نحو إسلام الرسول

(502) 20/8/2016 (ملك اليمين وأزمة الشهوة الجنسية)

على الرغم من قول الدكتور شحرور في «١٧ – ٢ – ٢٠١٥» إن موضوع ملك اليمين لم يتبلور لديه بشكل نهائي، إلا أنه قال بعدها: «ولكن الأمر المؤكد بالنسبة لي أن الزوجة ليست ملك اليمين، والعكس صحيح، وأن ملك اليمين ﻻ علاقة له بالرق»، وهذا الذي قاله يهدم قوله: «إن الموضوع لم يتبلور لديه بشكل نهائي»!!

وفي المنشور السابق سألت: إذا كان موضوع « ملك اليمين » لم يتبلور لدى الدكتور شحرور بشكل نهائي، فلماذا لم يلغ تعريفه من على موقعه الرسمي، حتى لا يتمسك به التابعون له بغير علم، هذا التمسك الذي ظهر جليا في تعليقاتهم على المنشور؟!

لقد أقام الدكتور شحرور مفهومه لملك اليمين على أساس اعتقاده أن «الزوجة ليست ملك يمين..»، وهذا الاعتقاد هو الذي تبلور في ذهنه بشكل نهائي، وما عداه فمسائل تفرعت عنه، فإذا هدمنا هذا الاعتقاد الذي تبلور في ذهنه، هدمنا أيضا ما لم يتبلور بعد.

يقول الله تعالى في سورة الأحزاب، «الآية ٥٠»:

« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ».

تدبر قوله تعالى: « إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ »، فمن هؤلاء «الأزواج»:

أولا: الأزواج « اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ » فقط

ثانيا: الأزواج من ملك اليمين « مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ » فقط

ثالثا: الأزواج من الأقارب « اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ » فقط

رابعا: الأزواج من المؤمنات « إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا » فقط

ثم تدبر قوله تعالى في ختام هذه الآية:

« قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ »

فهل معنى قوله تعالى: « فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ »، أن ملك اليمين ليس من «الأزواج»، كما فهم البعض من قوله تعالى في سورة المؤمنين: « إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ » أن ملك اليمين غير «الأزواج»؟!

إن الذي يفهم ذلك لا دراية له بعلم السياق القرآني، وما يسمى بالمفهوم الضمني، فقد نصت آية سورة الأحزاب بالدلالة القطعية على أن ملك اليمين من الأزواج، «التصنيف الثاني»، فيستحيل أن يأتي الله في ختام الآية، أو في آية سورة «المؤمنون»، ويقول إن ملك اليمين ليس من الأزواج!!

نذهب بعد ذلك إلى ما تبلور لدى الدكتور شحرور بشكل نهائي، وقوله «إن الزوجة ليست ملك يمين..»، فيقول على صفحته في « ٢٧ – ١٢ – ٢٠١٤ » عن التصنيف الرابع:

«فالمرأة التي وهبت نفسها للنبي ليست من زوجاته، وكانت حرة، وليست أَمَةً، وليست أسيرة، ولم تأت من سوق النخاسة، وإنما هي ملك يمينه، أي أنها وهبت نفسها بملء إرادتها، أي أن ملك اليمين ﻻ يمكن أن يكون إﻻ بإرادة المرأة والرجل»!!

هكذا فهم الدكتور شحرور الآية، وهكذا يتدبر القرآن، وبهذه العشوائية الفكرية يستنبط أحكامًا ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يلتفت إلى أن هذا الحكم خاص بالنبي دون المؤمنين، لقوله تعالى بعده: « خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ».

وإذا كان إتيان «الشهوة الجنسية»، بدون عقد نكاح، حلالا تحت مسمى «ملك اليمين»، بشرط موافقة الرجل والمرأة على ذلك، كما يزعم الدكتور شحرور، فتعالوا نرى ماذا قال بعد ذلك عن هذا «التوافق»:

« ومن سيعلق ويسألني: هل ترضاها ﻷختك أو ابنتك؟ فجوابي له: إن ابنتي أو أختي امرأة عاقلة راشدة حرة لها ارادة حرة وأنا ﻻ أملكها حتى أجيبه على سؤاله، ولكن إن سألني عن استعارة سيارتي فيمكن أن أجيبه بنعم أو لا، ﻷني أملكها »!!

إذن فالدكتور شحرور لا مانع عنده أن تقيم ابنته، أو أخته، علاقة جنسية «ملك يمين» إذا حدث توافق بين الطرفين، فإذا أخذنا هذه الفتوى كرخصة للخروج من أزمة «الكبت الجنسي» التي يعاني منها الشباب، فسنرى أمامنا، مع مرور الزمان، مجتمعًا لا ترتبط فيه المرأة بالرجل إلا على أساس «الشهوة الجنسية»!!

إن قوم نبي الله لوط، عليه السلام، أقاموا مجتمعهم على أساس «الشهوة الجنسية»، ولكن ببدعة جديدة: « أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ، بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ »، حتى وصل بهم الفجور إلى إتيانها في النوادي: « وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ »!!

إن إتيان « الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ » مع مرور الزمان، معناه انقطاع الذرية تماما، لذلك قال تعالى بعدها: « بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ »، لأنهم يعلمون علما مخالفًا للحقيقة، فهم يُدمّرون المجتمع الإنساني بقطع السبيل إلى الذرية، وهذا معنى قول الله تعالى: « أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ».

ولنا أن نتخيل، أن الله تعالى يرسل رسولا من أجل هذا الانحراف الأخلاقي، وهذا الشذوذ الجنسي، الذي في استمراره تدمير للمجتمع الإنساني، ولذلك دمر الله القرية بأكملها، وجعلها آية، ولكن لقوم يعقلون: « وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ».

فأين الذين يعقلون، ويعلمون أن «ملك اليمين»، بمفهوم الدكتور شحرور، معناه أن تصبح «الشهوة الجنسية»، مع مرور الزمان، هي الحاكمة على المجتمع الإنساني، فما أسهل تفريغ هذه الشهوة باسم ملك اليمين لتأخذ شرعية قرآنية، ويسعد بها الشباب والشيوخ، خاصة وأن «الكبت الجنسي» يزداد بين الجنسين يوما بعد يوم!!

وعندما تحكم «الشهوة الجنسية» المجتمع الإنساني، فقد عدنا إلى مجتمع الجاهلية الأولى، مجتمع «الهوى» و«المزاج المتغير»، فمتعة تفريغ هذه الشهوة لا تستغرق دقائق، ثم بعدها يبحث الرجل، وتبحث المرأة، عن «ملك يمين» جديد، من باب حب التغيير!!

فأين منظمات «حقوق الإنسان»، من هذا الشذوذ الفكري؟!

وأين «الفكر المستنير»، في أن تصبح قيمة المرأة الحرة، وقيمة الرجل الحر، محبوسة في سجن عبودية «الشهوة الجنسية»؟!

وأين «القراءة المعاصرة للقرآن»، في تحريف كلام الله، واستنباط أحكام ما أنزل الله بها من سلطان؟!

إن الحكم على مشروع الدكتور شحرور بأنه «متهافت»، ليس فقط بسبب تحريفه لكلام الله، في معظم الموضوعات التي كتبها، والمنشورة على موقعه الرسمي، والتي قرأتها بتدبر، ولا بسبب مفهومه الخاطئ لملك اليمين، لأن:

قضية ملك اليمين قد انتهت من جذورها ببعثة النبي الخاتم محمد، وما نزلت الأحكام القرآنية الخاصة به إلا لإدارة أزمة عالمية لا تتعلق فقط بعصر الرسالة، فجاء التعامل مع هذه الأزمة بمنطق الحكمة و«التدرج التشريعي».

إن السبب الحقيقي في الحكم على مشروع الدكتور شحرور بأنه «متهافت»، أنه يضع «السم في العسل»، أما «السم» فهو هذا الدين الجديد الذي وضع له المصطلحات الخاصة به، التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأما «العسل» فهو كل ما كتبه ولم يأت فيه بجديد، وسبقه إليه الكثير!!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى