كيف يظل مسلم على إسلامه، وهو يتعامل مع القرآن، «كلام الله»، باعتباره كتابا مدرسيا، يمكن تغيير موضوعاته إذا اعترضت عليها منظمات حقوق الإنسان، أو قرارات الأمم المتحدة؟!
كيف يظل مسلم على إسلامه، وهو يؤمن أن القرآن قد تحول بعد وفاة النبي إلى روايات، بقراءات مختلفة، وأن الذين نقلوا إلينا روايات «القرآن»، هم الذين نقلوا إلينا روايات «الحديث»، فإذا طعنت في رواة الحديث، فقد طعنت في رواة القرآن؟!
أول الطريق:
إن الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويعملون الصالحات، عليهم أن يقدموا لأنفسهم «اليوم»، البرهان على صحة ما يؤمنون به، وإلا كان إيمانهم إيمان المنافقين.
أولا: إن الإيمان بالله يقوم على الإيمان بدلائل وحدانيته، ودلائل الوحدانية تتحدث عن نفسها في كل ذرة من ذرات هذا الكون، وما عليك إلا أن تنظر، وتتفكر، بعين البصيرة.
ثانيا: إن الإيمان بالرسل يقوم على الإيمان بـ «الآية» الدالة على صدق نبوتهم وبلاغهم عن الله، ولقد انتهت فاعلية الآيات الدالة على صدق نبوة جميع الرسل، «باستثناء رسول الله محمد»، لأنها كانت آيات «حسية»، تنتهي فاعليتها بوفاة الرسل.
ثالثا: على أي أساس منطقي، يؤمن الناس اليوم برسل لم يشاهدوهم، ولا يملكون برهانا من الله على بعثتهم، وأقاموا إيمانهم على ما وجدوا عليه آباءهم؟!
رابعا: لقد شاء الله أن يكون رسوله محمد هو النبي الخاتم، فلا نبوة بعده، لذلك لم يجعل آيته «حسية»، وإنما جعلها «عقلية»، ممتدة المفعول إلى يوم الدين، وهي «القرآن» الذي بين أيدي الناس اليوم.
خامسا: إننا كي نشاهد فاعلية «القرآن»، باعتباره «آية» عقلية، علينا أن نقوم بتفعيل آليات عمل القلب: آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه والنظر..، الأمر الذي سيفرض علينا البحث في صحة أو عدم صحة حجية هذا «القرآن»، وهل هو حقا «الآية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد؟!
سادسا: عندما نقرأ «القرآن»، ونتدبر ما جاء فيه، نجد أن هناك من يقول إنه «الله» الذي خلق هذا الكون، وهو الذي أرسل الرسل، وهو الذي أنزل الكتب، وهو الذي يحي ويميت، وهو الذي سيحاسب الناس على أعمالهم يوم القيامة.
سابعا: عندما نتدبر «القرآن»، نجد أنه يتحدث عن منظومة كونية يعيش الناس بداخلها، وأن كل كلمة من كلماته لها مقابلها الكوني في هذه المنظومة، وأن هذا الإله الذي يقول إنه خلق هذه المنظومة الكونية يسأل:
«هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ، فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ، بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ»
ثامنا: هل حدث على مر تاريخ الوجود البشري، إلى يومنا هذا، أن سجل المؤرخون أن هناك إلها آخر، ادعى أنه الذي خلق هذا الكون وأنه هو الذي أرسل الرسل..؟! لم يحدث، وبذلك ثبتت «الإلهية»، و«الوحدانية» لله الذي أعلن أنه خالق هذا الكون.
تاسعا: بثبوت «الإلهية»، و«الوحدانية» لله تعالى، تثبت حجية «الآية القرآنية» الدالة على صدق النبي الخاتم رسول الله محمد، وذلك بتفاعل نصوصها وكلماتها «اليوم» مع مقابلها الكوني، ولكن للأسف الشديد أن هذا التفاعل لم يقف عليه أئمة السلف والخلف، فأصبح المسلمون في ذيل التقدم الحضاري!!
عاشرا: لقد عرف المكذبون لرسول الله محمد، أن المطلوب لإثبات بطلان نبوته، ليس فقط الإتيان بسورة من مثل سور القرآن، وإنما الإتيان بالآية التي حملتها هذه السورة، أي بمقابلها الكوني، لذلك لم يُفكروا أصلا أن يفعلوا، وهو ما أثبته الله تعالى من قبل يُفكروا:
«فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا، ( وَلَن تَفْعَلُوا )، فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
محمد السعيد مشتهري