نحو إسلام الرسول

(537) 20/11/2016 (لماذا يريدون محو ذاكرة المعارف الإسلامية؟!)

هناك حقائق تاريخية لا يمكن لعاقل أن ينكرها، وهي مسميات الأشياء التي انطبعت صورها الذهنية في قلوب الناس، ونزلت الرسالات الإلهية تتفاعل معها، وتخاطبهم على أساس معرفتهم بها، وماذا يفعلون فيها، وحفظها الله لتكون حجة على الناس إلى يوم الدين، ومن هذه الحقائق التاريخية «المساجد».

أولا: لقد عرف الناس في عصر «أصحاب الكهف» مكانًا للعبادة اسمه «المسجد»: «لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا»، ومن بين الآيات التي وردت فيها كلمة «مسجد»، قوله تعالى في سورة الحج «الآية ٤٠»:

«وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ، وَبِيَعٌ، وَصَلَوَاتٌ، وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً»

فكيف نفهم هذه الآية في ضوء قوله تعالى: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ»؟!

هل يوجد في كتاب الله تفصيل لمعنى هذه الكلمات: «صوامع»، «بيع»، «صلوات»، «مساجد»، والتي من المفترض أن تحمل مسميات أشياء يمكن للناس هدمها؟!

إذا بحثت في القرآن كله عن هذه الكلمات، التي من المفترض أن تحمل مسميات أشياء يمكن للناس هدمها، لن تجد غير كلمة «المسجد»، التي وردت في الآيات التالية:

* في «١٤» آية: «المسجد الحرام»

* في «٢» آية: «المسجد الحرام ـ المسجد الأقصى»

* في «٣» آية: «المساجد لله – وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد – خذوا زينتكم عند كل مسجد»

* في «٣» آية: «ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله – إنما يعمر مساجد الله – ومن أظلم ممن منع مساجد الله»

* في «٢» آية: «والذين اتخذوا مسجدا ضرارا – لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى»

* في «١» آية: «ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد»

* في «١» آية: «لنتخذن عليهم مسجدا»

* في «١» آية: «لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ»

وهنا يجب أن نلاحظ أن تكرار «المسجد الحرام» أربعة عشر مرة في كتاب الله له دلالة، ولكن ماذا تفيد هذه الدلالة، إذا افترضنا محو «الصورة الذهنية» لكلمة المسجد والدور الذي يقوم به، من ذاكرة المسلمين، التي تكونت من خلال «منظومة التواصل المعرفي»؟!

لذلك قلت، وأقول باستحالة فهم القرآن دون الاستعانة بما أسميه «منظومة التواصل المعرفي»، وهي ليست «تواترًا عمليًا» مذهبيًا، كما يظن البعض، ويمكن اعتبار هذا المنشور مثالا على حجيتها.

ثانيا: إن «المساجد» حقيقة تاريخية، منذ عصر إبراهيم، مرورا بعصر النبي الخاتم محمد، عليهما السلام، وإلى يومنا هذا، فتدبر:

«وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ … وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ … وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا … رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ … وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ …»

لقد أمر الله رسوله محمدًا باتباع ملة إبراهيم، عليه السلام:

«ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»

واتباع ملة إبراهيم يشمل تطهير البيت الحرام «لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»، والمقصود بهذا التطهير المعنى المعنوي قبل المادي، أي تطهيره من مظاهر الشرك، تدبر قول الله تعالى في سورة التوبة «١٧ – ١٨»:

«مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ … إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ..»

فإذا أضفنا إلى ذلك قوله تعالى في سورة الجن «الآية ١٨»:

«وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا»

وقوله تعالى في سورة الأعراف «الآية ٢٩»:

«وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»

وتدبرنا قوله تعالى في بيان شروط عمارة المساجد:

«مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ»

* إذن علينا أن نسأل أنفسنا:

ماذا كان يفعل المسلمون في هذه المساجد، تفعيلا لقوله تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ..»

ثالثا: إن «البيت» الذي أمر الله إبراهيم، عليه السلام، أن يرفع قواعده، هو «الكعبة»، الموجودة على مر العصور في بلد اسمها «مكة»، الموجودة في دولة اسمها «السعودية» يعلمها العالم أجمع، والله تعالى يقول عنها:

«جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ..»

وهذه الكعبة، «البيت الحرام»، موجودة في «المسجد الحرام»، فالله تعالى يقول:

«قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»

إذن فـ «المسجد الحرام» هو «قبلة» المسلمين في صلاتهم، ومنذ أن بعث الله النبي الخاتم محمدًا، عليه السلام، والمسلمون يبنون المساجد ويجعلون قبلتهم نحو «المسجد الحرام»، ويجتمعون فيها لإقامة الصلاة عند سماع المنادي ينادي إليها، فتدبر:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»

وتدبر قوله تعالى:

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ»

* إذن علينا أن نسأل أنفسنا:

ما هو «ذكر الله»، وكيف كان «التسبيح»، الذي فعله المسلمون في هذه المساجد، قرونا من الزمن، وما هو البرهان على صحة ذلك؟!

رابعا: وبعد تدبر الآيات السابقة، علينا أن نعلم، أن «الصلاة» التي نراها اليوم تقام «جماعة» داخل آلاف المساجد، بهيئة واحدة، من قيام، وركوع، وسجود، وخمس صلوات في اليوم، وفي مواقيت ثابتة، هذه «الصلاة» متصلة الحلقات بما كان يؤديه المسلمون في مساجد العالم منذ قرون مضت، حتى نصل إلى «مسجد المدينة» و«المسجد الحرام»، حيث أقام النبي والذين آمنوا معه فيهما هذه «الصلاة».

والسؤال: هل شهد تاريخ «المسجد الحرام»، و«مسجد المدينة» منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، شذوذًا عن مفهوم هذه «الصلاة»، وعدد مرات إقامتها في اليوم، وكيفية أدائها؟!

الجواب: مطلقا، قولا واحدا

إذن، فبأي منطق يقبل عاقل، أن يكون الشيطان قد ضحك على ملايين الملايين الملايين من المسلمين، وجعلهم يقيمون «الصلاة» في «المسجد الحرام»، و«مسجد المدينة»، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، بهيئة القيام والركوع والسجود، و«الصلاة» أصلا ليس لها هيئة؟!

خامسا: إن الذين يُفكرون بهذا المنطق الشيطاني، هم الذين ضحك عليهم الشيطان وأوهمهم أن قول الله تعالى عن الكتاب: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ»، يعني أن الله قد بيّن في كتابه كل شيء، وأن عليهم أن ينقبوا في الكتاب عن صور مسميات الكلمات القرآنية «الأسماء والأفعال والأحرف» ويستخرجوها من الكتاب!!

كما أوهمهم أن أتباع الرسل دائما يُضيّعون شريعتهم، وفي مقدمتها «الصلاة»، ويشهد لذلك قوله تعالى:

«فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً»

لقد صدّقوا الشيطان، ومازالوا يبحثون عن مسميات الكلمات في الكتاب، وفهموا أن ضياع الصلاة يعني ضياع أركانها وهيئتها، والحقيقة أن الآية تتحدث عن عدم القيام بمقتضياتها، بدليل قوله تعالى بعدها: «وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ»، والله تعالى يقول: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ».

إن الذين يُفكرون بهذا المنطق الشيطاني، هدفهم سامي وجميل، ويسعد الناس جميعا، لأنهم يريدون أن يعيش الناس في سلام، لا تفرقهم ملة ولا شريعة، ولا طقوس ولا شعائر، ولا فرق بين ذكر وأنثى، فـ «الإسلام» جاء ليعيش الناس في أمن وأمان، وهذا هو معنى «الإيمان» الحقيقي، كما يدّعون.

وبناء على هذا المنطق الشيطاني، أقاموا دينًا جديدًا يناسب العصر، ينطلق من رسم الكلمة القرآنية وحروفها، ويجذب الناس إليه ببرامج «التنمية البشرية»، و«البرمجة اللغوية العصبية»، تحت عنوان «المعجزة اللفظية»، أو «المنهج اللفظي الترتيلي».

يقولون: لولا السنن الإلهية الحاكمة لسلوكيات البشر، لما كانت هناك حضارة، ولا صناعات «صوامع»، ولا تجارات «بِيَعْ»، ولا ضوابط اجتماعية «صلوات»، ولا مقومات الحياة الأساسية «مساجد»، هكذا فهموا بقراءتهم العصرية قوله تعالى:

«وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ، وَبِيَعٌ، وَصَلَوَاتٌ، وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً»

١- عن مفهومهم للصلاة يقولون:

لقد بدأت سورة «ص» بحرف «الصاد»، وفيها يقول الله تعالى:

«مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ»

إذن فحرف «الصاد» يتعلق بالسنن الإلهية التي قام عليها هذا الوجود، وبالرسالات التي أنزلها الله، تأمر الناس باتباع صراطه المستقيم، وحرف «الصاد» هذا هو «عالم الأمر».

أما «عالم الخلق» فنأخذه من حرف «اللام» الذي يتوسط كلمة «خلق»، وهذا العالم هو أحوال الناس وأعمالهم وتصرفاتهم.

وبناء على ما سبق، تكون كلمة «صل»، هي تفاعل «عالم الخلق» مع «عالم الأمر»، وتكون «الصلاة»، المعرفة بأل، تعني: أن يكون عمل الإنسان «ل»، موافقًا لما يُشرعه عالم الأمر «ص»، وهو الله تعالى.

أما «صلاة»، غير المعرفة بأل، فتعني: أن كل إنسان يملك العالمين: عالم الأمر وعالم الخلق، أي يملك المعلومات والأوامر «ص»، ويملك تفعيلها عمليا في حياته «ل»، فإن قام بتفعيلها فهذه هي «صلاته».

وإذا كانت كلمة «الصلاة» في المصحف بالألف: فمعناها إقامة الصلة بين العبد وربه، والتفاعل مع الآخرين دون تعد ولا تجاوز، وليست هيئة تُقام، من قيام وركوع وسجود.

أما إذا كانت «الصلاة» بالواو: فمعناها إقامة الصلة بين العبد وربه، ولكن عن طريق هيئة القيام والركوع والسجود.

٢- وعن مفهومهم للسجود يقولون:

لقد شهدنا بالوحدانية ونحن في عالم الذر، فإذا جعلنا هذه هي نقطة البداية، فعلينا، كي نكون من «الساجدين»، أن نجعلها أيضا نقطة النهاية، بأن نقيم حياتنا على نظام «إعادة التدوير»، فنبدأ أعمالنا وننتهي منها ونحن نعيش معنى «الوحدانية».

وبناء على ذلك، يكون «المسجد» هو المكان الذي يُعاد فيه تدوير وتجديد الخلايا ووظائف أعضاء الأنظمة الحاكمة لحياة الشعوب، مثل الوزارات المسؤولة عن «إعادة تدوير» وتجديد برامجها ونظم معلوماتها.

ولما كانت هذه الأنظمة الحاكمة ملكًا لله وحده، فإن كل الوزارات التابعة لها تعتبر «مساجد» يجب «تعميرها»، وذلك بضبط أعمالها ورعاية مصالح الناس، لأن الله تعالى يقول: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ..»

كما يجب أن يأخذ الموظفون زينتهم عند الذهاب إلى أعمالهم، لأنه لا يُعقل أن يذهبوا بالملابس الداخلية، والله تعالى يقول: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ».

«الحقيقة طلع إلي بيقولوا إن الصلاة أن تقرأ كام آية في الفجر، وكام آية في العشاء، ولو مش قادر سبح واذكر الله، ولو مش قادر مش مهم، عملك الصالح طوال اليوم هو صلاتك الحقيقية…، طلعت الجماعة دي أرحم!!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى