نحو إسلام الرسول

(510) 30/9/2016 (الإحسان إلى الوالدين تربية )

لقد جاء الأمر المؤكد بالإحسان إلى الوالدين، مباشرة بعد النهي عن الشرك بالله:

« وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »

فلماذا نخاف على أولادنا من الشرك، ولا نخاف عليهم من عقوق الوالدين؟!

قد يصل الوالدان إِلى مرحلة لا يستطيعان فيها الحركة إلا بصعوبة شديدة، ولا يستطيعان الاغتسال والتطهر، وهنا يبدأ الإِختبار الحقيقي للأولاد:

« إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا »

فهل يصبر الأولاد على الابتلاء، أم سيقولون لهما « أف » وينهروهما، ويتمنون لهما الموت؟!

طبعا أنت لا تتذكر يوم أن كنت طفلا، وكنت في حاجة إلى من يقوم برعايتك رعاية كاملة، ومنها رفع الأذى والخبائث عنك، فكانت أمك، ثم أبوك، فلماذا لا تريد أن ترد الديْن الذي عليك لهما؟!

إن الذين تربوا على عقوق الوالدين في الصغر، لا تنتظر منهم عدلا ولا إحسانًا في الكبر، يوم يكون من الإحسان أن تمنع عنهم أدنى درجات الأذى، أن تقول لهما « أف »، فكيف بمن ينهرهما، ولا يقول لهما « قَوْلًا كَرِيمًا »؟!

إن أول شيء يجب أن يتربى عليه الولد، «ذكرا كان أو أنثى»، أن يحترم الوالدين، ويتأدب معهما، ويقول لهما « قَوْلًا كَرِيمًا ».

وفي سبيل رعاية الأولاد، يبذل الوالدان كل ما في استطاعتيهما من جهد وتضحية، وهما سعداء، فإذا بالأولاد بعد بلوغهم الرشد، ينسون ما قدمه الوالدان من أجلهم، ويعيشون من أجل أزواجهم وأولادهم، بدعوى باطلة:

« إنها سنة الحياة – مينفعش يخدوا زمنهم وزمن غيرهم »!

والله تعالى يقول:

« وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا »

وهنا تظهر أهمية «اللسان العربي»، وعلم «البيان»، وما يحمله من أساليب البلاغة التي يستحيل فهم النص القرآن بدونها، وكلها يتعلمها المسلم من مصدر معرفي خارج القرآن.

فالله تعالى يقول:

« وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم »

فكلمة « جناح » وردت في كتاب لبيان المعنى المادي الذي يعرفه الناس جميعا، عبر « منظومة التواصل المعرفي »، وهو « جناح الطائر »، و« جناح الطائرة »..، فهل هو نفسه « الجناح » الذي ورد في قوله تعالى:

« فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ »، « فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ »، « فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ »، « لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ »؟!

ثم هل هو « الجناح » الذي أمر الله رسوله أن يخفضه للمؤمنين، في قوله تعالى: « وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ »؟!

لقد بيّن الله أن « الذل » منبعه الرحمة، وشبهه بطائر يستعد للنزول من «علو»، فيخفض جناحيه حتى يصل إلى مكانه بسلام، وذلك لبيان ما يجب أن يتربى عليه الأولاد في الصغر، ليرحموا والديهم، ويدعون ربهم: « وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا »

إن الإنسان لن يستطيع أن يصل إلى هذه الدرجة من السمو الإيماني والأخلاقي، إلا إذا تربى في بيئة إيمانية تعمل الصالحات، لذلك تحول الخطاب إلى ضمير جمع المخاطبين، أي إلى المجتمع الإيماني، فقال تعالى:

« رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ، إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا »

إن مغفرة الذنوب تقوم على أساس عودة العاصي إلى ربه مستغفرًا، وامتثاله لأوامر الله، الأمر الذي لا يتحقق إلا إذا تربى المسلم على ذلك في بيئة إيمانية، تعلم معنى معصية الله.

إن فترة بناء القواعد الأخلاقية التي تقوم عليها شخصية الأولاد الدينية، والتي غالبا ما تصل إلى سن السادسة، هي أكبر التحديات التي يواجهها الوالدان، بما لها من تأثير إيجابي أو سلبي على تربية الطفل، فهي فترة الاستمتاع بالطفولة البريئة، ولو كان ذلك على حساب انحرافها عن صراط ربها المستقيم.

لذلك أمر الله الوالدين بتربية أولادهم على الالتزام بأحكام الشريعة من قبل بلوغ الحلم، وجاء ذلك في أهم قضية تتعلق بمنظومة القيم الأخلاقية، وهي ما يحدث بين الزوجين من تصرفات، وكشف عورات، لا يجب أن يراها الأولاد، فقال تعالى:

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ، وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ، طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »

تدبر: « ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ »، فأين هم « الَّذِينَ آمَنُوا » المخاطبون بهذه الآيات اليوم؟!

إن « الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ » يجب أن يتربوا على آداب الاستئذان، لماذا؟! لأن فعل الأمر في قوله تعالى: « لِيَسْتَأْذِنكُمُ » يعني أننا داخل دائرة ما يجب على الوالدين فعله، وإلا كان عدم التزامهما معصية.

واليوم، نرى المسلمين المؤمنين يتركون أولادهم، « الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ »، أمام الأفلام والمسلسلات، والموبيلات والآي باد، يشاهدون العورات دون رقيب، وعندما يبلغ الأولاد الحلم، يستيقظ الوالدان من سباتهم ولهوهم، على أزمة يصعب إدارتها بسهولة!

« وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ، فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »

تدبر: « كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ »، فأين هم الذين بيّن الله لهم هذه الآيات؟!

هل تربى الأولاد على تفعيل النص القرآني سلوكًا عمليًا في حياتهم، أم اكتفوا بالمواعظ التي تلقى على أسماعهم؟!

وهل التزم المسلمون بالعمل بآيات الله البيّنات، وخافوا على أولادهم من عدم الإحسان إليهما، كما يخافون عليهم من الشرك؟!

ثم ماذا يعني أن يذكر الله الإِحسان إِلى الوالدين في أربع سور، مباشرة بعد النهي عن الشرك:

البقرة: « لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »

النساء: « وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »

الأنعام: « أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »

الإسراء: « وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »

لأن القاعدة التي تنطلق منها أحكام الشريعة الإلهية هي قاعدة «الوحدانية»، وهذه القاعدة هي التي تجعل الولد يخفض لوالديه « جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » حتى لو كانا مشركين.

« وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »

هذا هو « الإسلام »، وهذا هو « إسلام الرسول »، فأين نحن من « الإسلام »؟!

ومع كل ما سبق، فإن المسؤولية يوم القيامة فردية، يتحملها الإنسان عند بلوغ الحلم واكتمال رشده، لا علاقة له بآبائه.

فدلائل « الوحدانية » من حوله

« الآية القرآنية » تشهد بصدق الله الذي أنزلها، وصدق الرسول الذي بلغها

وأحكام الشريعة القرآنية واجبة الاتباع

وقد حفظ الله نصوصها ومقابلها الكوني، لتكون حجة على العالمين إلى يوم الدين

« وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ، فَثَبَّطَهُمْ، وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ »

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى