نحو إسلام الرسول

(487) 17/7/2016 (تعليقات وأسئلة الأصدقاء)

Jamal Abdulrahman
تعليقا على مقال: «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، المنشور على هذه الصفحة بتاريخ «٢٣ مايو ٢٠١٦»، يقول الصديق جمال عبد الرحمن:

«رب العالمين سبحانه وتعالى أمرنا ( نحن أمة محمد) أن نؤمن بجميع الأنبياء والرسل وجميع الكتب السابقة، لكنه تعالى لم يأمرنا بإتباع الرسل والكتب السابقة بل أمرنا بإتباع القرآن ورسولنا محمد ..»

أولا: إن الكتاب الإلهي الخاتم، القرآن الكريم، رسالة عالمية وليست قومية، أمر الله الناس جميعًا الإيمان بها وبالنبي الذي حملها، والعمل بما جاءت به.

والإشكال في عدم فهم هذه الحقيقة القرآنية سببه الفهم الخاطئ لـ «مفهوم الإيمان»، والفصل بين «الإيمان» و«العمل»، كما هو مذهب الأشعرية وداعش، الأمر الذي جعل شيخ الأزهر لا يستطيع تكفير داعش لأنهم «مؤمنون»، ولو ارتكبوا كبائر وفظائع الدنيا كلها!!

والغريب أن نجد أصحاب القراءات العصرية، الذين يدّعون «الاستنارة»، يتفقون مع السلفية الأشعرية والداعشية، في أن مجرد «الإيمان» بالله ورسله واليوم الآخر يُدخل الجنة، وإن لم يعمل المرء بمقتضيات هذا «الإيمان»!!

واللافت للنظر، أني صححت هذا المفهوم الخاطئ عن «الإيمان» في كثير من المقالات، ومنها المقال موضوع هذا المنشور: «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، وبيّنت أن «الإيمان» في المفهوم القرآني: «إقرارٌ واتباعٌ وعملٌ»، وهذا الفهم يعلمه كل متدبر لآيات الكتاب.

ثانيا: لقد أمر الله تعالى الناس جميعًا بالإيمان بالنبي الخاتم محمد واتباعه، وجاء ذلك في السياق القرآني بالدلالة القطعية، التي لا تحتمل أي شبهة أو اختلاف، ومن ذلك قوله تعالى:

« قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »

فماذا يفهم المتدبر لكتاب الله من قوله تعالى مخاطبًا الناس جميعًا: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»؟!يفهم وجوب «الإيمان» بالنبي الخاتم.

وماذا يفهم المتدبر لكتاب الله من قوله تعالى مخاطبًا الناس جميعًا: « وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »؟! يفهم وجوب «اتباع» النبي الخاتم.

ثالثا: إن «أمة محمد»، هم من الناس الذين أمرهم الله في الآية السابقة بالإيمان بالنبي الخاتم واتباعه، فآمنوا بالنبي واتبعوه، والذين لم يؤمنوا بالنبي ولم يتبعوه، فهؤلاء هم الذين كفروا به وبرسالته، وبالآية التي حملتها هذه الرسالة الدالة على صدق نبوته.

فهل يمكن أن يأمر الله تعالى قومًا بالإيمان برسوله، دون أن يؤيده بالآية الدالة على صدق نبوته؟!

فأين هي «الآية الإلهية» التي يحملها أهل الكتب السابقة اليوم، الدالة على صدق نبوة رسلهم؟!

فكيف يبيح الله تعالى لأهل الكتب السابقة اتباع كتبهم وشرائعهم، وعدم اتباع شريعة النبي الخاتم محمد، وهم لا يملكون البرهان على صدق نبوة رسلهم؟!

رابعا: ثم يقول الصديق جمال:
«وكذلك الحال بالنسبة لأهل الكتاب فقد أمرهم الله أن يؤمنوا بجميع الأنبياء والرسل بمن فيهم محمد وان يؤمنوا بجميع الكتب ومن ضمنها القرآن، كشرط أساسي لإيمانهم، لكنه تعالى لم يلغي كتبهم أو شرائعهم بل، وبموجب القرآن ، أمرهم أن يتبعوا شرائعهم مع بعض التعديلات عليها الواردة في القرآن ..»

لقد أخبرنا الله تعالى في القرآن، أن أهل الكتب السابقة حرّفوا كتبهم، والكتاب الوحيد، الذي يحمل البرهان على صدق نبوة الرسل السابقين، هو كتاب النبي الخاتم محمد، القرآن الكريم، فكيف يأمر الله أهل الكتب السابقة باتباع كتبهم وشرائعهم المحرفة؟!

ثم ما معنى أن الله «أمرهم أن يتبعوا شرائعهم مع بعض التعديلات عليها الواردة في القرآن ..»؟!

هل سيتبعون كتابهم أم سيتبعون القرآن؟! ثم كيف يقبلون التعديلات الواردة في القرآن وهم أصلا ليسوا مأمورين باتباعه، كما يقول الصديق جمال؟!

خامسا: هنا تظهر خطورة اتباع القراءات العصرية، التي أسميها بالقراءات «الشاذة» لكتاب الله، التي تقوم على «العشوائية الفكرية»، لإرضاء توجهات فكرية لا علاقة لها أصلا بالدين الإسلامي!!

لقد تميزت هذه القراءات الشاذة بمنهج «القص واللصق»، الذي تستخدمه دائما عند تعاملها مع كتاب الله، فتأتي إلى آيات كآيات سورة المائدة، «٤٣-٤٥»، التي استدل بها الصديق جمال، وتعتبرها دليلا على مذهبها الشاذ، وذلك لجهل أصحابها بعلم السياق، وعلم البيان، وأساليب التعابير القرآنية!!

فتعالوا نتدبر بعض الآيات، التي جاءت بعد الآيات التي ذكرها الصديق جمال، والتي تعتبر استكمالا للسياق، فيقول الله في الآية «٤٩» مخاطبا رسوله:

« وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ »

إن قوله تعالى: « وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ » دليل على أن الله أمر رسوله أن يحكم بينهم بالقرآن، فإن تولوا عن حكم الله في القرآن فإن: « كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ »، وهم الذين يريدون حكم الجاهلية:

« أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ »

ثم يتحدث السياق عن الضوابط التي يجب مراعاتها في العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب، ثم يقول في الآية «٥٩»:

« قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ».

تدبر « وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ »، فهذا الخطاب لأهل الكتاب المعاصرين للنبي الخاتم محمد.

ثم يستكمل السياق الحديث عن مكائد أهل الكتاب، ونفاق الكثير منهم، ثم يقول في الآية «٦٥»:

« وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ »

فما معنى «آمَنُوا وَاتَّقَوْا»؟! هل كانوا «مؤمنين – متقين» والله يطالبهم بمزيد من الإيمان والتقوى؟!

ادعاء غير صحيح، لبداية الجملة بقوله تعالى: « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ »!!

ثم ما معنى قوله تعالى بعدها في الآية «٦٦»:

« وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ »؟!

هل كانوا يقيمون التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ والقرآن، والله يطالبهم بمزيد من الإقامة؟! ادعاء غير صحيح، لبداية الجملة بقوله تعالى: « وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا »!!

إن أهل الكتاب الذين كانوا موجودين في عصر الرسالة، ولم يتبعوا النبي الخاتم، هم الكفار الذي ذكرهم الله في سورة البينة، فقال تعالى:

« لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ . رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً . فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ»

وعندما يقول الله في الآية «٦٨»، استكمالا لسياق آيات سورة المائدة:

« قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ »

هل كانوا «عَلَى شَيْءٍ» والله قال لهم «لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ»؟! ثم ما معنى «حتى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ»؟!

وما معنى «وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ»؟! أليس معناها أن القرآن أُنزل إليهم أيضًا، وأنهم مأمورون باتباعه، وكل ذلك خطاب لأهل الكتاب في عصر الرسالة؟!

الخلاصة: إن كل إنسان وصلته رسالة النبي الخاتم محمد، وما حملته من «آية قرآنية» دالة على صدق نبوته، ولم يتبعها، فهو من «الكافرين» الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه الحكيم.

ملحوظة: أعلم أن هذا الموضوع سيثير جدلا عقيما، لذلك أرجو أن تكون التعليقات في حدود ما ورد في المقال وهذا المنشور من أفكار وبراهين قرآنية، وأي تعليق سيأتي خارج هذه الحدود سيتم حذفه.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى