إن «مقام الدعاء»، مقام قرب وصلة مباشرة بفاعلية أسماء الله الحسنى، فتدبر:
«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»
لقد أجاب الله تعالى على سؤال السائلين بنفسه، ولم يأمر نبيه أن يقوم بذلك، لبيان أنه لا وساطة في صلاة العبد وصلته المباشرة بفاعلية أسماء الله الحسنى، وأن استجابة الدعاء وعد محقق من الله تعالى.
فلماذا لم يستجب الله لدعاء عباده الموحدين المؤمنين المسلمين، خلال قرون مضت، وأين ذهبت الخيرية التي شَرّف الله بها الأمة الإسلامية؟!
الجواب: لأن «الوعد» مرتبط بشرط: «فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»
إذن فالقضية ليست في الوفاء بـ «وعد الله»، وإنما في عدم التزام المسلمين بـ «الشرط»!
لقد انشغل المسلمون بالوعد، وظلوا قرونا من الزمان ينتظرون أن ينصرهم الله على أعدائهم، ويصلح بالهم، ويشفي مرضاهم، ويبارك في ذريتهم..، ولا تمر دقيقة «بنظرة إلى العالم» إلا ونجد دعاءهم تهتز له جدران المساجد، والأماكن المقدسة!
ولا تمر دقيقة إلا ونجد شبكات التواصل الاجتماعي، مزينة بالصور الملونة والمزخرفة التي تحمل جميع أنواع الأدعية، حتى التي فيها شرك صريح بالله تعالى!
لقد أصبح الدعاء «موضة»، كما أصبح توزيع المصاحف الملونة، في الأعياد والمناسبات والمواسم المختلفة، «موضة»!
لقد هجر المسلمون كتاب الله ولم يحققوا «الشرط»، فلم تتغير حياتهم منذ قرون مضت، إلا الاتساع الكبير لدائرة التزود من زينة الدنيا وشهواتها، بدعوى أنها عبادة!
لم يبق للمسلمين من ظاهر الإسلام إلا منظومة الفكر الإسلامي، وهي «ترف فكري»، والصلاة، أي «الهيئة»، والزكاة وهي «عقيمة» لا تسمن ولا تغني من جوع، ومناسك الحج والعمرة، بلا «جوهر»، والدعاء «الأجوف»، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!
شيء غريب وعجيب، أن تتحول حياة المسلمين المؤمنين، حملة «الآية الإلهية» الدالة على صدق نبوة رسولهم محمد، إلى ترف فكري، وعبادات ومناسك، والتزام ظاهري بأحكام الشريعة، وكل ذلك معلق في الهواء، لا يقوم على قواعد إيمانية راسخة، ومازالوا ينتظرون «الوعد»، وقد هجروا «الشرط»:
«فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»
فأين هذا «الرشد» الذي هدى المسلمين إلى صراط ربهم المستقيم، والذي أنشأه إيمانهم بالوحدانية، وعدم تفرقهم في الدين؟!
إن «الدين الإلهي»، الذي حملته نصوص «الآية القرآنية»، نظام ومنهج حياة للوجود البشري، وكان يجب على المسلمين، الذين اصطفاهم الله ليكونوا شهداء على الناس، أن يقيموا مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، الذي سيخرج الناس من الظلمات إلى النور.
فهل يمكن أن يقيم المسلمون «الدين الإسلامي»، في بيوتهم، ومعيشتهم، ومعاملاتهم، بدون مجتمع إيماني؟!
الإجابة: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا، فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»
إن الإسلام «دين» إلهي، أي نظام حياة، له قواعده وأصوله القرآنية، والإيمان «إقرار» بأن يقوم هذا «الدين» على الأصول الإيمانية التي أمر الله الإيمان بها، وفي مقدمتها إخلاص العبودية لله تعالى، والتسليم بكل ما أمر الله به تسليما.
وبعد أن تتدبر الآية السابقة جيدًا، انظر إلى معيشتك في بيتك، وأسلوب تربية أولادك وأحفادك، والنظام المتبع في عملك، وفي معاملاتك المالية والتجارية، وأماكن التسويق والترفيه التي تذهب إليها، والأسلوب العشوائي المتبع في عقود النكاح، وقضايا الأحوال الشخصية..، واسأل نفسك:
أين «الدين الإسلامي»، الذي ارتضاه الله للناس، والذي سيقوم الحساب في الآخرة على مدى التزامهم به؟!
فإلى أين نحن «ذاهبون»، ومتى «سنستيقظ»، وعلى أي أساس قرآني «نعيش»؟!
محمد السعيد مشتهري