نحو إسلام الرسول

(495) 26/7/2016 (المعجزة الكبرى وفتنة العدد ١٩)

عندما صدر كتاب «المعجزة الكبرى» للمهندس عدنان الرفاعي، أهداني نسخة وطلب رأيي في الكتاب، وعندما زارني لمناقشة موضوعات الكتاب قلت له:

لقد دخلت يا باشمهندس عدنان دائرة «الفتنة»، وكان يجب عليك أولا حسم مسألة «اختلاف القراءات» الموجودة في المصاحف التي بين أيدي المسلمين اليوم، لأن هذا الاختلاف، بصرف النظر عن حجمه، وعن القراءات الأكثر انتشارا، سيؤثر لا شك على نتائج «المعجزة الكبرى»؟!

أولا: إن الباحث المسلم، المتدبر لكتاب الله، يستحيل أن ينكر ما حمله هذا الكتاب من براهين دالة على أنه كلام الله، وأن محمدًا رسول الله وخاتم النبيين، وأن هناك من هذه البراهين «منظومات عددية» تذهل العقول!!

ولكن الإشكال، الذي لا أعلم حتى الآن لماذا أعطى أصحاب «الإعجاز العددي» له ظهورهم، هو:
لماذا لم تقم نتائجهم على حسابات كلمات المصاحف الأربعة الموجودة بين أيدي المسلمين اليوم، والتي أشرت إليها في المنشور السابق؟! أليست كلها كلام الله؟! أم عندكم شك في ذلك؟!

وهل يصح أن يكون من بين نتائج «المعجزة الكبرى» عودة عيسى عليه السلام آخر الزمان، استنادا إلى معجزة «العدد ١٩»، ثم يأتي آخر ويثبت بحسابات قراءة قرآنية أخرى، استحالة عودته؟!

وهل يصح ونحن في رحاب «المعجزة الكبرى»، وخلال حوار المهندس عدنان مع علاء بسيوني عن ملك اليمين، أن يقول:

«فالقرآن لا يقول زوجة إذا لم يكن هناك تناظر في العقيدة، فإذا تزوج الرجل اثنين، واحدة مسلمة والأخرى من أهل الكتاب، فالأولى تسمى زوجة، والثانية تسمى ملك يمين»؟!

وغير ذلك من عشرات الأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان؟!

ثانيا: إن النتائج المذهلة التي جاء بها العدد «١٩» ليست دليلا على أنه آية من آيات الله، ولا على أن المستخدمين له على طريق الحق، ذلك أن الله «جعل» هذا العدد «فتنة»، فكان من الطبيعي أن تذهل نتائجه العقول!!

فهل يعقل أن يجعل الله العدد «١٩» برهانا على «المعجزة الكبرى»، ثم تأتي حسابات ونتائج «المعجزة الكبرى»، على أساس قاعدة بيانات خاصة بمصحف واحد، وهو قراءة حفص عن عاصم، دون حسابات المصاحف الأخرى؟!

لقد قلت في المنشور السابق: «لقد استمعت وقرأت معظم ما كُتب في هذا الموضوع، وسجلت ما استخلصته من نتائج، ولكني وجدت أن بيان هذه النتائج للناس فتنة …»

إن المهندس عدنان الرفاعي عندما علم أنه من الضروري أن يُبيّن للناس لماذا اعتمد في نتائجه على قراءة واحدة، ذهب وكتب رسالة بعنوان: «وكانوا لا يستطيعون سمعا»، ويا ليته ما كتبها، فقد أراد
أن يخرج من حفرة فوقع في بئر!!

لقد ذكر في رسالته أن السبب في اعتماده حسابات مصحف «حفص عن عاصم»، أن يعطي فرصة لغيره لإظهار ما في القراءات الأخرى من معجزات!!

وغاب عن المهندس عدنان، أن النتائج المبهرة التي توصل إليها بحسابات مصحف «حفص»، سيأتي من ينقضها بحسابات مصحف «قالون»، الذي تتعبد به اليوم بلاد كثيرة، منها ليبيا وتونس، أو بحسابات مصحف «ورش»..، فعند من «المعجزة الكبرى»؟!

ثالثا: يقول المهندس عدنان «ص٨»، عن مسألة عودة عيسى عليه السلام:

«نرى في هذه العبارة ذاتها، التي نطق بها مرتين قبل رفعه إلى السماء دون كلمة «هو» كما رأينا، نرى فيها ذاتها بعد عودته ورود كلمة «هو» للتأكيد بوضع حد للافتراء الذي وقع عليه ( ما بين عودته ورفعه) من قبل ِ أهل الكتاب: «إن هذا هو ربي وربكم فاعبدوه…».

ثم قال: ولذلك نرى أن هذه العبارة التي سينطق بها في عودته، هي وحدها مسألة كاملة، بمعنى: من المضاعفات التامة للعدد «١٩» دون زيادة أو نقصان»!!

ويقول في رسالة أخرى بعنوان: «المسيح بين الصليب والعودة»، «ص١٤»:

وتأتي الآية التالية مباشرة ً لتبين لنا مسألة ً هامة ً جد ًا هي عودة المسيح عيسى ابن ِ مريم، عليه السلام ، وبدليل ٍ جلي واضح ٍ وضوح الشمس وسط النهار ..

«وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا»

ثم قال: «والحقيقة أن ما أذهب إليه في عودة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ناتج عن تدبري لكتاب االله تعالى، وعن امتلاكي للأدلة والبراهين الدامغة من كتاب االله تعالى»!!

والسؤال: إن مسألة كمسألة عودة عيسى عليه السلام، والتي تعد من أصول الإيمان، هل يمكن أن تُستنبط بالمعادلات الرياضية، والتفسيرات الباطنية، والدلالات الظنية؟!

إن المصدر المعرفي الوحيد الذي يحمل الدلالة القطعية على عودة عيسى عليه السلام هو مرويات الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، وجاء العدد «١٩» ليثبت للناس صحة هذه «المرويات»، بل وصحة ظهور المهدي المنتظر والمسيح الموعود إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية!!

رابعا: ويقول المهندس عدنان «ص٤٤»، عند حديثه عن دقة وإبهار نتيجة من نتائج بحثه: «إطلاق النص القرآني لا يقبل أي تبديل أو حذف أو إضافة لحرف واحد»!!

والسؤال: هل «النص القرآني» خاص فقط بقراءة «حفص عن عاصم»، أم بالقراءات القرآنية الأخرى؟!

ويقول «ص ٤٩»: «فهل من الممكن حذف حرف الواو من كلمة «ويقول»، في قوله تعالى في سورة المائدة «الآية ٥٥»: « وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ»؟!

الجواب: نعم ممكن، ومرفق صورة من آية سورة المائدة، فيها كلمة «يقول» حسب قراءة «قالون».
ويقول «ص٥٥»، لبيان استحالة حذف حرف من كتاب الله، أو إضافة حرف، أو إبدال حرف بحرف:

«فهل من الممكن حذف حرف الواو من كلمة «وتوكل» في قوله تعالى في سورة الشعراء «الآية ٢١٦»: «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ»، واستبداله بحرف الفاء؟!

الجواب: نعم يمكن، ومرفق صورة لكلمة «فتوكل» من مصحف «قالون»!!

فأين كتاب الله الذي حمل «المعجزة الكبرى»؟!

وطبعا لا ننسى ما ذكرته في المنشور السابق، عن الفهم غير الواعي للمصطلحات الفلكية التي حملتها الآيات التي تحدثت عن مواقيت الصلوات، ومنها «غسق الليل»، الذي استند إليه المهندس عدنان في استنباط عدد ركعات الصلوات من كتاب الله، ولقد كتبت مقالا على هذه الصفحة، بعنوان: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»، لبيان الفرق بين الليل وغسق الليل.

خامسا: لقد كتبت مقالا على هذه الصفحة بعنوان: «القرآن آية إلهية رغم اختلاف مصاحفه»، قلت فيه:

١- «يستحيل أن يُثبت أحد، من الإنس والجن أن هذه الجمل المدونة في المصحف هي كلام الله عن طريق علم الرواية والإسناد، ذلك أن آخر ما يمكن أن يتوصل إليه هذا العلم هو إثبات مدى صحة النسبة إلى رسول الله، وليس إلى الله تعالى، وهذا هو مربط الفرس».

٢- « إن الله تعالى عندما أراد أن يقيم الحجة على المكذبين بنبوة رسوله محمد، لم يطلب منهم أن يأتوا بكلمة من كلمات هذا القرآن، أو برسم مختلف لها، أو بإعراب مختلف، أو أن يغيروا الفعل الماضي إلى الحاضر أو المستقبل…، وإنما طلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فعجزوا أن يأتوا حتى بمثل سورة الكوثر، فهل اختلفت سورة الكوثر، بجملها الثلاث، الموجودة في هذه المصاحف بقراءاتها المختلفة؟!»

٣- « إن الآية العقلية الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، هي كتاب الله الخاتم، ورسالته إلى الناس جميعا، هي القرآن الكريم، ولا تثبت حجية هذه الآية بنصوصها المدونة في المصاحف فقط، وإنما بتفاعلها مع «المقابل الكوني» لها في هذا الوجود، ولقد سبق أن ذكرت البراهين الدالة على ذلك في مقالي: حجية القرآن ليست في نصوصه فقط، وإنما في مقابلها الكوْني».

٤- « والسؤال: مع وجود عشرات الدراسات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي تجيب عن جميع شبهات المشككين في حفظ الله لكتابه، وتبين الحكمة من اختلاف المصاحف، هل وجدنا قارئ من القراء، على مر العصور، استغل مسألة اختلاف المصاحف، للطعن في حفظ الله لكتابه، وفي صدق «نبوة» رسول الله محمد؟!

الجواب: « أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»، انتهى النقل من المقال.

ولقد ذكرت في هذا المقال بعض الأمثلة، التي تبيّن كيف أظهر من لهم دراية بعلم «البيان»، الحكمة في اختلاف بعض كلمات المصاحف الأربعة، وأنها مجتمعة تمثل «الآية القرآنية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، بعيدا عن «المعجزة الكبرى»، وفتنة العدد »١٩»!!

« أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا »

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى