أولا:
لقد بدأ الدكتور المهندس محمد شحرور، الفصل الثاني « السنة »، من الباب الثالث، من كتابه « الكتاب والقرآن قراءة معاصرة »، بقوله:
« لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا »
ثم بيّن كيف نتخذ الرسول أسوة حسنة، واستدل على ذلك برواية من مرويات فرقة أهل السنة والجماعة، وهي:
« تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله »
ثم ذكر مصدر هذه الرواية، مسبوقا بقوله: « حديث شريف » أخرجه الموطأ، يقصد مالك بن أنس في الموطأ، ولم يذكر كلمة « بلاغًا » التي وردت بعد التخريج، أي أن هناك من بلّغ مالك هذه الرواية!!
فإذا ذهبنا إلى أئمة الحديث، لفرقة أهل السنة، وجدناهم يقولون عن رواية مالك بن أنس في الموطأ، إنها جاءت في باب النهى عن القول بالقدر، « بلاغًا »، وهذا يعتبر انقطاعًا يُضعف الرواية، فهل يعلم الدكتور المهندس محمد شحرور هذه المعلومة؟!
وهل يعلم أن هناك رواية أخرى، رواها الترمذي، تقول: « إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي »، وأن هذه الرواية يستند إليها الشيعة في إثبات حجية مروياتهم، وقال الترمذي عن هذه الرواية: هذا حديث حسن غريب.
وبمقارنة الروايتين، نجد أن العامل المشترك بينهما هو « كتاب الله »، فأضاف إليه أهل السنة « وسنتي »، وأضاف إليه الشيعة « وعترتي أهل بيتي »، ثم اخترقت رواية الشيعة مرويات أهل السنة، على حين غفلة من محدثيها، فلما استيقظوا ضعّفوها!!
ثانيا:
ولكن ماذا يقصد د. شحرور بقوله عن رواية مالك: « حديث شريف »، وهو يرفض أصلا استخدام كلمة « حديث »، حيث قال عند تحديده مفاهيم المصطلحات التي يستخدمها، في سياق حديثه عن القرآن والسبع المثاني:
مع العلم بأن أسس التشريع الإسلامي هي الكتاب والسنة، وهذا صحيح، ولكن ليس الكتاب والحديث »؟!
وإذا كان د. شحرور لا يعترف إلا بـ « الكتاب والسنة »، ولا يعترف بـ « الكتاب والحديث »، فلماذا لم يُبيّن لنا الفرق بين « كتب الحديث »، و« كتب السنة »، وأين نجد كلا منهما، خاصة وأنه يتحدث في أهم فصل، وهو « تحديد المصطلحات »؟!
وإذا كان الدكتور المهندس محمد شحرور، يحمل مشروعًا تنويريا يقوم على قراءة القرآن قراءة معاصرة، فهل الذين يؤمنون بهذا القرآن هم فرقة أهل السنة فقط، ولذلك اتخذ أمهات كتبها مرجعًا، باعتبارها « الفرقة الناجية »؟!
أم أن المسلمين جميعا، بعد « الفتن الكبرى »، قد تفرقوا إلى فرق ومذاهب عقدية مختلفة، وكان يجب على د. شحرور ألا يُعطي ظهره لمرجعيات هذه الفرق، إلا إذا كان يعتبرها غير إسلامية، وهذه من بدهيات البحث العلمي؟!
ثالثا:
لقد حدد د. شحرور مفهوم المصطلحات التي يستخدمها، فقال:
١- الكتاب والسنة: هما « الرسالة »، واستند في ذلك إلى رواية:
« ألا أني أوتيت هذا ( الكتاب ) ومثله معه »، وذكر مصدرها، ولم يشر في هذا السياق عن تخريج هذه الرواية ودرجتها، ولا يفعل ذلك مطلقا من له دراية بأبجديات كتابة البحث العلمي، خاصة وأنه يتحدث عن تعريف المصطلحات!!
٢- القرآن والسبع المثاني: هما « النبوة »، واستند في ذلك إلى رواية « أوتيت ( القرآن ) ومثله معه »
ثم قال: مع العلم بأن أسس التشريع الإسلامي هي « الكتاب والسنة » وهذا صحيح، ولكن ليس « الكتاب والحديث».
تدبر:
١- الكتاب والسنة = الرسالة: استنادًا إلى رواية
٢- القرآن والسبع المثاني = النبوة: استنادًا إلى رواية
ثم قال: وإذا كان الأمر كذلك فما هو تعريف السنة، لنضع الآن تعريفا معاصرا للسنة، ثم إذا به يتخذ المرويات سندا له في تعريفه المعاصر للسنة، فيقول تحت عنوان: « الطاعة المستقلة »:
« وهكذا نفهم أن السنة النبوية هي اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق أحكام الكتاب، من حدود وعبادات وأخلاق، آخذا بعين الاعتبار العالم الموضوعي الذي يعيش فيه متحركا بين الحدود، وواقفا عليها أحيانا، ووضع حدود مرحلية للأمور التي لم ترد في الكتاب »
ثم قال: وفي هذا كان للرسول الأسوة الحسنة لنا إلى يوم الدين، بالحنف ضمن حدود الله، وفي وضع حدود حنيفية لبقية الأمور، وفي هذا قال: « ألا أني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه »!!
والسؤال: كيف يكون للرسول الأسوة الحسنة لنا إلى يوم الدين، استنادا إلى رواية « ألا أني أوتيت هذا الكتاب ( أو القرآن ) ومثله معه »، إلا باتخاذ مرويات الفرق، في الحالتين، مرجعا في دين الله؟!
رابعا:
إن د. شحرور يعتقد أن الله تعالى أنزل على رسوله وحيين، بنصين مختلفين:
١- نص « الكتاب »، الذي تعهد الله بحفظه.
٢- نص « السنة »، « ومثله معه »: وهي المرويات التي نقلها رواة الفرق والمذاهب المختلفة،
وحفظها المحدثون بتدوينها في الكتب.
والسؤال: إن المصدر الثاني للتشريع، عند جميع الفرق والمذاهب المختلفة، هو الذي حمل لأتباعها ما يُسمى بـ « السنة »، أو بـ « الأحاديث »، وهذا المصدر له أهله ورجاله الذين يستحيل كتابة رواية من الروايات، أو الاستدلال بها، دون الرجوع إليهم.
فكيف يقتحم د. شحرور بيتا من العلم « له أهله »، دون أن يلتزم بشروط أهل البيت، بل ويبتدع فيه بدعًا لم يحدث أن قال أهل البيت بها، مخالفا بذلك أصول البحث العلمي؟!
ما الذي جعل د. شحرور يقترب من هذا البيت أصلا؟! هل يؤمن بحجية المصدر الثاني للتشريع في دين الله، لذلك ذهب إلى أهل هذا البيت يأخذ منهم المرويات التي تنفعه في تحديد المصطلحات المستخدمة في مؤلفاته؟!
وإذا كان لا يؤمن بحجية المصدر الثاني للتشريع في دين الله، فلماذا يقترب من هذا البيت أصلا، وهو المفكر المستنير، صاحب القراءة المعاصرة للقرآن، إلا إذا كان يريد أن يُمسك العصا من المنتصف، فيستطيع بذلك أن يُجَمّع حوله كل الذين يؤمنون بحجية مرويات السنة!!
إن الذي يؤمن أن الله أنزل على رسوله الكتاب « والقرآن »، ومثلهما معهما، ولم ير بعينه « المثلين »، ولم يقف بنفسه على حفظ الله لهما، ومات على ذلك، مات مشركًا، لقوله تعالى مخاطبًا رسوله والذين آمنوا معه:
« وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ».
إن على الذين يؤمنون بحجية رواية « ألا أني أوتيت هذا الكتاب ( أو القرآن ) ومثله معه » أن يتوبوا فورا، وأن يقيموا إيمانه وإسلامه على « الوحدانية »، فالبشر مهما بلغوا من التقوى والصلاح، لا يُستأمنون على حفظ دين الله تعالى، وخير شاهد على ذلك ما حدث للكتب الإلهية السابقة، من تحريف وتبديل وتغيير.
فعن أي منهج علمي يتحدثون، وعن أي قراءة معاصرة يُعجبون، وعن أي جهد جبار سيُخرج الدين الإسلامي إلى العالمية يفرحون، وهم يحملون دينًا ما أنزل الله به من سلطان، وجد انتشارًا واسعًا، وإعجابًا يمثل ظاهرة خطيرة، لأنه اتخذ إلهه هواه!!
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ »
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ »
وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ »
وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً »
فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ »
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ »
محمد السعيد مشتهري