نحو إسلام الرسول

(535) 12/11/2016 (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ … لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ)

كتب الأستاذ الدكتور محمد داود، أستاذ علم اللغة، تعليقًا على منشور الأمس، جاء فيه:

«عزيزي قرات كلامك في ضوء قواعد العربية، وعلم المعنى في اللسانيات الحديثة، وأرجو أن يسعنا الحوار من خلال:

* المنهجية العلمية لقواعد اللسان العربي المبين للقران الكريم.

* ومنهجية تنطلق من النص ودلالاته، ولا تقحم أفكارا على النص من خارجه لأن أصحابها أعجبوا بها.

ولولا أنه طلب أن يكون الحوار على أساس علمي منهجي، ما التفت إلى ما جاء في تعليقه، لقوله:

«ولا تقحم أفكارا على النص من خارجه لأن أصحابها أعجبوا بها»، لأن هذا القول مخالف أصلا للحوار العلمي.

ولكن، ومن منطلق المنهجية العلمية، طلبت من الدكتور داود أن يسند ما جاء في تعليقه إلى مصدره من مراجع اللغة العربية، ولكن لماذا؟!

لأني اطلعت على أشهرها، وأعلم حجم الخلاف الموجود فيها، فأردت أن آتي له بما يخالف ما جاء في تعليقه، من نفس الباب الذي انتقى منه وجها من الوجوه يوافق عقيدة أئمة السلف في تعريفهم لـ «الحور العين».

إن ما سطره أئمة السلف في أمهات الكتب، عن تعريف «الحور العين»، استنادا إلى مرويات منسوبة إلى النبي، هو الذي يستند إليه الانتحاريون في عملياتهم الإرهابية، وهو السند الشرعي عندهم أنهم من أهل الجنة، وأن «الحور العين» سيكن في شرف استقبالهم على أبوابها!

وبما أننا نتحدث عن «منهجية علمية» في فهم النص ودلالاته، فقد أردت أن أثبت للدكتور داود، أن كل ما جاء به في تعليقه، خارج دلالة النص القرآني، مصدره «مرويات» الرواة، الأمر الذي يستلزم أن يثبت أولا حجية هذه «المرويات» في دين الله، لأنه «دين الله»، وليس دين المفسرين، ولا المحدثين، ولا أصحاب معاجم اللغة العربية.

فإذا بي أجد الدكتور داود يقول:

«وهذا العلم، فأنا أستاذ فيه، يعني أعلم هذا العلم، وأناقش رسائل الماجستير والدكتوراه فيه..، يكفي هذا أم تريد المزيد»؟!

قلت له: وأنا أيضا كنت أناقش رسائل الماجستير والدكتوراه، ولو أن طالبًا من طلاب الدراسات العليا، قال لي إن ما جاء به في رسالته مرجعه أبجديات علمية، وأنا أستاذ فيها..، لأسقط رسالته فورا.

ولكن الغريب أن يعتبر الدكتور داود بعد ذلك، أن المنهجية وأصول الحوار العلمي، من الأمور الشكلية، ويطلب مني أن أدخل في صلب الموضوع، وأترك هذه الشكليات.

ويبدو أن الدكتور داود لا يعلم، أني دخلت في صلب الموضوع وأنهيته، في مقدمة المنشور الأول، وبعد ثلاث فقرات منه، حيث قلت:

«إن كل ما ورد في كتاب الله عن عالم الغيب، هو على سبيل التمثيل والتشبيه، أما الحقيقة فسنعلمها لما نموت، فانت مستعجل ليه يا ذكي، وانتهى الموضوع ونقطة، ومن أول السطر»

ثم قلت بعد ذلك:

«إن ما سأقوله، بعد أن وضعت النقطة، وأنهيت الموضوع، ما هو إلا قراءة للنص القرآني المتعلق بموضوع «الحور العين»، حسب منهجي في فهم القرآن، وما أحمله من وسائل إدراك لا تعمل إلا في «عالم الشهادة»، دفاعا عن المنهجية العلمية في تدبر القرآن».

والآن تعالوا ندخل مرة أخرى في صلب الموضوع، ونرى ماذا أضافت تعليقات الدكتور محمد داود إلى ما ذكرته في المنشورين، الأول والثاني.

أولا: يقوم منهجي في فهم القرآن، على أدوات مستنبطة من ذات القرآن، في مقدمتها «اللسان العربي»، الذي حملته مراجع اللغة العربية، والذي يرشدنا إلى هذا اللسان، وسط ما حملته هذه المراجع من خلافات، هو تفاعل كلمات هذه المعاجم مع السياق القرآني، فالسياق هو الحاكم أولا وأخيرا.

وبعد الاطلاع على الخلافات التي حملتها مراجع اللغة العربية، حول مفهوم «الحور العين»، وبعد النظر في ما تناغم منها مع السياق القرآني، وجدت أن هذا المصطلح كان منتشرًا بين العرب قبل نزول القرآن، وكان يُعبر عن صفات جمالية في المرأة، وقد نزل القرآن يحدث الناس بما عرفوه وأدركوه في «عالم الشهادة».

* فماذا قال الدكتور داود؟!

قال: معني الحور العين لغة: حور جمع حوراء، والحوراء تدل علي بياض الجسد مع الجمال البالغ، وعين، بكسر العين، تدل على العيون الواسعة الجميلة، واللغويون والمفسرون وعلماء العربية فسروا «وزوجناهم بحور عين» أنهم خلق من خلق الله، وهن نساء، ولكنهن غير نساء الدنيا»
والسؤال: ما الذي أضافه الدكتور داود في تعليقه إلى قولي: إن مصطلح الحور العين «يُعبر عن صفات جمالية في المرأة»؟!

ثانيا: عند حديثي عن قوله تعالي: «كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ»، قلت:

«أي كذلك هو نعيم الجنة، الذي أعده الله للمتقين، ومنه أن يقرن الله المتقين بما تقر به أعينهم، وتسعد به قلوبهم، كما تقرن الأزواج من نفس واحدة»

* فماذا قال الدكتور داود؟!

قال: «أما سياق الآيات في سورة الدخان، فهو سياق تعداد النعم، وكلمة «كذلك» في الأسلوب القرآني تعني وبنفس الأسلوب والطريقة من الإنعام والتفضل من الله على أهل الجنة».

والسؤال: ما الذي أضافه الدكتور داود في تعليقه إلى ما سبق أن قلته؟!

* قال الدكتور داود: «والواو في كلمة وزوجناهم للعطف، والعطف يقتضي المغايرة، والفصل بين النعم التي وردت في الآية، وبين وزوجناهم، لإفادة أن هذه نعمة جديدة تضاف الي النعم السابقة»

وأنا قلت عن هذا النعيم: «ومنه أن يقرن الله المتقين بما تقر به أعينهم، وتسعد به قلوبهم…»، أي أن من ألوان النعيم نعمة جديدة هي اقتران «الحور العين» بالأزواج.

ثالثا: لقد خاطب الله في سورة الرحمن الجن والإنس معًا، وهذا يدل على أن الجن محاسبون يوم القيامة على أعمالهم، ثواباً وعقاباً، كالإنس تماما، كلٌ بما يناسب نشأته الجديدة التي سيكون عليها في الآخرة، والتي لا يعلمها إلا الله، وهذه الآيات هي:

١- الآية ٣١: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ»

٢- الآية ٣٣: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ»

٣- الآية ٣٩: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ»

٤- الآية ٥٦: «فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»

٥- الآيات ٧٢-٧٤: «حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»

فإذا أضفنا إلى هذه الآيات قوله تعالى:

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»

وقوله تعالى:

«يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا على أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا على أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ»

علمنا أن الجن، كالإنس تماما، مكلفون بشريعة إلهية، بلغهم بها الرسل، فمنهم من آمن فيدخل الجنة، ومنهم من كفر فيدخل جهنم، وطبعا لا نعلم شيئًا عن حقيقة وطبيعة وكيفية استمتاع الجن أو الإنس بنعيم الجنة.

ولكن، ومن سياق «الآية ٥٦»، و«الآيات ٧٢-٧٤»، نعلم أن من باب الترغيب في نعيم الجنة، بما كان يعرفه العرب ويشتهونه، أن نساء الإنس في الجنة لم يطمثهن «إنس»، ونساء الجن لم يطمثهم «جن»، فكما أن للإنس «حور عين»، فكذلك للجن.

علما أن قوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»، يخاطب فريقين، وقد تكرر عشرات المرات، وبدأ بـ «الآية ١٣» قبل ذكر الجن، ولكنه تخلل سياق الآيات كلها.

لذلك أقول:

إن الله تعالى يستحيل أن يُرغب الناس في نعيم لم تنطبع صورته الذهنية في قلوبهم، وإن كانت على سبيل «المثل»، ولذلك عندما ذكر الله ألوان النعيم في الجنة، جاء بالكلمات التي لها صور ذهنية عند الناس، وإن كانت على سبيل التمثيل والتشبيه.

لقد كان العرب يقولون عن المرأة الجميلة: إنها «حور عين»، فنزل القرآن بما تعارفوا عليه، وكانوا يصفون المرأة المحصنة العفيفة بأنها «مقصورة في الخيام»، فنزل القرآن بما كانوا يحبونه ويشتهونه، وينقل لنا صورة للحياة البدوية، وكيف كان البدو ينظرون إلى النساء.

وعندما قال تعالى: «إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا»، كان العرب يعلمون أن الجعل هو تحول في خصائص الشيء، وأن قوله تعالى: «فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا» يعني أن هذا الشيء الذي أنشأه الله إنشاءً جديدا لم يكن أصلا بكرا، فعلموا أن المقصود نسائهن.

أما عن غير الأزواج، فقد سبق أن قلت في المنشور الأول:

«أما غير الأزواج، إذا دخلوا الجنة، فلا شك أن الله سيجعل لهم ولهن مثل ما للأزواج من ألوان النعيم، وسواء كانوا أزواجًا أو غير أزواج، فإن حقيقة هذه النعم لا يعلمها إلا الله.

فكيف يترك الباحث المسلم المؤمن هذا السياق القرآني، الذي نقل لنا ألوان النعيم بمدركات «عالم الشهادة»، ويذهب إلى مرويات الرواة، يأخذ منها أصول إيمانه؟!

* فماذا قال الدكتور داود؟!

قال: «أما صرف معنى أبكارا التي تخص نساء الدنيا، فهذا لا دليل عليه من النص، لأن إعادة إنشاء نساء الدنيا أبكارا، كواعب أترابا، ليكونوا في منزلة تليق بجمال الجنة، لا يعني أنهن «الحور العين»، والدليل كلمة وزوجناهم، التي تدل علي إنشاء صلة جديدة بالحور العين لم تكن موجودة من قبل، لأن زوجات الدنيا علاقة الزواج بهن سبقت في الدنيا»

وقال: قوله تعالي «لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان»، فيه دلالة صريحة على أن الحور العين لم يسبق لهن علاقة مع ذكر من أنس ولا من جان، وهذا مغاير لزوجات الدنيا».

أقول: لا تعليق

رابعا: وعند الحديث عن الضمير «فيهن»، في قوله تعالى:

«فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»

قلت: «فأراد الله أن يُبيّن تمكن قاصرات الطرف من فرشهن، للدلالة على تغييب أجسامهن في الفُرُش، لأن (بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)، كنايةً عن الترف والراحة».

إذن فأنا أرى أن الضمير يعود إلى الفرش.

* فماذا قال الدكتور داود؟!

قال: «وأما الضمير فيهن فقد جاء جمعا لأنه يعود على جمع يعود على كلمة الفرش أي في هذه الفرش زوجات قاصرات أبصارهن على أزواجهن لا ينظرون إلى غيرهم لم يطأهن إنس قبلهم ولا جان»

وهل أنا قلت بغير ذلك؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى