نحو إسلام الرسول

(536) 15/11/2016 (موسوعة الفقه القرآني المعاصر)

عندما تبحث في «جوجل» عن جملة «موسوعة الفقه القرآني المعاصر» ستجد من النتائج الأولى كلمة «موسوعة»، وأسفلها هذا الرابط www.feqhelquran.com وتحته هذه الفقرة:

«مرحبا بكم في شبكة المعلومات المفتوحة، «موسوعة الفقه القرآني المعاصر»، برجاء قراءة موضوعات القائمة أولا، قبل البحث في الموسوعة، مع ملاحظة أن المادة العلمية للموسوعة لم..»

وهذا كان هو الرابط الخاص بموقعي الرسمي «فقه القرآن»، والذي ضاعت كل محتوياته فجأة منذ سنة تقريبا، فما قصة هذه الموسوعة؟!

عندما بدأت أضع لنفسي منهجًا لتدبر القرآن، باعتباره «آية إلهية» وليس فقط كتابًا إلهيًا، وبعد رحلة فكرية من الإيمان الوراثي، الذي وجدت عليه آبائي، إلى الإيمان العلمي القائم على الحجة والبرهان، وذلك في الثمانينيات، تبيّن لي خلال هذه الرحلة ما يلي:

أولا: لم يكن رسول الله سنيًا ولا شيعيًا ..، ولا سلفيًا ولا أشعريًا..، لذلك فإن كل علماء الدين ودعاته، والمفكرين من السلفيين والمستنيرين والعصريين، الذين ينتمون إلى هذه الفرق، ويستندون في ثقافتهم الإسلامية، القرآنية أو التراثية، إلى أمهات كتبها، هؤلاء «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً».

ثانيا: إن الذين يتصورون أن بعث الأمة الإسلامية سيكون بهدم تراثها الديني، من علوم التفسير والحديث والفقه..، ولو قضى المسلمون حياتهم كلها في سبيل ذلك، هؤلاء: «ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»..، قولا واحدا، لأنهم يزرعون في أرض غير الأرض التي أمرهم الله أن يعيشوا فيها.

ثالثا: يستحيل أن يبعث الله من جديد خير أمة أخرجت للناس، إلا إذا خلع أفرادها ثوب التفرق في الدين، لينجوا أولا من مصيبة «هجر القرآن»، وثانيا من العذاب الأليم الذي ينتظرهم، وهو عذاب «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً».

وبناء عليه، كان يجب أن أبحث عن الآلية التي تساعد المسلمين، بجميع توجهاتهم الفكرية، ومستوياتهم الثقافية والمعرفية، على العودة إلى الإسلام الذي كان عليه الرسول، قبل ظهور هذه الفرق والمذاهب العقدية المختلفة.

لقد انطلقت من كون القرآن «آية إلهية»، هي البرهان الوحيد الذي يملكه المسلمون، الدال على أن رسولهم، عليه السلام، اسمه محمد، وكانت الفكرة، التي تمنيت أن تتحقق، وكان ذلك في الثمانينيات، أن يضع الإنسان «الماوس» على أي كلمة في المصحف، «اسم أو فعل أو حرف»، فتفتح له صفحة بها الآتي:

أولا: عدد مرات ورود الكلمة ومشتقاتها في القرآن.

ثانيا: معنى الكلمة حسب ورودها في السياق القرآني، إن وجد لها معنى.

ثالثا: معنى الكلمة في أمهات كتب اللغة العربية، بشرط أن تتناغم مع سياق الآية.

رابعا: نافذة يضع فيها كل من يريد أن يدلي بدلوه في عطاء هذه الكلمة، ثم تُعرض الآراء والمقترحات على اللجنة العلمية المشرفة على هذه الموسوعة، لإبداء الرأي على نفس النافذة، مع بيان البراهين التي يستند إليها.

طبعا قد تكون فكرة خيالية، ولكن التحديات التي واجهتها بنفسي، خلال رحلتي الفكرية بين علماء الفرق والمذاهب المختلفة، هي التي فرضت عليّ هذا التفكير.

لم أكن أملك وقتها غير المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، ولكن وجدت أنه يستحيل أن أقوم وحدي بهذا العمل، فعرضت الدراسة الخاصة بهذه الموسوعة على الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين، وبعد مناقشتي فيما ورد فيها، رشح لي ثلاثة من الأساتذة «الدَرْعَمِيّين»، وهو مصطلح يطلق على خريجي دار العلوم.

وباختصار، وبعد مناقشتهم في فكرة الموسوعة، وبيان أن المقصود بكلمة «الفقه»، التي يحملها عنوان الموسوعة، هو الفهم الواعي لعطاء الكلمة في سياقها القرآني، وليس المصطلح الفقهي المعروف، سألني أحدهم:

ألم يُعط النبي جوامع الكلم، فلماذا لم تدخل الأحاديث النبوية في قاعدة البيانات؟!

ويبدو أنه من خلال عرضي لفكرة الموسوعة، والمصادر التي سنحصل منها على قاعدة البيانات، فهموا أني لا أريد الاعتماد إلا على القرآن ومراجع اللغة العربية، فسألني أحدهم: هل أنت قرآني؟!

قلت: لماذا يا أهل اللغة العربية، التي حملت «اللسان العربي» الذي نزل به القرآن، تصفون من أراد أن يعيد المسلمين إلى ما كان عليه الرسول، قبل تفرقهم في الدين، وقبل أن يظهر كتابا واحدا من أمهات كتب تراثهم الديني، تصفونه بأنه «قرآني»؟!

ثم قلت: إذا كنتم أنتم يا من تخصصتم في علوم اللغة العربية، وحصلتم على أعلى الدرجات العلمية، لم تفكروا في إنشاء موسوعة للفقه القرآني «غير المذهبي»، وانشغلتم بمهمة التدريس، ومناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، التي اشتكت من حِمْلِها الثقيل المكتبة الإسلامية، فمن ذا الذي يمكن أن يقوم بهذا العمل؟!

لقد تذكرت موقف «الدرعميين» هذا، عندما قلت للأستاذ الدكتور محمد داود، أستاذ علم اللغة العربية، ردا على آخر تعليق له حول منشور «حور عين في السياق القرآني»:

«إذن فالذي بيننا هو خلاف منهجي حول المرجعيات، فكيف تطلب مني استكمال الحوار ومناقشة صلب الموضوع؟! لذلك وضعت لك الآن شروط التعليق على منشوراتي، فإن قبلتها استكملنا الحوار»

وطبعا كان من شروط التعليق «استحالة فهم نصوص الآية القرآنية، دون الاستعانة بمنظومة معرفية، تحمل أدوات مستنبطة من ذات القرآن، موجودة خارج القرآن، ولا علاقة لها بتراث المسلمين الديني، ولا بتواترهم العملي»، يعني صاحب الصفحة «منكر للسنة»، فذهب الدكتور داود ولم يعد!!

لقد انتهت فكرة أن يكون هناك عمل مؤسسي لإنشاء موسوعة في الفقه القرآني، بانتهاء اللقاء مع «الدرعميين»، خاصة بعد أن وضعت الدراسة الخاصة بهذه الموسوعة على موقع «فقه القرآن»، وظلت موجودة على الشريط المتحرك سنوات وسنوات، تدعو المسلمين إلى المشاركة في هذه الموسوعة، ولكن دون جدوى.

لقد أردت أن أشير إلى هذه القصة، لبيان حقيقة الأزمة الكبرى التي يعيش بداخلها المسلمون، وخاصة المفكرون «السلفيون»، و«القرآنيون»، في غيبة منظومة «اللسان العربي»، الذي يستحيل فهم القرآن بمعزل عن علومها!!

لقد ترك علماء وفقهاء اللغة العربية الساحة لغلمان لا يعرفون الفرق بين الفاعل والمفعول، ولجهلاء فهموا أن قوله تعالى عن القرآن: «تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ»، يعني أنهم سيجدون في القرآن معنى «الغائط»، في قوله تعالى: «أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ»، والصورة الذهنية لهذه الكلمة!!

الحقيقة أنني كلما شاهدت نسبة الإعجاب بما ينشره الفريقان من افتراءات على الله تعالى، والتي تزداد يوما بعد يوم، بصورة لافتة للنظر، أقف حائرًا عاجزًا عن التعبير عما في نفسي، وقد أعيش في هذه الحالة أيامًا.

يعني معقول «الجن» الكافر، يكون استطاع أن يخدع النبي، والذين آمنوا معه، وأنزل عليهم «مساجد» من السماء تامة الصنع، وأوحى إليهم بوجوب دخولها خمس مرات يوميًا، لتمثيل فيلم سينمائي اسمه «هيئة الصلاة»، ثم بيّن لهم كيفية هذه الهيئة، من قيام وركوع وسجود، وأقرهم الله على ذلك خلال عصر التنزيل؟!

يعني معقول «الجن» الكافر، يكون استطاع أن يزيل من على وجه الأرض كل «المساجد» التي بُنيت في حياة النبي، سواء كانت في الجزيرة العربية أو خارجها، وأن يمسح من ذاكرة المسلمين «هيئة الصلاة»، ثم ينزل عليهم «مساجد» جديدة لا يعلمون ماذا يفعلون فيها، فقام بتعليمهم كيفية القيام والركوع والسجود، للقيام بأدوارهم في فيلم «هيئة الصلاة»؟!

ثم هل يُعقل أن يستمر «الجن» في إسقاط المساجد الجديدة على كل عصر، ويستمر في خداع المسلمين للمشاركة في تصوير هذا الفيلم، ثم إذا به في القرن الخامس عشر الهجري، يخرج على المسلمين ويقول لهم:

ضحكت عليكم، الحقيقة لا «مساجد» ولا «هيئة صلاة»، دي كلها كانت هياكل كرتونية سينمائية لا أصل لها في دينكم، ويكفيكم أن تعملوا الصالحات، وتتمسكوا بالقيم الإسلامية، تكونون بذلك من «المصلين»!!

فهل بعد هذه «الغيبوبة» العقلية من غيبوبة؟!

إننا نتعامل مع القرآن بدون منهجية علمية، وبدون مرجعية للسان العربي، حاكمة على فهمنا للقرآن واستنباط أحكامه، فكانت النتيجة:

الشرك بالله، وتفكيك بنية النص القرآني، وإسقاط معظم أحكام القرآن، بدعوى المعاصرة، وحرية الرأي، وعلماء وفقهاء اللغة العربية، مشغولون بدنياهم، وليس بدينهم!!

والسؤال للأذكياء فقط:

١- المصدر المعرفي الوحيد لفهم القرآن هو «اللسان العربي».

٢- «اللسان العربي» موجود داخل القرآن.

٣- الدخول داخل القرآن يحتاج إلى تعلم «اللسان العربي»

٤- «اللسان العربي» موجود داخل القرآن.

٥- يا جماعة، أدخل القرآن إزاي وأنا «أعجمي»؟!

فيا أيها «الأذكياء»:

ارجعوا إلى «الحضانة» وتعلموا فيها أولا اللغة العربية، قبل نشر افتراءاتكم وتقولكم على الله بغير علم، واعتبروا هذه نصيحة، لماذا؟!

لأنه لو سُجن أحدكم أو قُتل، بسبب نشر هذه الافتراءات، سيكون ذلك في سبيل هواه، ولن يكون مطلقا في سبيل الله، ولو صنع منكم التاريخ نجومًا وأبطالًا، كما صنع الكثير من قبلك.

«وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ»
«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى