أزمة « اللام » في « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ »
يسأل الصديق Ibn Ghassan عن معنى « اللام »، التي وردت في كلمة « لدلوك »، في قوله تعالى: « أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ »
فهو يرى، ويُصر على رأيه، أن هذه اللام كاللام في قوله تعالى: « إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي »
فهو يرى أن اللام في « لِذِكْرِي » ، كاللام في « لِدُلُوكِ »، فيقول:
« ويبقى في الأخير القول بأن ( لام دلوك ) تعني ذات معنى ومدلول لام ( لذكري ) خصوصاً وأن السياق متطابق ( وأقم الصلاة لدلوك الشمس…) (… وأقم الصلاة لذكري). فإذا كانت في ( لذكري ) غاية، أي أن إقامة الصلاة الغاية منها ذكر الله تعالى، فما هي الغاية منها في ( لدلوك الشمس )؟! »
وللإجابة على سؤاله، نحتاج إلى الرجوع إلى علم « اللسان العربي »، لنقف على استخدامات حرف « اللام »، في السياق القرآني، وهذا حرف واحد من حروف القرآن.
لذلك أرجو من الذين يظنون أن القرآن يمكن أن يُفهم دون الاستعانة بعلم « اللسان العربي » أن يتدبروا جيدا هذا المنشور، الذي لم يأت إلا بما هو موجود في مراجع « اللسان العربي » على شبكة الإنترنت.
تنقسم اللام من حيث العمل إلى قسمين: عاملة وغير عاملة
وأضرب مثالا على اللام العاملة، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
١- العاملة للجر ٢- العاملة للنصب ٣- العاملة للجزم
وهناك آلاف الأمثلة على ذلك في القرآن، منها:
* اللام الجارة للأسماء والضمائر ومعانيها، ومنها:
* لام الاستحقاق، ولام الاختصاص، ومنها: « الْحَمْدُ لِلَّهِ »، و« وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ »
* لام الملك، ومنها: « لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ »
* لام التعليل والسببية، ومنها: « إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ »
* اللام بمعنى «إلى»، وانتهاء الغاية، ومنها: « سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ »، ويبينها: « فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ »، وقوله تعالى: « كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى »
* لام الصيرورة، والتي تدل على أن ما بعدها يكون عاقبة لما قبلها ونتيجة له، ومنها:
« فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا »
فيستحيل أن يلتقطوه ليكون لهم عدوا، وإنما التقطوه فكانت العاقبة ذلك، فكيف نفهم هذا الأسلوب دون تعلم « اللسان العربي »؟!
* اللام بمعنى «على»، ومنها: « وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا »، ويبينه قوله تعالى: « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ »
* اللام بمعنى «الوقت»، والسياق هو الذي يحدد دلالته: ماضي، حاضر، مستقبل، ومنها:
« أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ »
فهل « لِدُلُوكِ » تعني قبل دلوك الشمس « في الماضي »، أم عند دلوكها « في الحاضر »، أم بعد دلوكها « في المستقبل »؟!
ومع جميع هذه الأزمنة، وبصرف النظر عن هل « إِلَى »، في قوله تعالى: « إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ » تعبر عن مساحة زمنية، أم عن غاية واتجاه، فإن السؤال الذي لم يجب عليه أحد حتى الآن من الأصدقاء المخالفين:
ما هو « اسم الصلاة »، التي يجب علينا أن نصليها « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ »، استجابة لأمر الله الوارد في آية سورة هود؟!
وما هو « اسم صلاة » الطرف الأول، و « اسم صلاة » الطرف الثاني، التي يجب علينا أن نصليهما، استجابة لأمر الله الوارد في آية سورة الإسراء: « وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ »؟!
أما عن رأي الصديق ابن غسان: « فإذا كانت في ( لذكري ) غاية، أي أن إقامة الصلاة الغاية منها ذكر الله تعالى، فما هي الغاية منها في ( لدلوك الشمس )؟! »
فحسب ما بينته سابقا، فإن « اللام » في « لِذِكْرِي » ليست لام « الغاية » كما ذكر الصديق، وإنما تعني:
١- « لام التّعليل »، أي أن علة الصلاة، أو الهدف منها، هو ذكر الله « لِذِكْرِي »
٢- « لام التوقيت »، أي أقم الصلاة عند الوقت الذي جعلتُه « لِذِكْرِي »
واللسان العربي يحمل المعنيين
فإذا كانت مواقيت الصلوات التي أمرنا الله بإقامتها لا تحتاج إلى منهج علمي للوقوف عليها، ولا إلى علم الفلك، ولا إلى علم اللسان العربي، ولا إلى « منظومة التواصل المعرفي »، فلماذا إذن لم يجب على سؤالي أحد من الأصدقاء المخالفين؟!
وأعيد السؤال:
ما « اسم الصلاة » التي يجب علينا أن نصليها « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ »، استجابة لأمر الله الوارد في آية سورة هود؟!
وما اسم صلاة « الطرف الأول »، وصلاة « الطرف الثاني »، اللتان يجب علينا أن نقيمهما، استجابة لأمر الله الوارد في آية سورة الإسراء: « وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ »؟!
والجواب على السؤال مقدما:
يستحيل أن يأتوا من كتاب الله بجواب على هذا السؤال
وإنا لمنتظرون
محمد السعيد مشتهري