نحو إسلام الرسول

(501) 19/8/2016 (ملك اليمين وتهافت القراءة المعاصرة)

من أخطر ما أصاب تدين المسلمين، بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، أن يصبح لكل مسلم حساب على هذه الشبكات، ينقل الأفكار والموضوعات التي ينشرها من هنا وهناك، فإذا بأقاربه وأصحابه يُعجبون بما يكتب، ثم بعد فترة يبتدع في دين الله بدعة، فيصبح عالما ومفكرا إسلاميا!!

إن من أخطر ما أصاب تدين المسلمين، التقليد الأعمى والاتباع بغير علم، فنرى مئات المعجبين بأفكار وموضوعات تُعرض على شبكات التواصل الاجتماعي، وهم لا يملكون أدوات البحث العلمي، وليس لهم دراية بالمنهجية العلمية في تدبر القرآن، ويتحاورون ويجادلون بغير علم!!

عندما خاطب الله تعالى العرب بالقرآن، كانوا يعلمون معنى كل كلمة نزلت فيه، لأنه نزل بلسانهم، والذي لا يعلمونه كانوا يسألون عنه، ولم يسألوا مطلقا عن معنى «الزنا»، ولا عن معنى «ملك اليمين»، فكيف لنا اليوم الوقوف على المعنيين، وبيننا وبين عصر الرسالة خمسة عشر قرنا من الزمان تقريبا؟!

إنه لا سبيل أمامنا إلا:

١- السياق القرآني، ٢- اللسان العربي، ٣- الحقائق التاريخية التي نقلتها لنا «منظومة التواصل المعرفي».

وحسب أصول البحث العلمي، لا يصح البحث في السياق القرآني بمعزل عن اللسان العربي، ولا بمعزل عن «منظومة التواصل المعرفي» العالمية، لأنها الصورة العملية لتواصل المعارف.

إن الرق في اللسان العربي هو «العبودية»، وسُمي العبيد رقيقا، لأنهم يرقون لمالكهم، ويذلون ويخضعون، والرقيق هو المملوك…، «انظر لسان العرب»، ومن الحقائق التاريخية أن الرق نظام اجتماعي، وهو حرمان الشخص من حريته الطبيعية، وصيرورته «ملكا لغيره»، وكان نظاما مشروعا تحميه قوانين الدولة «انظر دائرة المعارف الحديثة، قصة الحضارة».

فكيف يجرؤ باحث، متدبر لكتاب الله، على تحريف ما أجتمع على بيان مفهومه السياق القرآني، واللسان العربي، و«منظومة التواصل المعرفي» العالمية؟!

يقول الدكتور محمد شحرور، على موقعه الرسمي، تحت عنوان: «تعريف المصطلحات الواردة في التنزيل الحكيم وفق القراءة المعاصرة»

«ملك اليمين: هو علاقة طوعية بين رجل بالغ عاقل وامرأة بالغة عاقلة، ليس فيها صهر ولا نسب، ولا نية في الإنجاب والاستمرار، وتقتصر على ممارسة الجنس بين الطرفين. وقد تكون المرأة ملكاً ليمين الرجل، فينفق عليها، ومثاله زواج المتعة. وقد يكون الرجل ملكاً ليمين المرأة فلا تطلب منه أي نفقة أو سكن، ومثاله زواج المسيار. وقد يكون ملك يمين متبادل بينهما، ومثاله زواج (الفرند)».

إن الدكتور محمد شحرور يبشر بدين جديد، يرى أنه هو الذي سينتشر في العالم، وقد وضع له القواعد والأصول على صفحته الرسمية، وبدأ بتعريف المصطلحات التي سيستخدمها في تأصيل أحكام هذا الدين الجديد، ومن ذلك تعريفه لملك اليمين.

الدكتور محمد شحرور بدأ بهدم أصول ملة «الوحدانية»، بتحريفه لمعنى الإسلام والإيمان، ولمعنى الكتاب والقرآن، ولقد قمت بالرد عليه علميا في عدة منشورات على هذه الصفحة، تبدأ بمنشور «١٧ – ١١- ٢٠١٣»، مرورا بمنشور «١ – ٢- ٢٠١٤»، ثم في «١١- ١٠ – ٢٠١٤» منشورات بعنوان «د. شحرور وأزمة الفكر الإسلامي».

ثم بعد أن هدم أصول ملة «الوحدانية»، ذهب يهدم أحكام الشريعة القرآنية، ومن ذلك أحكام الميراث، ولباس المرأة المسلمة، وملك اليمين…، ولذلك حظى مشروعه الفكري بإعجاب آلاف المسلمين وغير المسلمين، محليا وعالميا.

والسؤال: من أين جاء دكتور شحرور بتعريفه لملك اليمين؟! السياق القرآني لم يُعرّف ملك اليمين، وإنما جاء به كخبر يعلم العرب معناه، والذي جاء بمعناه اللسان العربي و«منظومة التواصل المعرفي»، فلماذا قفز د. شحرور على كل هذه المرجعيات، وذهب يبتدع تعريفا منحرفا شاذا لملك اليمين؟!

سأكتفي، كمثال على هذه البدعة السيئة، بنقل الحوار الذي دار بين د. شحرور والإعلامي عمرو أديب، بحضور الشيخ خالد الجندي، والمنشور على اليوتيوب في «٢٤ – ٢ – ٢٠١٤».

* د. شحرور: توجد عندنا حالتان من النكاح الشرعي: الأولى: هي الزواج، والثانية: ملك اليمين، والزواج ليس ملك يمين، وملك اليمين ليس زواجا، وفي الحالتين الجماع الجنسي مسموح وحلال.

الزواج: صهر ونسب وأسرة، أي عندما الإنسان يعقد على امرأة، بهدف العيش المشترك وتكوين الأسرة، والعيش مدى الحياة، وإنجاب الأطفال، هذه اسمها زوجة. ملك اليمين: هي الحالة التي لا تنطبق عليها كل شروط الزواج.

رب العالمين لم يقل إن ملك اليمين هو الرق، وفي القرآن ذُكر الرق على أساس «وفي الرقاب»، و«تحرير رقبة»، تاريخيا قالوا ملك اليمين هو الرق، وملك اليمين ذُكر ١٣ مرة في كتاب الله، وشُرح في كتاب الله.

(تعليق على قوله: «وشُرح في كتاب الله»، ولكن هل بيّن كتاب الله معناه؟!)

الإنسان يبلغ النضوج الجنسي في سن ١٥سنة، ويتزوج في سن ٢٥، إذن فهناك مشكلة جنسية يعانيها الشباب تستمر ١٠ سنوات، زواج المسيار، وزواج المتعة، وزواج الفريند … هو ملك يمين لأنه لا تنطبق عليه العيش المشترك.

* خالد الجندي: هل تعتقد أن ملك اليمين قائم إلى اليوم؟! * شحرور: بدون شك، أعطيك مثال: في أوربا إنسان يعيش مع امرأة، بكامل إرادته وكامل إرادتها، أمام الناس، وأمام الجيران، وهناك عيش مشترك بينهم، والجميع يعلم، وأهلها يعلمون، هذا مئة بالمئة حلال، وهو ملك يمين وهي ملك يمين.

* خالد الجندي: وما هو الزنى إذن؟ *شحرور: ملك اليمين علاقة شرعية شرحها رسول الله في البخاري، قال «أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليالي، فإما يتزايدا أو يتفارقا.

(تعليق: لا تعرف للدكتور شحرور منهجا علميا يمكنك أن تحاوره على أساسه، فتارة لا يعترف بالمرويات المنسوبة إلى النبي، وتارة يعتبرها مصدرا تشريعيا يستند إليه، وقد ضربت أمثلة على ذلك في المنشورات التي أشرت إليها سابقا)

زواج المسيار: الرجل يأتي عند المرأة بناء على طلبها، وهو غير مسؤول عن النفقة، وإذا حملت فهي التي تنفق على الولد، والرجل يعطي الولد فقط الاسم والكنية، هذا ملك يمين.
عمرو أديب: أي رجل وست يقرروا يكون بينهم علاقة جنسية هذا يعتبر ملك يمين؟!

شحرور: نعم، إذا المجتمع لم يمنع ذلك فلا يسمى ذلك زنا. أما الزنا في السفاح، الزنا من فعل زنَّ، أي زَنَّ الجنس عليه حتى أنه لم يسأل عن المجتمع، ومارس الجنس العلني، من هنا جاء فعل الزنا.

ملك اليمين عند الفقهاء هو الرق، المرأءة تؤخذ إلى الرق بالإكراه، وتذهب إلى سوق النخاسة بالإكراه، وتُعرض فيه بالإكراه، وتباع وتُشترى بالإكراه، ويعاشرها الرجل بالإكراه، ثن يقول السادة الفقهاء بعد خمسة إكراهات هذا حلال. أما إذا حدث توافق طوعا بين رجل وامرأة غير متزوجة يقولون هذا حرام؟!

* عمرو أديب: يعني ملك اليمين هو: إذا توافق رجل وامرأة على علاقة جنسية؟! *شحرور: إذا كانت المرأة غير متزوجة. * عمرو أديب: حلال؟! * شحرور: طبعا، طبعا، طبعا طبعا، في فرنسا علاقة مشتركة بين رجل وامرأة، المجتمع يعلم، وأهلها يعلمون، وأهله يعلمون.

* عمرو أديب: لو في بلد عربي، واحد ووحدة، وأهلها عارفين إنها تكون على علاقة مع رجل، غير ما يُسمى الزواج الشرعي، هذا حلال؟ * شحرور: يمنع ذلك في حالتين فقط، الأولى: إذا كانت متزوجة، الثانية: العلنية، يعني إذا كانت هذه العلاقة تتم في الحديقة.

* عمرو أديب: أنا بتكلم عن المجتمع الإسلامي. * شحرور: المجتمع الإسلامي، أي رجل وامرأة توافقا، دون سفاح، فعشرة ما بينهما حلال إذا كانت غير متزوجة، أما إذا كانت متزوجة فزنا (فولوستوب). * عمرو أديب: هذا فوق الأربعة نساء؟!

* شحرور: فيه ملك يمين مئة، عبد الرحمن بن عوف كان عنده ٩٠ ملك يمين، العدد مفتوح طبعا، ولكن على أساس ألا يكون فيه سفاح، يعني لا يشترك معه في المرأة أحد. * خالد الجندي: يعني ملك اليمين الذي يتم باتفاق بين الرجل والمرأة بدون أجر.

* شحرور: هذا عقد اجتماعي، لو تم توثيقه بينهما صار قانونا. * خالد الجندي: يعني لو كتبت إقرار بأنها موافقة على هذا محدش ليه عندنا حاجة؟ * شحرور: طبعا، محدش ليه دعوى. * عمرو أديب: ومش حرام؟! شحرور: إطلاقا.

* عمرو أديب: عايز أسانيد من القرآن والسنة. * شحرور: الزنى يحتاج إلى ٤ شهود. * خالد الجندي: الشهود في حالة الإثبات، لو مش عايزين نثبت الزنا، يعني الزنا هو إيه بقى؟! * شحرور: الزنى هو علاقة مع امرأة متزوجة، أو مع امرأة غير متزوجة ولكن في العلنية، يعني أمام الناس. * خالد الجندي: يعني لو في بيت مش زنا؟!

* شحرور: إذا كان بالاتفاق، وبشرط أن تكون المرأة غير متزوجة. * خالد الجندي: بأجر أم بغير أجر؟! * شحرور: هذا حسب الاتفاق بينهما. * خالد الجندي: طيب لو حصل حمل من الزنا؟! شحرور: هذا ذنبها، هيه وافقت على هذا؟! * خالدي الجندي: يعني تعمل إيه في هذا المولود؟! ترميه في الباسكت؟!

* شحرور: ٨٠٪ من النكاحات التي تحدث في الكرة الأرضية حلال. * عمرو أديب: أين الأسانيد من القرآن والسنة؟! * شحرور: هذا كله جايبه من القرآن: «وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ… مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ»

* خالد الجندي: يعني إيه متخذات أخدان؟! * شحرور: عندك حالتان: مرة يقول: « مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ»، ومرة يقول: « مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ» لأن ملك اليمين للمرأة وللرجل. * خالد الجندي: يعني إيه «أخدان» يا دكتور شحرور؟! * شحرور: يعني يحترم المرأة التي معه، ولا يأتي لها بصحبته.

ثم أنتهى الحوار بقول الدكتور شحرور: «الزواج: صهر ونسب وأسرة، وغير ذلك ملك يمين، الأمر واضح تماما».

أقول:

أولا: أنا لا أعترف بالشيخ خالد الجندي ولا بغيره، ونقلت لكم هذا الحوار للوقوف على كلام ورأي الدكتور شحرور فقط.

ثانيا: إن المسلم الذي يريد أن يدرس القرآن، ويتدبر آياته، بهدف أن يقف على أحكام شريعته، يحرم عليه أن يفعل ذلك، دون أن يكون مؤهلا علميا إلى هذا العمل، حتى لا يَضِل ويُضِل غيره.

وأول الطريق لاستنباط أحكام القرآن، والوقوف على ما هو حلال وما هو حرام، أن يضع المسلم لنفسه منهجًا علميًا، يحمل أدوات لفهم القرآن، تكون مستنبطة من ذات النص القرآني، وهذا ما لم يفعله الدكتور شحرور، ولو فعله ما جاء في «١٧ – ٢ – ٢٠١٥» وقال:

«طرحت في منشورين سابقين موضوع ملك اليمين، على شكل أسئلة، ﻷستفيد من رأي المتداخلين، باعتبار أن الموضوع (لم يتبلور لدي بشكل نهائي بعد)!!!

والسؤال: لماذا لم يُسرع الدكتور شحرور إلى ما كتبه في تعريف المصطلحات المستخدمة في مشروعه الفكري، ولم يكتب تحت تعريف ملك اليمين: «لم يتبلور لدي بشكل نهائي بعد»؟!!

ولو اتبع الدكتور شحرور المنهج العلمي في تدبر القرآن، فأنا على يقين أنه سيعيد كتابة هذا الفصل الخاص بتعريف المصطلحات، وسيكتب: «لم تتبلور المصطلحات لدي بشكل نهائي بعد»؟!!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى