نحو إسلام الرسول

(523) 17/10/2016 (عالمية الرسالة الإلهية الخاتمة)

لماذا لم يصل المسلمون إلى العالمية، وهم يحملون الرسالة الإلهية التي حملت في ذاتها الآية الدالة على صدق من أنزلها، وصدق من بلغها؟!

هناك من يقول إن السبب: قراءة المسلمين للقرآن قراءة سلفية، والقرآن يجب أن يُقرأ قراءة عصرية.

وهناك من يقول إن السبب: أن المسلمين يقرؤون القرآن بلسان غير الذي نزل به، والقرآن يجب أن يُقرأ باللسان العربي.

وآخرون يقولون أقوالًا لا محل لها من الإعراب.

واللافت للنظر، أن معظم هذه الآراء تتحرك كلها داخل « عالم الأفكار »، أو إن صح التعبير داخل عالم « الترف الفكري »، الذي لا علاقة له بواقع المسلمين، المتخلف عن ركب الحضارة منذ قرون مضت.

إن لكل عصر قراءته المعاصرة، ثم بعد موت أصحابها تصبح هذه القراءات تراثًا فكريًا، ويظل المسلمون على تخلفهم وتفرقهم وتخاصمهم، وهم يحملون كتاب الله، ويقولون: « سيُغْفَرُ لَنَا »!

فتدبر جيدا قول الله تعالى:

« فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ ، يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ، وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ، أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ ، أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ، وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ »؟!

أولا:

إن الأمم « لم » و« لن » تتقدم للّحاق بركب الحضارة، بتأليف الكتب، والقاء الخطب..، وإنما بتحويل ما يُكتب، وما يُسمع، إلى عمل، الأمر الذي لا يتحقق إلا بجهود أفرادها وتضحياتهم، من أجل أن تكون أمتهم خير الأمم، وخير شاهد على ذلك « كوكب اليابان ».

ثانيا:

إن الذين يتصورون أن المسلمين يمكنهم في يوم من الأيام، أن يصلوا إلى العالمية، دون مجتمع إيماني، يعمل الصالحات، ويقوم على تفعيل القرآن في واقع الحياة، هؤلاء لم يتدبروا القرآن.

فها هم المسلمون يقرؤون كتاب الله ليل نهار، وعندهم المئات من أمهات كتب التفسير، ومثلها دراسات قرآنية، ومنشوراتهم تملأ شبكات التواصل الاجتماعي، ومع ذلك لم يصلوا إلى العالمية، بل وينحرفون يوما بعد يوم عن صراط ربهم المستقيم!

ثالثا:

إن التطرف الديني، الذي حمله تراث التخاصم والتكفير، وفتاوى الإفساد في الأرض، يعيش بين المسلمين منذ قرون مضت، ولم يشعر به أحد، فقد كان مختفيًا في بطون أمهات الكتب!!

ولكن، عندما جاء من لهم مصلحة في إخراجه إلى أرض الواقع، أخرجوه من بطون الكتب، وقاموا بتفعيله في حياة الناس، فشعر بهم العالم، وأصبحوا يهددون أقوى الدول، حتى وصلوا إليها في عقر دارها.

والآن أصبحوا « دويلة »، لها شعب، وأرض، وشريعة تحكم بها، وأصبحت وسائل الإعلام تتحدث عنهم باسم « تنظيم الدولة الإسلامية ».

رابعا:

إن « الإسلام » ليس مشروعًا فكريًا، و« القرآن » ليس أكاديمية للبحث العلمي، ولم يرسل الله رسوله محمدًا ليعطي كل من أراد الدخول في الإسلام نسخة من القرآن، ويقول له: « عيش حياتك » مع نفسك!

لقد أنزل الله تعالى القرآن ليقيم مجتمع « الذين آمنوا وعملوا الصالحات »، وكل من يعتقد، أن الله أنزل القرآن ليقيمه كل مسلم مع نفسه، دون حاجة إلى مجتمع إيماني يعيش بداخله، ويتفاعل مع أفراده، فهو لا يعلم شيئًا عن القرآن الذي يحمله.

وأقول لهؤلاء الذين اتخذوا إلههم هواهم:

من هم الذين سيقيمون الشهادة على الناس، كما أقام الرسول الشهادة على قومه، فقال تعالى:

« وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا »؟!

فهل أقام الرسول الشهادة على المعاصرين له، من خلال أمة ومجتمع إيماني، أم ترك كل مسلم يقيمها « على مزاجه »؟!

إذن فعندما يأمر الله المسلمين أن يكونوا شهداء على الناس، فهل يُعقل أن يقيموا هذه الشهادة، من غير أمة يتحركون من خلالها؟!

خامسا:

وهل عندما أمر الله المسلمين أن يُخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فقال تعالى:

« الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »

فهل أخرج الرسول الناس من الظلمات إلى النور، من خلال أمة ومجتمع « الإيمان والعمل الصالح »، الذي كان يتحرك به بين الناس، أم ترك كل واحد من المسلمين يقيم الشهادة « على مزاجه »؟!

إن إخرج الناس من الظلمات إلى النور، يستحيل أن يتحقق بـ « الكلام »، لأن القضية إذا كانت قضية كلام، فلماذا لم يخرج المسلمون أنفسهم من الظلمات إلى النور بـ « كلام الله »؟!

سادسا: وهل عندما اشتكى الرسول لربه من قومه، الذين اتخذوا « القرآن » مهجورا، فقال تعالى:

« وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا »

فهل كانت شكواه بسبب هجر قومه تلاوة القرآن وفهمه، أم بسبب عدم تفعيلهم للقرآن في حياتهم؟!

وهنا تأتي أهمية علم « البيان »، وبلاغة فعل « اتَّخَذُوا »، الذي يُبين أنهم كانوا يحملون القرآن، يدرسونه ويفهمونه، فكيف يتخذوه مهجورا، إلا إذا كان المقصود أنهم بعد أن حملوه، ودرسوه، وتبركوا به، لم يقوموا بتفعيله في حياتهم؟!

إذن فما الفرق، بين قوم الرسول، الذين اتخذوا القرآن ترفًا فكريًا، ولم يقوموا بتفعيله في حياتهم، وبين المسلمين اليوم؟!

لقد هدم المسلمون بأيديهم أمتهم، ولم يعملوا على إقامة الدين الذي ارتضاه الله لهم، ولا على إقامة مجتمع « الإيمان والعمل الصالح »، الذي هو طوق نجاتهم اليوم، فأظلمت قلوبهم، وتوقفت آليات عملها، « آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه..».

لقد ظل السلفيون قرونا يحلمون بإقامة « الخلافة الإسلامية »، وهناك اليوم من يحلمون بوصول قراءاتهم المعاصرة للقرآن إلى العالمية.

والسؤال: لماذا جنى السلفيون بعض ثمار ما كانوا يحلمون به، وأصبح لهم وزن وقيمة يُعمل لها ألف حساب، ولم يجن أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة إلا المعجبين؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى