نحو إسلام الرسول

(503) 26/8/2016 (نظام الزوجية في المجتمعات الإنسانية)

لقد جاءت «آية الزواج» وسط منظومة من الآيات الكونية، لبيان أن عقد النكاح ليس عقدًا لقضاء شهوة جنسية، وإنما لإقامة «مجتمع إنساني»، قوامه «الذرية»، يحقق مهمة الاستخلاف في الأرض، على أساس إخلاص العبودية لله تعالى.

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ»

لقد جاءت «آية الزواج»، وسط منظومة من الآيات الكونية، لبيان أن عقد النكاح، «سكنٌ زوجي»، قوامه «المودة والرحمة».

« وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»

ولقد جعل الله لهذا «السكن الزوجي» بابا واحدا للدخول، وهو «عقد النكاح»، يسمح لماء الرجل أن يلتقي بماء المرأة، لغرس البذرة الأولى لشجرة «الذرية»، في هذا «المجتمع الإنساني».

« هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا، فَمَرَّتْ بِهِ، فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ»

لقد جعل الله التقاء ماء الرجل بماء المرأة، «آية» من آياته، من أجل المحافظة على الوجود الإنساني، وليس لمجرد قضاء شهوة جنسية، ثم ينتهي اللقاء!! كما حرّم قضاء هذه الشهوة دون «عقد نكاح»، وميثاق غليظ يأخذه الله من الرجل ومن المرأة، من قبل أن يتماسا، وجعل من شروطه المحافظة على حقوق الزوجية.

« وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا»

وفي إطار هذا الميثاق الغليظ، حرم الله المباشرة بين الزوجين وقت الصيام، وبيّن أن الهدف من قضاء الشهوة الجنسية هو ابتغاء الذرية، لبقاء النوع البشري والمحافظة عليه.

« أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ، هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ»

إن قوله تعالى: « هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ»، وقوله تعالى «وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ»، وقوله تعالى في الآية السابقة: « وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ»، لا يعني الاستمتاع بشهوة جنسية وانتهى الأمر، وإنما أن يكون ذلك في إطار سكن زوجي، من الدفء والمودة والرحمة، كما لو كان الزوجان جسدًا واحدًا، يعيشان في لباس واحد.

لقد نزلت الشريعة القرآنية و«ملك اليمين» من النساء، مصدرا رئيسيا للاستمتاع الجنسي على مستوى العالم، وعلى مستوى بيوت الذين دخلوا في الإسلام، وكان من الصعب، بل من المستحيل، أن تنزل آيات تُحرم بقاء «ملك اليمين» في الأسواق المحلية والعالمية.

لقد اتبعت الشريعة القرآنية منهج «التدرج التشريعي»، في المسائل التي كان من الصعب تحريمها دفعة واحدة، وفي مقدمتها «ملك اليمين»، فجاءت جميع التشريعات المتعلقة بـ «ملك اليمين»، باعتبار أن منابعه قد أغلقت، والمطلوب تصفية ما هو قائم بين المسلمين.

لقد نزلت الأحكام المتعلقة بـ «ملك اليمين» ليس لإباحته من جديد، وإنما لتصفية منابعه ولم تبق إلا «الأسر»، لذلك نلاحظ استخدام الفعل الماضي «مَلَكَتْ» في جميع الآيات المتعلقة بهذا الموضوع: « مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»، « مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ»، « مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ»، « مَلَكَتْ يَمِينُكَ».

إن جميع الآيات التي تحدثت عن تشريعات خاصة بـ «ملك اليمين»، لم تأت لإباحته للمسلمين مستقبلا، وإنما لوضع ضوابط تحكم ما كان موجودا، منها أنه لا يحل الاستمتاع بـ «ملك اليمين» إلا بـ «عقد نكاح».

«وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»

«وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ»

إن الشريعة القرآنية لم تبق من منابع «ملك اليمين» إلا «الأسر»، بل ووضعت له شروطا، فقال تعالى في سورة الأنفال:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَى، إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»

وقال تعالى في سورة الأنفال:

«مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»

ويقول الله تعالى في سورة محمد:

«فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً، حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا»

فهل الشريعة القرآنية، التي جاءت بتجفيف منابع «ملك اليمين»، ولم تبق إلا «الأسر»، وأمرت بإطلاق سراح الأسرى مقابل الفدية أو بدونها، يمكن أن تعود بالمسلمين إلى عصر الجاهلية، وتفتح لهم باب «ملك اليمين» من جديد، لتصبح العبودية للشهوة الجنسية، بعد أن حرّمت العبودية لغير الله؟!

إنه لا توجد آية قرآنية واحدة تبيح للمسلم أن يقيم علاقة جنسية مع امرأة دون «عقد نكاح»، يقوم على أساس ميثاق غليظ يأخذه الله من الرجل والمرأة، من قبل أن يتماسا، أي من قبل أن يصبحا زوجين، يضمن لهما حياة زوجية قوامها السكن والمودة والرحمة.

هذا هو نظام الزوجية في المجتمعات الإنسانية

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى