نحو إسلام الرسول

(486) 16/7/2016 (عندما يكون «المتبوع» مُفتيًا، و«التابع» جاهلاً)

في «٢٢-٦- ٢٠١٦» كتبت منشورا بعنوان: «مازال هناك من يحاول تشغيل الاسطوانة (المكسورة) دون جدوى»، بيّنت فيه تهافت الردود التي صدرت عن المؤسسات الدينية للفرق والمذاهب المختلفة، دفاعًا عن مصادرها الثانية للتشريع، التي حملت مرويات «السنة المذهبية» التي نسبها رواة كل فرقة إلى رسول الله، والتي إن صحت عند فرقة، لم تصح عند أخرى.

ولقد سألني بعض الأصدقاء، لماذا قلت إن «الاسطوانة مكسورة» ولم تقل إنها «مشروخة»، كما هو مشهور ومعروف؟!

والجواب له قصة:

أولا: في أوائل الثمانينيات، وبعد رحلة علمية بين علماء الفرق الإسلامية المختلفة، قمت بتسجيل ما توصلت إليه من نتائج، حول أزمة «التخاصم والتكفير» التي تشربتها قلوب علماء الفرق الإسلامية، في دراسة سميتها «نحو تأصيل الخطاب الديني»، وكنت من فترة إلى أخرى، أنشر بعض موضوعاتها في مقالات، وأعقد لها بعض الندوات، الأمر الذي أثار غضب علماء الأزهر.

ولكن لماذا؟!

لقد كان والدي، الشيخ عبد اللطيف مشتهري، يعمل مديرا عامًا للوعظ بالأزهر، وإمامًا لأهل السنة والجماعة، ورئيىسًا عاما للجمعيات الشرعية، فكيف يُنكر ابن إمام أهل السنة، «السنة النبوية»؟!

لقد زاد منصب والدي الديني من «محنة الفتنة، ومنحة الابتلاء»، وفي هذا السياق كتب الإعلامي سليم عزوز، على موقع د. أحمد صبحي منصور، «السبت ٣٠ يونيو ٢٠٠٧»، مقالا بعنوان « حكايتي مع مزدري الأديان »، فقال عن زيارة قمت بها للدكتور أحمد في بيته:

«وكان معنا عالم آخر هو الدكتور محمد سعيد مشتهري، ابن إمام أهل السنة الشيخ عبد اللطيف مشتهري، الذي كان مع صبحي منصور علي الخط، لكنه كان يتقدم خطوة ويتأخر أخري احتراما لموقع والده الديني، تناولنا إفطارنا، فقد كانا صائمين أيضا، وصلينا المغرب جماعة، وأَمَّنَا الدكتور مشتهري، الذي كان ضمن ثلة من أساتذة الجامعات المعارضين، الذين فصلهم الرئيس السادات في أواخر أيامه».

ثانيا: لقد اقتضى منصب والدي عقد مناظرات مع علماء الأزهر، لأبيّن لهم أن مشروعي الفكري لا يخاطب علماء فرقة بعينها، وإنما يخاطب علماء الفرق الإسلامية مجتمعين.

ومع تكرار هذه المناظرات، مع علماء الفرق المختلفة، لاحظت أن التوظيف المذهبي للآيات القرآنية التي تحدثت عن وجوب طاعة الرسول والتحذير من مخالفة أمره، جاء توظيفًا واحدًا، وكأنها «اسطوانة» يتكرر إذاعتها في كل مناظرة!!

لقد ضاق صدري، وأنا أستمع في كل مناظرة إلى نفس «الاسطوانة المشروخة»، وأرى سهام التكفير والردة توجه نحوي، ولا يملك علماء الفرق المختلفة غير هذه البضاعة المتهافتة، فقلت لهم: « يعني هوه مفيش عندكم اسطوانة تانية غير هذه الاسطوانة المشروخة »؟!

لقد قررت بعدها ألا أعقد مناظرة مع علماء أي فرقة، ولذلك عندما صادرت مؤسسة الأزهر هذه الدراسة، «نحو تأصيل الخطاب الديني»، وسُجنت بسبب هذه المصادرة، وطلبت مني هيئة التحقيق الموافقة على عقد مناظرة مع هيئة من كبار علماء الأزهر لمناقشتي في هذه الدارسة، فهل وافقت؟!
سنرى بعد قليل.

ثالثا: لقد كان الشيخ محمد الغزالي، من علماء أهل السنة الذين حاورتهم حول موضوعات هذه الدراسة، وحول ما حملته من ردود علمية على شبهات هذه «الاسطوانة المشروخة»، التي قامت على التوظيف الباطل للآيات القرآنية.

لقد حكمت بعض المذاهب السلفية على الشيخ الغزالي بالردة والكفر، بعد أن نشر عام «١٩٨٩م» كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، فذهبت إلى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، «د. عبد الله المشد»، وأعطيته نسخة من هذه الدراسة، لعرضها على لجنة الفتوى ومناقشتها.

لقد طلبت من لجنة الفتوى وضع حد للفتاوى التكفيرية التي يرفعها علماء كل فرقة في وجه المخالفين لهم، وذلك في ضوء الدراسة التي قدمتها لهم، وأن يجيبوا على هذا السؤال:

«ما حكم من أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، هل يعد كافراً؟!»

وبعد حوارات ومداولات، جاء رد لجنة الفتوى، في «١- ٢ -١٩٩٠م» على النحو التالي:

«من أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، فهو منكر لشيء اختلف فيه الأئمة، ولا يعد مما علم بالضرورة، فلا يعد كافراً».

ولقد قمت بتقديم هذه الفتوى إلى الشيخ محمد الغزالي، فقام بدوره بنشرها في أول كتاب صدر له، بعد غمزه ولمزه وتكفيره، وهو كتاب «تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، الفصل التاسع، على هامش السنة».

رابعا: لقد قدمت إلى هيئة التحقيق، أصل هذه الفتوى الصادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر، هذا الأصل الذي لا يملكه أحد غيري، والمختوم كما يقولون بـ «ختم النسر»، والذي يُبيّن لأهل البصيرة، أنه ما كان لهيئة دينية مذهبية، أن تصدر مثل هذه الفتوى، إلا إذا وجدت نفسها أمام دراسة علمية جادة، استلمتها بصورة رسمية، وكان عليها أن تقوم بالرد عليها رسميا.

من أجل ذلك، رفضت مناظرة هيئة من كبار علماء الأزهر، وطلبت من هيئة التحقيق الاطلاع بنفسها على موضوعات الدراسة، وعلى هذه الفتوى، فإذا تبيّن لها أني لا أخاطب فرقة «أهل السنة»، وإنما أخاطب علماء الفرق المختلفة، فعليها أن تعقد هذه المناظرة مع هيئة من كبار علماء هذه الفرق مجتمعين.

لقد عجزت هيئة التحقيق عن عقد هذه المناظرة، فهل يُعقل أن يجلس علماء الفرق المختلفة على مائدة واحدة، لأناقشهم في أصول مذاهبهم العقدية المختلفة، وما حملته «الاسطوانة المشروخة» من شبهات متهافتة، دون أن يحدث بينهم صدام فكري، بسبب «أزمة التخاصم والتكفير»، وقد يتطور إلى صدام دموي؟!

لقد انكسرت «الاسطوانة المشروخة»، وأفرجت هيئة التحقيق عني!!

ولكن مازال هناك «صِبية» من المذهبيين، كانوا حتى الأمس لا يعرفون الفرق بين الآية والرواية، يذهبون إلى المؤسسات الدينية الرسمية التي ينتمون إليها، يسألونهم عن حكم « منكري السُنة »، ثم يرسلون لي فتاوى تكفيري وردّتي!!

ومن أجل هؤلاء «الصِبية» كتبت هذا المنشور، ليعلموا من هو «محمد مشتهري»، وأنهم ومؤسساتهم الدينية المذهبية، (إذا ماتوا على حالهم هذا من التفرق) ماتوا مشركين، وسيتبرأ منهم رسول الله محمد يوم القيامة، ويقول لهم:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»، ألم يحذركم الله من التفرق في الدين، وبيّن أنكم (إذا متم على حالكم هذا) متم «مشركين»؟!

ألم تسمعوا قول الله تعالى يخاطبني والذين آمنوا معي:

« فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»

أيها «المذهبيون»: يعني لا عايزين تفهموا هذه الحقيقة القرآنية، التي هي أصل من أصول الإيمان، والتي تبيّن أن التفرق في الدين شرك بالله، ولا عايزين تفهموا «إن الي اختشوا ماتوا»، وأن الاسطوانة المشروخة «انكسرت» خلاص، فماذا أقول غير:

«لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى