طلب مني اليوم الصديق Hazem Malek الرد على تعليق الصديق رضا رامي الذي ذكره تعليقا على المنشور بعنوان: «نموذج للحوار العلمي مع المعارض»، في ١٢ / ١٠ / ٢١٠٦
والحقيقة أنا لم أرد على الصديق رضا لأني لم أجد جديدا يستحق الرد عليه، ومع ذلك أعيد ما ذكرته في المنشور المشار إليه، ولكن بشيء من التفصيل:
الرد على البند «١»:
إن الذي قلته كما ورد في تعليق الصديق رضا رامي هو:
«فهذه الصلاة صلاة قصر، لظروف الحرب»
وفرق كبير بين قولي «لظروف الحرب»، وبين قول الصديق رضا في رده «البند ٢»:
«أن الأية ١٠١ لا علاقة لها بالحرب»
فأنا لم أقل «حرب»، وإنما قلت «ظروف الحرب»
واللافت للنظر، أن هذا الذي قلته شهد على صحته الصديق رضا بقوله بعد ذلك:
«وإنما علاقتها بالمُستضعفين، الذين تضطرهم (ظروفهم) للضرب فى أرض يصيطر عليها الكافرون».
هذا صحيح، وأنا أرى أن ظروف حرب الكافرين، لا تقل قلقا وخوفا عن الظروف التي يواجهها «المستضعفون» في الأرض من الكافرين، وعلى هذا أساس اعتبرت أن سياق الآيتين «١٠١، و١٠٢» سياق واحد
ثم من أين أتيت بقولك: «فى أرض يصيطر عليها الكافرون»؟!
أخرج لنا من فضلك هذه الآية التي فهمت منها، أن الآية التي تحدثت عن المستضعفين، ذكرت أن استضعافهم كان بسبب صيطرة الكافرين على الأرض؟!
أما إذا كنت فهمت، أن قوله تعالى: « إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا » يعني أن المستضعفين يعيشون في دولة يصيطر عليها الذين كفروا، فهذا الفهم لا علاقة له بسياق الآية التي تبدأ بقوله تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ»
فمن أين جئت أن المستضعفين هم الذين ضربوا في الأرض؟!
ثم هل تعلم أن الضرب في الأرض يعني مساحة مكانية وزمانية قد تستغرق وقتها أسبوعا؟!
ثم هل تعلم أن هناك «قاطعين للطرق» كانوا دائما يهددون الضاربين في الأرض؟!
الرد على الطرح الأول:
أنا عندما قلت إن الآيات كلها «من الآية ٩٧ إلى الآية ١٠٢»، تدور حول موضوع واحد، كنت أعني بهذا الموضوع «الخوف»، ومن ذلك طبعا «ظروف الحرب»
و«ظروف الحرب» هي المسيطرة على سياق الآيات التي ذكرتها، بل ومن قبل الآية ٩٧، فتعالوا نبين كيف هيمنت ظروف الحرب، وأن معنى الضرب في الأرض الذي ورد في سياق هذه الآيات يعني القتال في سبيل الله، فيقول الله تعالى:
١- «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً … الآية ٩٢»»
٢- « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا … الآية ٩٣»
٣- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً … الآية ٩٤»
٤- «لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ … دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. الآيتان ٩٥ – ٩٦»
٥- « إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ… الآية ٩٧»
٦- « إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ … الآيتان ٩٨ – ٩٩»
٧- « وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ … الآية ١٠٠»
٨- «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً. الآية ١٠١»
٩- «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ … الآية ١٠٢»
١٠- «فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً … الآية ١٠٣»
١١- «وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً. الآية ١٠٤»
فإذا تدبرنا الآية «١٠٤» وجدناها تستكمل السياق الذي بدأ من الآية «٩٢»، والذي يتحدث عن أحكام القتال في سبيل الله، ودعاوى الاستضعاف التي كان يرفعها المنافقون للهروب من القتال، ومتى يكون الاستضعاف مشروعًا: « إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ..»
وإذا تدبرنا قوله تعالى في الآية «١٠٢»: «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ»، وعلاقته بالآية التي قبلها: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ»، فإن علم السياق يفرض علينا فهمًا واحدًا: «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ»، في حالة «إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ».
هذا هو سياق الآيات، فتدبروه جيدا، لتعلموا ما ورد فيه من أحكام:
أحكام القتل الخطأ والمتعمد، أحكام الضرب في سبيل الله «والمقصود به القتال»، الفرق بين القاعدين والمجاهدين، أحكام الذين تهربوا من القتال بدعوى الاستضعاف.
ثم أحكام الهجرة، والضرب في سبيل الله، وقصر الصلاة في حالة الخوف من فتنة الذين كفروا، ثم كيفية صلاة الخوف في حالة وجود النبي مع المقاتلين، وأخيرا بيان أن الفريقين المتحاربين كلٌ يخشى بأس الآخر:
« إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ »
أما باقي ما ذكره الصديق رضا رامي، فقد قام على أساس غير صحيح، وما استدل به من آيات استدلال ليس في مكانه، لذلك سأترك للأصدقاء الاطلاع على ما ذكره، وتدبره في ضوء ما ذكرته سابقا.
محمد السعيد مشتهري