نحو إسلام الرسول

(485) 13/7/2016 (منهجية المتبوعين والتابعين)

أولا: المنهجية المذهبية

١- من شيوخ المفكرين

عاش الأستاذ «جمال البنا» معظم حياته مغمورًا، يؤلف الكتب، ويضعها في المخزن، ولا يبيع منها إلا القليل، وعندما أصدر فتوى «جواز التدخين نهار رمضان»، أصبح نجمًا تتنافس على ظهوره معظم القنوات الفضائية، وباع كل مؤلفاته القديمة والحديثة.

فإذا نظرنا إلى الدائرة الفكرية التي عاش الأستاذ جمال البنا حياته بداخلها، وجدناها دائرة فرقة «أهل السنة والجماعة»، لقد كانت قضيته الأولى والأخيرة هي تنقية تراث الفرقة التي وُلد فيها، واستقى معارفه وثقافته الدينية من مرجعياتها.

لقد كان منهج الأستاذ جمال البنا أن تُضبط «الأحاديث» التي نسبها رواة «أهل السنة» إلى النبي بضوابط القرآن، وتوصل هو وفريق العمل، إلى أن الأحاديث التي «لا تلزم» في الصحيحين «٦٣٥»، وعلى هذا الأساس كتب كتابه «تجريد البخـارى ومسـلم من الأحاديث التى لا تـُـلزِم».

لقد اعتبر الأستاذ جمال البنا أن هذا الكتاب هو أول خطوة منظمة وممنهجة لضبط «السُـنة» بضوابط القرآن، ويقصد طبعا مرويات «السُـنة» من وجهة فرقة «أهل السنة والجماعة»، واعتبر أنه بعمله هذا يكون قد قدم شيئًا يُرضي الله ورسوله، فبدأ الكتاب بإهداء إلى رسول الله: «إليك يا سيدى يا رسول الله»!!

ومع ما وضعه الأستاذ جمال البنا وفريق العمل من منهجية مذهبية لتنقية «أحاديث» الصحيحين، إلا أنهم مع ذلك نسوا استبعاد أحاديث أساءت إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام، وخالفت القرآن، ومنها حديث «إرضاع الكبير» الذي ورد في صحيح مسلم، هذا الحديث الذي قامت الدنيا ولم تقعد بسببه.

لقد أصدر رئيس قسم الحديث السابق بجامعة الأزهر، دكتور عزت عطية، فتوى بجواز إرضاع زميلة العمل لزميلها لكي لا تصبح خلوتهما في المكتب غير محرمة، استنادًا إلى حديث «إرضاع الكبير»، الذي لم يستبعده الأستاذ جمال البنا، ومع ذلك حكمت المذاهب السلفية بالردة على جمال البنا، بسبب تفكيره في تنقية مرويات الصحيحين!!

والسؤال: هل دين الله دين مذهبي، يُهدي كل مفكر إسلامي جُهده في تنقية نصوصه، إلى رسول الله؟!

٢- من شباب المفكرين

وإذا نظرنا إلى الدائرة الفكرية التي عاش الأستاذ «إسلام البحيري» حياته بداخلها، وجدناها أيضا دائرة فرقة «أهل السنة والجماعة»، حيث كانت قضيته الأولى والأخيرة، مثل ما فعل جمال البنا، هي تنقية تراث الفرقة التي وُلد فيها، واستقى معارفه وثقافته الدينية من مرجعياتها.

ولم يصبح إسلام البحيري نجمًا إلا بعد أن خصصت له قناة القاهرة والناس برامجا بعنوان: «مع إسلام البحيري»، وعندما تحدث في حلقات هذا البرنامج عن البخاري ومسلم قال:

«احنا ممكن نقول هما أعظم كتابين، لكنه عمل بشري، نستطيع أن ننقد فيه ما ننقد..، هذا لا يعني أنها كتب ضعيفة، بل هي في أعلى علّيين في هذه المسألة، لكن هناك فيها الخاطئ، وهناك الحديث الضعيف، هذا بنص العلماء القدامى والمعاصرين»!!

ثم نقل عن محدث العصر، وتلميذ الشيخ الألباني، الشيخ أبو إسحاق الحويني، مقطعا من فيديو يقول فيه:

«فمعلوم عند العلماء أن أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل هما البخاري ومسلم، ده مش معناه إن البخارى ومسلم مفيش أحاديث فيها أخد ورد، لا فيه أخد ورد»!!

وعندما جلس إسلام البحيري مع الدكتور أسامة الأزهري، والشيخ الجفري في الحوار المشهور (١٧-٤-٢٠١٥)، اعترف في هذا اللقاء أن موطأ مالك أثبت سندا ومتنا من البخاري، وقال:

«أنا لحد الآن رأيي بالمناسبة، إن الموطأ أثبت سندا ومتنا من البخاري.. إلى آخر ما ذكره في الحوار، الذي أقر فيه أنه لا يهدم «الأحاديث» كلها، ولا مذاهب «الفقهاء» كلها، وأنه يؤمن بـ «السنة النبوية»، بعد تنقيتها، طبعا يقصد تنقية مرويات فرقة «أهل السنة والجماعة»!!

إذن فإسلام البحيري، وجمال البنا، وأبو إسحاق الحويني، والأزهري، والجفري، وشحرور، وعدنان الرفاعي، وعدنان إبراهيم، وغيرهم، يُبحرون في مركب واحدة هي مركب «أهل السنة والجماعة»، ويقولون بضرور تنقية تراثها الديني، ولكن لماذا هذه الفرقة بالذات؟!

لأنهم ولدوا فيها، وتربوا علي مائدتها الفكرية!!

ثانيا: المنهجية العلمية

إن المنهجية العلمية، تفرض على الباحث المسلم، أن يعيش داخل الساحة التي انتصر فيها رسول الله على قومه، وأثبت فيها صدق نبوته، وهي ساحة نصوص «الآية القرآنية»، التي لم يستطع الإنس والجن أن يأتوا بمثلها، وليست ساحة مرويات الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، التي ظهرت بعد وفاة النبي بقرون من الزمان!!

إن المنهجية العلمية، تفرض على الباحث المسلم، أن يعيش داخل مفهوم الدين الذي قال الله تعالى عنه:
« وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»

فهل اكتمل هذا الدين الإسلامي، قبل ظهور الفرق والمذاهب المختلفة، أم بعدها؟!

إن ما قدمه شيوخ وشباب المفكرين، السلفيين والقرآنيين والمستنيرين، الذين يُعلنون انتماءاتهم إلى فرقة «أهل السنة والجماعة»، ويعيشون حياتهم الفكرية بين مرجعياتها، سواء بالقبول أو النقد أو النقض..، وما تحمّلوه من إيذاء وابتلاء وتكفير في سبيل تنقية تراث هذه الفرقة، للأسف الشديد لن ينفعهم يوم القيامة!!

منذ ما يقرب من أربعة عقود من الزمان، وبعد رحلة طويلة من الإيمان الوراثي إلى الإيمان العلمي اليقيني، وبعد الوقوف على خطورة المذاهب العقدية المختلفة على تفعيل نصوص «الآية القرآنية» في حياة الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور..، أستطيع أن أعلنها بكل صراحة، وبعيدا عن «الشخصنة»، وأقول:

إنني، وعلى حد علمي حتى تاريخه، لم أر رؤية علمية متكاملة، تحمل أدوات مستنبطة من ذات النص القرآني، تأخذ بأيدي المسلمين إلى الإسلام الذي كان عليه النبي الخاتم، قبل ظهور الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، غير مشروعي الفكري، الذي سميته «نحو إسلام الرسول»، والذي يقوم علي الفهم الواعي:

أولا: لقول الله تعالى في سورة الأعراف:

« وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ . وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »

تدبر قوله تعالى: « أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ »

وأرى، من خلال مشروعي الفكري، أن أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، إذا ماتوا ولم يخلعوا ثوب «الآبائية» المذهبية الضالة المضلة، ماتوا «مشركين»، في ضوء هذا الميثاق، ومازالت الفرصة متاحة أمامهم: « وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »!!

ثانيا: لقول الله تعالى في سورة الروم:

« بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ . فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »

وأرى، من خلال مشروعي الفكري، أن أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، إذا ماتوا ولم يخلعوا ثوب «الفُرقة والمذهبية»، ماتوا «مشركين»، في ضوء هذه الآيات، ومازالت الفرصة متاحة أمامهم:

« وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »

وأرى أن هناك من أصحاب الحسابات المذهبية، من بدؤوا يتحررون من مذهبيتهم، ويعلنون ذلك صراحة على صفحاتهم، ولكن الغريب، اللافت للنظر، أن نجد التابعين، المعجبين، المقلدين لهم بغير علم، يُعلنون في تعليقاتهم طاعتهم وانقيادهم إلى شيخهم بغير علم!!

وكنت أتمنى، ممن تابوا وأنابوا، وعرفوا الطريق إلى صراط ربهم المستقيم، أن يضعوا أيديهم في يد من بدأ رحلته الفكرية، «نحو إسلام الرسول»، في أوائل الثمانينيات، ونعمل سويا في سبيل إنقاذ المسلمين من فتنة الآبائية، وضلال المذهبية، قبل أن يموتوا «مشركين»، ولكن يبدو أن مرض «البغي» ما زال يمسك بالقلوب:

« وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ، فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ »

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى