة الفكرية في أن ترد كلمة «الصلاة»، و«صلاة»، و«صل»، في «٩٣» آية، تم حصرها في منشور سابق، ولم يأمر الله فيها «الذين آمنوا» بأداء كيفية واحدة من هذه الكيفيات التي أعلنوا عنها في منشوراتهم!!

والسؤال: وهل «صلى» النبي والذين آمنوا معه، «تنفيذا لأمر الله» لهم بـ «الصلاة» في هذه الآيات، أم لم يصلوا؟!

وإذا كانوا «صلوا»، والقرآن الذي هو «تبيان لكل شيء» لم يُبيّن لنا كيف «صلوا»، وقد أمرنا الله نحن أيضا اليوم أن «نصلي»، فمن أي المصادر المعرفية نعرف معنى هذه «الصلاة» وكيفية أدائها؟!

وليست هذه المصيبة الفكرية الكبرى بسبب «العشوائية الفكرية» فقط، وإنما أيضا في افتراء الكذب على الله تعالى، وهم يصرون إلى يومنا هذا على أن كيفيات «الصلاة» التي يقومون بها اليوم هي ما أمرهم الله بأدائها!!

إن على الذين يغضبون من وصفي لهم بالعشوائية، وبالجهل..، عليهم أن يتركوا هذه الشماعة جانبًا الآن، لأني مستعد أن أقبل رؤوسهم جميعًا، مع اعتذار رسمي لهم على هذه الصفحة، والإعلان عن سقوط مشروعي الفكري، إذا هم:

جاؤوا من الآيات الـ «٩٣»، بكيفيات «الصلاة» المختلفة التي يؤدونها اليوم، والمنشورة على حساباتهم، وصفحاتهم، ومواقعهم.

وبشرط ألا يخرجوا عن حدود هذه الآيات التي وردت فيها كلمة «الصلاة»، والابتعاد عن الكلام المرسل ومنهج «القص واللصق» الذي اعتادوا استخدامه في استنباطهم الأحكام القرآنية.

«قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»

محمد السعيد مشتهري

ملاحظة هامة:

أولا أعتذر للأصدقاء الأعزاء عن التركيز في المنشورات السابقة على بيان خطر «العشوائية الفكرية»، وبدعة «القرآن وكفى»، على مستقبل الفكر الإسلامي، لأن الحقيقة أني أرى الأزمة ليست في أصحاب هذه التوجهات الفكرية، وإنما في المساكين الذين يتبعونهم بغير علم.

ثانيا: لقد أغقلت باب الحوار حول موضوع هذا المنشور، لأني لم أكتبه إلا بعد أن أخذ المعارضون حقهم «وزيادة» في تعليقاتهم السابقة، وأصبح من حقي الرد عليهم، وانتهى الموضوع.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى