نحو إسلام الرسول

(530) 29/10/2016 (وسقطت «المنهجية العشوائية» في الهاوية، وبلا عودة)

عندما كنت أحضر مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه، كانت هناك رسائل تُكتب في مجلد واحد، ويحصل صاحبها بامتياز على درجة «الماجستير، أو الدكتوراه» مع مرتبة الشرف الأولى، وأخرى تُكتب في مجلدات، ويحصل صاحبها على تقدير جيد جدا، أو جيد، أو قد ترفض.

إن الدراسات والبحوث العلمية لا تُعرف بالصوت العالي، ولا بحجمها، وإنما بما حملته من منهجية علمية، يتعلمها طالب الدراسات العليا، قبل أن يخط سطرًا واحدًا في بحثه.

وللأسف الشديد، فمعظم الذين يقرؤون القرآن يقرؤونه باعتباره كتابًا إلهيًا، كالكتب التي سبقته، وليس باعتباره كتابًا يحمل نصوص «آية إلهية» تتفاعل مع منظومة العلوم والمعارف التي تتحرك معها على مر العصور.

إن «اللسان العربي»، الذي هو مفتاح الدخول إلى قراءة وفهم القرآن، مصدر معرفي من مصادر «التراث البشري»، الذي حملت مراجعه المكتبة الإسلامية على مر العصور، حتى وصل إلينا اليوم.

إن «اللسان العربي»، الذي هو مفتاح الدخول إلى قراءة وفهم القرآن، الذي قال الله عنه: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ»، «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا»، هو الموجود اليوم في مراجع اللغة العربية بالمكتبة الإسلامية، ولم، ولن، يسقط علينا من السماء.

إن البحث عن معنى الكلمة القرآنية «اسم وفعل وحرف» في مراجع «اللسان العربي»، هذا يعني أننا نتخذ «التراث البشري» مصدرا معرفيًا لفهم القرآن، يتساوى في ذلك القرآنيون، والسلفيون، والداعشيون، وأصحاب القراءات الشاذة للقرآن، فافهم وتدبر، ومثال ذلك:

أنهم عندما خرجوا إلى المكتبة الإسلامية يبحثون في مراجعها عن معنى كلمة «قُرُوء»، في قوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ»، ماذا فعلوا؟!

أولا: قبلوا ما فرضته عليهم آليات البحث في القرآن، وهي من صنع البشر، ومن هذه الآليات ما يسمى بـ «جذر» الكلمة.

ثانيا: إذا كان مفتاح فهم القرآن سيبدأ بالبحث عن «جذر» الكلمة، وهذه مسألة لا يتقنها حتى الذين تخرجوا من أقسام اللغة العربية، فكيف نخدع المسلمين لنُسوّق بينهم القراءات الشاذة للقرآن، ونقول لهم: «إن القرآن لا يُفهم إلا بالقرآن»؟!

ثالثا: بما أن «القرآنيين، والسلفيين، والداعشيين، وأصحاب القراءات الشاذة للقرآن..، سيخرجون جميعًا إلى المكتبة الإسلامية، بحثًا عن معنى الكلمة القرآنية، إذن:

فلنقف هنا، ونبدأ الحوار بالاعتراف بوجود مصدر معرفي يستحيل فهم القرآن دون الاستعانة به، ولتسمه كل طائفة بما شاءت، وتقول عنه ما شاءت أن تقول، ولنعترف بسقوط دعوى «القرآن وكفى» سقوطًا مخزيًا وفاضحًا.

رابعا: ولماذا «القرآن وكفى»، وأصحاب «القراءات الشاذة» بالذات؟!

لأنهم يرفعون أمام الناس راية: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ»، «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا»، ثم في الخفاء يذهبون إلى مراجع «اللسان العربي»، يُقدّمون لأصحابها فروض الطاعة والولاء، وينقلون عنهم تفسيراتهم واجتهاداتهم في فهم القرآن، فكانوا بعملهم هذا أسوأ حالا من السلفيين، لأن السلفيين لم يقولوا «القرآن وكفى»!!

خامسا: وماذا نقول لهؤلاء، عندما نراهم ينقلون من «التراث البشري» ما يخدم وجهات نظرهم، ويتركون وجهات النظر الأخرى؟!

فعلى سبيل المثال:

هناك من جهابذة القراءات الشاذة للقرآن من يرى أن القرآن من «قرأ» أو «من قرن»، وهذا خطأ محض، فلا علاقة بين «قَرَنَ» و«قَرَأَ».

ثم على الجانب الآخر، هناك من ينقل الموضوع من بابه، ويقول:

«والقُرْءُ مِنَ القَرْءِ، وهو الإِيضاح، وإِخراج المكنون، ومنه: القِرَاءَةُ، أي فهم المكتوب، وقد جاءت مشتقات القُرء كالتالي: قُرُوء/ قَرَأَ/ اقْرَأ/ ٱقْرَءُوا۟/ قَرَأت/ قُرْءَان/ قُرْءَانَه/ بِقُرْءَان/ يَقْرَءُون/ نَقْرَؤُه/ لِتَقْرَأَه/ فَقَرَأَه/ سَنُقْرِئُك/ قُرِئَ/ فالتِّلاوة تعنى نطق الكلام، بينما القرآءة تعنى وضوح المضمون، وفهمه، ومنه: القُرْءَان، لكون الأخير كتاب الله المُفَصِّل العربي لأيات الكون، والمُبيِّنُ لأيات الكتاب: كِتَـٰبٌۭ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا لِّقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ … إلى آخر آلاف الكلمات، ومئات الجمل.

إنه لا علاقة للتراث الديني، وما نقله من علوم اللسان العربي، بموضوع «التحدي الأكبر»، الذي ذكرته في منشور سابق، وهو:

«أنه يستحيل، فهم القرآن من ذات القرآن، دون الاستعانة بمصدر معرفي من خارجه»

فإذا كنت أنا قد سميت هذا المصدر الخارجي باسم «منظومة التواصل المعرفي»، فسَمّوه أنتم بما شئتم، بعد أن اعترفتم به، وقدمتم لـ «اللسان العربي» الذي حمله هذا المصدر لكم، فروض الطاعة!!

ولكن عليكم أن تعترفوا، أن دعوى «القرآن وكفى» قد سقطت في الهاوية، وبلا عودة، وأن تعلنوا ذلك للمساكين الذين اتبعوكم بغير علم.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى