نحو إسلام الرسول

(497) 2/8/2016 (هل القرآن «آية إلهية» أم «معجزة بشرية»؟)

١- تستخدم كلمة «آية» في السياق القرآني، للحديث عن دلائل «الوحدانية»، وتفرد الله بأسمائه الحسنى، وفاعليتها في الآفاق والأنفس، وللدلالة على صدق نبوة الرسل.
أما مادة «الإعجاز» فتستخدم في السياق القرآني، لبيان قدرة البعض على الإتيان بـ «خوارق العادات» التي يعجز الناس عن الإتيان بها كـ «السحر».
٢- ولم يسم الله تعالى «الآيات» الدالة على صدق نبوة الرسل «معجزات» لأن الله تعالى منزه عن أن يتحدى أحدًا أو يُعجزه:
يقول الله تعالى عن البرهان الدال على صدق النبي الخاتم محمد، عليه السلام:
* «وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»
* «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
٣- و«الآيات» الدالة على صدق «نبوة» الرسل من عالم «الخلق والأمر» القائم على فعالية قوله تعالى:
* «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ – أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»
* «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ – تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»
أما «المعجزات البشرية» فمن عالم «الأسباب» القائم على قدرات البشر في توظيف السنن الكونية.
٤- ولقد طلب المكذبون من نبي الله «صالح» الآية الدالة على صدق «نبوته» فقالوا:
* «مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا – فَأْتِ بِآيَةٍ – إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»
فقال الله تعالى «الشعراء / ١٥٥-١٥٧»:
* «قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ»
* «وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ – فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ»
– فـ «الآية» هنا في أن يأخذهم «العذاب» فور مخالفتهم أمر الله:
* «فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ»
* «فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ – (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) – وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ»
فلم تكن «آية» نبي الله صالح هي «الناقة» بذاتها، وإنما في «العذاب» الذي أخذ قومه فور مخالفتهم لأمر الله المتعلق بكيفية التعامل معها:
* «وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ – فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ»
٥- إن الذين فهموا أن القرآن «معجزة»، باعتبار أن أهل اللسان العربي «عجزوا» عن أن يأتوا بمثله، هؤلاء انطلقوا من قاعدة التحدي والإعجاز، وتصوروا أن الله يتحدى البشر ليُعجزهم، استنادًا إلى فهم خاطئ لقوله تعالى:
«وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ»
لقد فهم أهل اللسان العربي معنى قول الله تعالى:
* «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ»
ولم يُفكر المرتابون في صدق النبي الخاتم أن يأتوا بمثله لأنهم يعلمون أن المطلوب ليس في أن يأتوا بمثل «الجمل القرآنية» وإنما بمثل «الآية القرآنية» التي حملتها الجملة القرآنية.
٦- إن السورة «آية» من آيات الله، والآية ليست فقط «جملة قرآنية» وإنما «كلام الله» الذي نرى فاعليته في الآفاق والأنفس، فكل كلمة من كلام الله لها «مقابلها الكوني» الذي يستحيل أن يأتي به إنس ولا جان، لذلك قال الله تعالى لـ «المرتابين»:
* «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا»
فما قيمة الإتيان بـ «الجملة القرآنية» بدون «مقابلها الكوني»، أي بدون أن يكون للاسم مُسَمّى يعرفه الناس، فالذي يسمع اسم شيء لم يره من قبل يستحيل أن يتذكره إلا إذا كان قد رآه من قبل وعرفه، لذلك كان من أسماء القرآن «الذكر»:
* «ص – وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ»
* «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ»
* «قَدْ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا»
ولقد تعهد الله بحفظ «الذكر»، حيث تتفاعل كلمات القرآن مع مقابلها الكوني، مع اختلاف بعض الكلمات في المصاحف التي بين أيدي المسلمين اليوم، باعتبار أن هذا الاختلاف لا يؤثر مطلقا على تفاعلها مع مقابلها الكوني.
وهذه هي القاعدة التي انطلق منها التوجه «نحو إسلام الرسول» عند التعامل مع هذه المصاحف بقراءاتها المتعددة.
٧- لقد حصر الدكتور «محمد الحبش»، في رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه، الاختلاف بين المصاحف فقال في المبحث الثالث «حصر تفـاوت مصاحف الأمصـار»:
«ولنأخذ الآن في إحصاء ما ورد من خلاف في الرسم بين المصاحف العثمانية على سبيل الإحاطة المستوعبة»
– ثم قال:
«سائر الاختلاف في الرسم محصور في (٤٩) كلمة»
– وذكر هذه الكلمات التي لا تؤثر مطلقا على حجية «الآية القرآنية العقلية» على العالمين.
لقد كتب علماء البيان مجلدات في بيان أوجه البلاغة في اختلاف هذه الكلمات، ومن ذلك الاختلاف بالإبدال، كما في قوله تعالى في سورة البقرة:
* «وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا»
فجاءت كلمة «نُنشِزُهَا» بالزاي في قراءة حفص، أما في قراءات ورش وقالون والدوري، فجاءت بالراء: «نُنشِرُها».
– فمن قرأ «نُنشِرُها»، فالنشر خلاف الطي، يقال أنشر الله الميت أي أحياه، وقد وصفت العظام بالإحياء، قال تعالى:
* «قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»
– ومن قرأ «نُنشِزُهَا»، فالنشز الارتفاع، والمعنى نرفع بعضها إلى بعض، وتركب بعضها على بعض:
* «ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا»
ولم تتأثر حجية «الآية القرآنية العقلية» بهذا الاختلاف، ففي الآيتين بيان لكيفية إحياء الموتى: تجميع العظام ورفع بعضها إلى بعض «نُنشِزُهَا»، ولإحيائها «نُنشِرُها» بعد الممات.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى