نحو إسلام الرسول

(518) 12/10/2016 (نموذج لـ «الحوار العلمي» مع المعارض)

لقد طلبت كثيرًا من الأصدقاء، الذين ينتمون إلى حزب المعارضين، أن يتبعوا منهج «الحوار العلمي» في الحوار، عند نقدهم، أو نقضهم، لما أنشره على هذه الصفحة، ولكن للأسف دون جدوى.

ولكن الصديق « Redaa Ramy » فتح باب الأمل، في أن يكون هناك حوار علمي، تقابل فيه الحجة بالحجة، ويقابل فيه البرهان بالبرهان، فالحقيقة أشكره على ذلك.

أولا: كنت قد ذكرت في تعليق سابق، على المنشور « هل كان الرسول متبعا لملة إبراهيم حنيفا؟!» ما يلي:

« السياق يبدأ بقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن ( تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ) إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا. فهذه الصلاة ( صلاة قصر )، لظروف الحرب، وقد تكون ركعة أو اثنين حسب طبيعة الموقف، والرسول بصفته الدينية والقيادية يقوم بإمامة كل طائفة ».

* فقال، تعليقا على الفقرة السابقة:

« وهذا خلط وجهل بيّن، لا يفعله إلاَّ أصحاب القرآءات الأبوية السلفية للقرءان، وسأضطر إلى تصويبه لك، لعلّك تنتبه فيما بعد، وتتعلم شيئًا ممن تصفهم بأصحاب القرآءات الشَّاذة.

* ثم قال:

١- الأية التى يقول الله تعالى فيها: « وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ » هى الآية رقم ١٠١ من سورة النساء، وهى لا علاقة لها بالحرب أو بظروف الحرب التى توهمتها من قريب أو بعيد. وإنّما ستتناول صلاة الحرب الآية التى تليها « ١٠٢».

٢- وإنّما الأية هُنا تتحدث عن الذين يُسافرون فى ربوع الأرض لأسباب مُختلفة (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ)، فُتلقى بهم السُبل إلى بلاد يُهيمن عليها الكُفار، فعليهم أن يُقصروا من صلاتهم، ومن ثمّ فإن قولك: « فهذه الصلاة ( صلاة قصر )، لظروف الحرب »، هو أول وهم وخطأ فى تعليقك القصير.

* أقول:

جزاك الله خيرا، أن بيّنت لي جهلي بانفصال الآيتين عن بعضهما، وأن الآية الأولى، التي تحمل رقم « ١٠١ »، غير الثانية التي تحمل رقم « ١٠٢ »، فأشكرك على هذه المعلومة القيمة.

علما بأني كفرت، بالقرآءات الأبوية السلفية للقرءان، ولغير القرآن، منذ ثلاثة عقود، ولكنك لا تعلم!!
والسؤال: ماذا تعمل « واو » العطف بين الآيتين، وما هي أهميتها؟!

لا ترهق نفسك، فأنا سأجيبك، فأقول:

أولا: « واو » العطف، التي جاءت في أول الآية « ١٠٢ »: « وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ »، جاءت وسط منظومة من الآيات تتحدث عن موضوع واحد، وهو:

الضرب في الأرض، سواء كان للهجرة، أو للجهاد في سبيل الله، أو لابتغاء فضل الله، وما إذا كان سيصاحب ذلك خوف من فتنة الذين كفروا.

ويبدأ سياق هذه الآيات من الآية « ٩٧ »، وينتهي عند الآية « ١٠٢ ».

وجاءت الآية « ١٠٠ » معطوفة على موضوع ما قبلها بـ « واو العطف »، فقال تعالى:

وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً… الآية».

ثم جاءت الآية « ١٠١ » معطوفة على موضوع ما قبلها بـ « واو العطف »، فقال تعالى:

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا… الآية».

والضرب في الأرض، حسب ما ورد في السياق القرآني، ولسان العرب مادة « ضرب »، يعني:

« الخروج في الأرض تاجرا أو غازيا »، وهذا ما بيّنه السياق القرآن في قوله تعالى:

« عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ:

١- يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ

٢- وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله

ويؤيد أن القتال في سبيل الله من الضرب في الأرض، قوله تعالى:

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا .. الآية »

وفي الحالتين، يمكن للضاربين في الأرض أن يقصروا من الصلاة بشرط:

« إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا »

ثم جاءت الآية « ١٠٢ » معطوفة على موضوع ما قبلها بـ « واو العطف »، فقال تعالى:

« وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ … الآية »

فقوله تعالى: « وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ »، والخطاب للنبي، يبيّن له فيه تفاصيل وأحكام الحالة الثانية من الضرب في الأرض، وهي حالة القتال في سبيل الله، وما يصاحبها من قلق وخوف، ويقول له: فلتكن صلاتك على النحو التالي:

« فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ، وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَإِذَا سَجَدُوا … الآية »

إن قوله تعالى: « فَإِذَا سَجَدُوا »، يبين أنهم كانوا على هيئة ثم سجدوا، وهذه الهيئة هي هيئة الصلاة التي يؤديها المسلمون جميعاً، وتعلموها بالتقليد والمحاكاة، جيلا عن جيل، عبر «منظومة التواصل المعرفي – الأممية »، وليس عن طريق « التواتر العملي – المذهبي ».

* قال:

٣- أيضًا فقولك فى مسألة القصر يدل على جهلك بمُرادِ الله فى الأية، ولذا وجدتك تقول: « وقد تكون ركعة أو اثنين حسب طبيعة الموقف ». فقولك بالأوأوة (أو) يُظهر أنّك لم تحسم أمرك بعد، ولكننى أزيدك من الشعر بيتًا، وأقول لك: أن كلا الاحتمالين الذين طرحتهما خطأ. فلماذا؟!

* وقبل أن يجيب الصديق على سؤاله « لماذا؟! »، أقول له:

إن الله تعالى قال: « أَن تَقْصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ »، ولم يُبين لنا في القرآن شيئًا عن كيف تؤدى هذه الصلاة، إلا قوله تعالى: « فَإِذَا سَجَدُوا »، ومنه علمنا أن المقصود هو هيئة الصلاة المعروفة للمسلمين جميعًا، ولكن من أين نعلم هل كان السجود سجودا واحدا أم أكثر؟!

لذلك قلت: « وقد تكون ركعة أو اثنين حسب طبيعة الموقف »، أي حسب ظروف المعركة، وحسب ما أعلمه عن عدد ركعات الصلاة، الذي وصلنا عبر « منظومة التواصل المعرفي »، أي حسب مشروعي الفكري.

فكان الواجب على الصديق « رضا رامي »، أن يتعرف أولا على مشروعي الفكري، وعلى أدوات فهمي للقرآن، التي ألزمت بها نفسي، ثم يناقشني في هذه الأدوات، فإذا أسقطها، أسقط مشروعي كله.

* قال:

٤- نبدأ بتدبر قوله تعالى: « فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ ».

وواضح من الأية أنّ الخوف راجع للفتنة وليس القتال، وبينهما فرق عند المؤمن بالقُرءان وحده ممن تسميهم بأصحاب القرآءات الشّاذّة، وذاك كونه يعلم من ربّه أن كتابه من الدّقّة بمكان بحيث تتحدد فيه المعانى بدقّة وإحكام، ولا ينبنى عنده على معارف الأبآء كما تدعوا له.

فالفتنة هُنا تعنى وجود فاتن يتمتّع بالصيطرة، والطرف الأخر « وهم المؤمنون هنا » أغراب وضُعفآء، ويُخالفون الكُفار المصيطرين، ولا يسيرون على هواهم، فتقع الفتنة من المُصيطر على الضعيف لفتنته عن مسلكه.

* أقول:

إن الله تعالى قال: « وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا »

إذن فتنة الذين كفروا للمسلمين، التي رخصت لهم بقصر الصلاة، فتنة عامة، في أحوال الضرب في الأرض كلها، وليس فقط في حالة القتال.

ولكن واو العطف التي صاحبت الآية « ١٠٢ »، هي التي فهمنا منها أن المقصود هو الحالة الثانية من الضرب في الأرض، وهي القتال في سبيل الله، كما سبق بيانه.

ثم إن تعريفك للفتنة يعلمه معظم الناس، والدنيا كلها فتنة لأنها هي المصيطرة على معظمنا، ولكن ما علاقة هذا بموضوعنا؟!

* قال:

٥- ومن هُنا جآء القصر لتحاشى الفتنة، وهذا لا يكون بتخفيض الركعات (!!!) كما قلت بغير علم.

* أقول:

طبعا أكيد جاء القصر لتحاشي الفتنة، والفتنة في الآية « ١٠٢ »، هي المعركة الدائرة، والتي قال الله فيها للمقاتلين المسلمين:

« وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً … وَخُذُوا حِذْرَكُمْ … إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا »

* قال:

٦- كذلك فالمؤمن بالقرءان وحده يعلم أنّه يلزمه ترتيل الكتاب حتّى يصل لكامل الحدّ، ومن ثمّ فسيبحث فى كتاب ربّه عن كيفية القصر، وسيجدها بيُسر فى قول الله تعالى من سورة البقرة:

« حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ‌ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ ﴿٢٣٨﴾ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًۭا فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا۟ تَعْلَمُونَ ﴿٢٣٩﴾ ».

ولاحظ أيها الفقيه وجود الخوف والصلاة فى كلتا الأيتين: ١٠١، من سورة النسآء، و٢٣٩ من سورة البقرة!!

وبالتالى فعلى من يخاف إن أظهر صلاته وهو فى بلاد يُصيطر عليها الكافرين فعليه أن يقصر من هيئتها، فتكون بلا قيام ولا سجود كما فى بقية الصلوات (بما فيها صلاة الحرب)، وإنّما يُؤديها وهو راجل أو راكب دون أن يُلاحظه أحد، وتكون بقلبه وبما يريد أن يدعوا ربّه به أو يُسبحه أو يُعظّمه بلا تنبيه للعدوّ الكافر.

* أقول:

هناك علم يسمى بعلم « السياق القرآني »، يستحيل فهم القرآن، واستنباط أحكامه دون الاستعانة به.
فسياق الآية « ١٠٢ » من سورة النساء، يتحدث حالة « الخوف » التي تفرضها ظروف المعارك الحربية، وقد أمر الله رسوله أن تقام الصلاة في وقتها « جماعة »، بالهيئة التي يعرفها المسلمون اليوم، بدلالة قوله تعالى: « فإذا سجدوا ».

أما سياق الآية « ٢٩٣ » من سورة البقرة، فيتحدث عن وجوب المحافظة على أداء الصلوات في مواقيتها، ولكن بهيئة بيّنها الله بالتفصيل: « فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًۭا »، وذلك في حالة « الخوف ».

ولم يُقيد السياق هذا الخوف بشيء، كما قيده في الآية « ١٠١ » من سورة النساء، فقال تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا »، وهذا معناه: « إن خفتم من أي شيء ».

ومن الخطأ أن تقول: « فعليه أن يقصر من هيئتها، فتكون بلا قيام ولا سجود كما فى بقية الصلوات (بما فيها صلاة الحرب)!!

فأين نذهب بقوله تعالى: « فَإِذَا سَجَدُوا »؟!

* قال:

٧- وبالتالى فلا علاقة للرسول بصلاة الخوف على الإطلاق، وحدّها مُستمرّ ومُلزم للمؤمنين (بالقُرءان وحده) حتّى يُغادروا الحياة.

كل هذا الجهل وجدناه فى الكلمات القلآئل التى علقت بها، فما بالك بما سنستخرجه من بلايا من مقال كامل؟!

أتمنى أن تُغيّر ما بنفسك لتُدرك ولو شيئًا يسيرًا مما فاتك خلال رحلتك لدعوة الناس للمنظومة الأبآئية.

* أقول:

أهلا بك وسهلا في أي وقت، وفي انتظار ما ستخرجه لنا من بلايا من « مقالاتي ومنشوراتي » الموجودة على هذه الصفحة.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى