نحو إسلام الرسول

(488) 18/7/2016 (لماذا يُداهنون الكافرين بالنبوة الخاتمة؟)

عجيب أمر المسلمين، الذين لا يعلمون، ولا يتدبرون، ويُصرّون على جهلهم بكيفية التعامل مع السياق القرآني، ثم تراهم يُعجبون بأصحاب القراءات الشاذة للقرآن، لأنهم يُحلّون لهم ما حرم الله، من أجل مسايرة العصر، والأفكار المستنيرة!

عجيب أمر المسلمين، الذين يجعلون هواهم حاكمًا على النص القرآني، خوفًا من غضب أصدقائهم أو أزواجهم، «غير المسلمين»، إذا ما أثير موضوع كفر من لم يتبع رسالة النبي الخاتم محمد، عليه السلام!

ولولا أن هذا الموضوع، وهذه الحقيقة القرآنية، بكفر من لم يتبع النبي الخاتم، من المواضيع المتعلقة بملة الوحدانية، وأن الذين يعارضون كفرهم، جماعة من المسلمين، الذين يُحرفون الكلم عن مواضعه، ما كتبت سطرًا واحدًا في هذا الموضوع!

لقد نزلت الآيات القرآنية تضع الحدود، وتكشف الحقائق، وتبيّن ما اختلف فيه أهل الكتب السابقة، وما كانوا يخفونه، وأمرهم الله كما أمر الناس جميعا، باتباع النبي الخاتم محمد، وقد فصلت ذلك في المنشور السابق.

إن الذي حكم بالكفر على من لم يتبع رسول الله محمد، هو الله تعالى، وليس محمد مشتهري، ولقد أمر الله رسله، والذين آمنوا معهم، بالحكم بالكفر على كل من حكم الله بكفرهم، حتى لا تختلط ملل الكفر بملة الوحدانية، وتضيع الشريعة الإلهية، الأمر الذي يسعى إليه أصحاب القراءات العصرية، بتحريفهم لمفهوم «الإيمان»، و«الإسلام»، ليشمل كل الملل والنحل الدينية واللادينية، التي تحقق الأمن والسلام!!

إننا عندما نريد أن نقف على حكم الشريعة القرآنية، في الذين لم يؤمنوا بالنبي الخاتم محمد، علينا نتعرف على الملل والنحل التي كانت موجودة وقت نزول القرآن، والتي خاطبها الله بأسمائها، وهي:

١- «المؤمنون»: الذين أقروا بأصول الإيمان، وأسلموا وجوههم لله تعالى، وآمنوا برسول الله محمد، واتبعوا رسالته، ومعظمهم كانوا من المشركين ومن أهل الكتاب.

٢- «الكافرون»: الذين ظلوا على ملة الكفر، ولم يؤمنوا برسول الله محمد، ولم يتبعوا رسالته، من أهل الكتب السابقة وغيرهم.

٣- «المشركون»: الذين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ولم يؤمنوا برسول الله محمد، ولم يتبعوا رسالته.

٤- «المنافقون»: وهم الذين داهنوا ونافقوا رسول الله والذين آمنوا معه، من جميع الملل السابقة، الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر.

وإن جميع الآيات التي جاء سياقها يتحدث عن أهل الكتاب، هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالنبي الخاتم محمد، تقصد المنافقين منهم، الذين فضح الله مخططاتهم ومكائدهم، وهم يذهبون إلى النبي «نفاقا»، ويطلبون منه التحكيم في شأن من شؤونهم، وهم لم يؤمنوا به أصلا!!

هؤلاء هم الذين قال الله لرسوله: « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ »، ثم ما هو الضرر الذي يمكن أن يصيب رسول الله منهم: « وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً»، إذا كانوا مؤمنين مع عدم اتباع رسول الله محمد وشريعته؟!

ثم لماذا ذهبوا بأنفسهم إلى النبي ليحكم بينهم، وهم لا يؤمنون به أصلا، فقال الله لرسوله، من باب التعجب من أحوالهم وأفعالهم:

« وَكَيْفَ (يُحَكِّمُونَكَ) وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ( ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ) وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ»

لقد وصف الله الذين ذهبوا إلى النبي للتحكيم بقوله: «وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ»، ثم يأتي من لا علم لهم بتدبر السياق القرآني، ويقولون إنهم «مؤمنون»، ولكن الله لم يأمرهم باتباع النبي؟!

إنه لا يوجد في كتاب الله مطلقا، دليل يصف الكافرين، أو المشركين، أو المنافقين، بـ «المؤمنين»، فكيف يدعي أصحاب وأنصار القراءات العصرية «الشاذة»، أن الذين كفروا من أهل الكتاب «مؤمنون»؟!

لقد بيّنت في المنشور السابق المفهوم القرآني لـ «الإيمان»، وأن الفصل بين «الإيمان» و«العمل»، كما هو مذهب الأشعرية وداعش، وراء كل المصائب التي تحدث من تكفير وإفساد في الأرض، وسفك للدماء بغير حق، ثم يأتي هؤلاء الفلاسفة ويقولون: إن أهل الكتاب مؤمنون بالله ورسوله قلبا، ومتبعون شرائعهم عملا!

لقد بيّن السياق القرآني، كيف تعاملت الملل المختلفة مع «النبوة» الخاتمة، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، ومنهم من نافق، فتدبر:

« مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»

وتدبر قوله تعالى:

« لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ … وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»

فهل عبد « الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ … اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ»؟!

إنهم إذا عبدوا الله « مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ…»، لكانوا مع القسم الأول «مؤمنين»!!

وتدبر قوله تعالى:

« يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

يقول الله تعالى لأهل الكتاب: « فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ»، ردًا على حجتهم يوم القيامة: «مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ»، وقولهم هذا يشهد أنهم لا يتبعون رسلهم أصلا، إذن فلماذا جعل الله رسوله محمدا يبشرهم وينذرهم، إذا كانوا غير مأمورين باتباعه؟!

فمن وراء هذه البدعة التي قامت على تحريف آيات الذكر الحكيم، والتقول على الله بغير علم، لإبقاء أهل الكتاب على إيمانهم، وعلى إسلامهم، مع كفرهم بالنبي الخاتم محمد، ومعلوم قرآنيا أن الكفر برسالة أي نبي، كفر بالله تعالى؟!

وتدبر قوله تعالى:

« وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا..»

كيف يقول الله تعالى لرسوله عن أهل الكتاب: «وَلَا تَتَّبِعْ (أَهْوَاءَهُمْ) عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ»، ثم يكون معنى « لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا»، إقرارا من الله بأن شريعة أهل الكتاب حق؟!

إن قوله تعالى: « لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» يُسمى تعليل للنّهي الوارد قبلها: «وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ»، أي إذا كان كتابك مهيمنًا على الكتب السابقة، وهم لا يريدون اتباعك، وإنما اتباع أهوائهم «عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ»، فاتركهم لشريعتهم، وتمسك أنت بشريعتك، كما قال الله تعالى لرسوله:

« ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا، وَلَا تَتَّبِعْ (أَهْوَاءَ) الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»

كيف تكون شريعتهم حقًا، وهم يقتلون الأنبياء، ويقولون:

« وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ، ( قَاتَلَهُمُ اللَّهُ )، أَنَّى يُؤْفَكُونَ»

إن قوله تعالى: « لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا»، يعني أن لكل أمة شريعتها ومنهاجها، وأن على الناس، حسب سنن الاختيار، أن يتبعوا الشريعة الحقة: « وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ»، من آليات التفكر والتعقل والتدبر.. لاختيار الحق!!

وطبعا نتيجة هذا الاختيار ستكون في الآخرة: «إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»، وليس معنى هذا أن المرء لا يستطيع الحكم على الناس في الدنيا بظاهر أعمالهم وتصرفاتهم، وإلا فكيف يكون الحكم بين الناس بما أنزل الله، والله تعالى يقول:

«وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ»

لقد كفلت الشريعة القرآنية حرية الاعتقاد لكل البشر، وكل ملة من حقها أن تكفر بالملل الأخرى، فلا إكراه في الدين، ولكن هل معنى هذا أن تذوب الملل في ملة واحدة، فلا يُعرف من هو المسلم، ومن هو الكافر، ومن هو المنافق؟!

ما هذا التغييب الإيماني العقلي؟!

إن الإشكال في كفر من لم يتبع النبي الخاتم محمد، يظهر عندما نخلط بين كفر أتباع كل ملة بالملل الأخرى، والذي هو أمر طبيعي حسب سنة الاختيار، وبين ترتيب الأحكام الفقهية على هذا «الكفر»، ليصبح جريمة تعاقب عليها الشرائع المذهبية، الأمر الذي لا يعرفه الإسلام، فليس في كتاب الله عقوبة في الدنيا على «الكفر»، حتى لو كان كفرًا بالله ورسوله.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى