نحو إسلام الرسول

(483) 5/7/2016 (رسالة إلى السيد رئيس جمهورية مصر العربية)

أفادت وسائل إعلام سعودية مساء الأمس، الإثنين «٤ – ٧- ٢٠١٦» بمقتل ٤ رجال أمن، وإصابة ٤ بجروح بالغة، في تفجير انتحاري قرب الحرم النبوي، كما أفادت بحدوث انفجارات في مناطق أخرى بالسعودية.

سأبدأ من حيث انتهى رئيس الجمهورية، السيد عبد الفتاح السيسي، في خطابه إلى شيخ الأزهر وعلمائه، بمناسبة الاحتفال بليلة القدر، لعام «٢٠١٦م»، حيث قال:

«أنا خايف إن التطرف والغلو إلي احنا إلى الآن لم نجد سبيل حقيقي لمواجهته، وشوفوا خريطة التطرف الموجودة في العالم، وحجم الأعمال التي تتم، وشوفوا تأثيرها على سمعة دينكم، يا ترى أخبارها إيه؟ كل يوم لنا حكاية، قتل وتخريب وتدمير»

نعم، وها هو التخريب والتدمير يصل إلى حرم المسجد النبوي، فهل الذين يفعلون ذلك «مسلمون»؟!

إن مؤسسة الأزهر، بهيئة كبار علمائها، الذين خاطبتهم سيادتكم، يَروْن أن الذين يُخرّبون ويُدمّرون «مسلمون»، وأن أعضاء تنظيم «داعش» «مسلمون»، يحرم تكفيرهم جميعًا، حتى وإن ارتكبوا فظائع الدنيا كلها.

لقد جاء ذلك في اللقاء المفتوح الذي عُقد بجامعة القاهرة، في الأول من ديسمبر عام «٢٠١٥م»، في سياق إجابة فضيلة شيخ الأزهر على سؤال عن حكم تكفير «داعش»، وقد قمت بالرد على ذلك في مقال لي بعنوان: «عندما يصبح الكافر مؤمنا حسب هوى المذهب»، موجود على الرابط (١) في نهاية المنشور.

ثم قلت سيادتكم:

«الغلو والتطرف يحتاج منا جميعا أن نقف أمامه ونتصدى له، دون أن نخاف أن نُضيّع بهذا التصدي الدين، لأنني أتصور إن إلي احنا فيه ضيع من الدين الكثير، يعني إذا كنا خايفين نتكلم ونتصدى بقوة وبكل وضوح كده، ففي العالم كله، شكل المسلمين وسمعة المسلمين ومكانة المسلمين، ولسنين طويلة قادمة، تأثرت بشدة».

وها أنا في هذا المنشور، سأتصدى علميًا بكل قوة، لأزمة «التخاصم والتكفير» بين المسلمين، كما تصديت لها خلال ما يقرب من أربعة عقود من الزمان، هذه الأزمة التي تقوم المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية للفرق والمذاهب المختلفة برعايتها، والتي هي وراء كل ما يحدث من تخريب لعقول المسلمين وديارهم، وسفك دماء الناس بغير حق.

لقد قلت سيادتكم لفضيلة الإمام شيخ الأزهر: «يا فضيلة الإمام الأوائل والأخيار تصدوا وقالوا إن فيه «٦٠٠ ألف» حديث كاذب، فتصدوا لها ولم يخافوا، ولم يقولوا إن ده يمس كلام النبي..»

وأنا أقول لسيادتكم: إن الأزمة الحقيقية بدأت قبل تدوين هذه الأحاديث بكثير.

لقد بدأت الأزمة الحقيقية عندما اخترقت «الإسرائليات» الشريعة الإسلامية بعد وفاة النبي، بأحكام شريعة ما أنزل الله بها من سلطان، حملها رواة الفرق والمذاهب المختلفة إلى عصر التدوين، واعتبرها أئمة السلف «مصدرًا ثانيًا للتشريع»!!

لقد أباح هذا «المصدر الثاني للتشريع» للمسلمين، أن يسفكوا الدماء بغير حق، بروايات باطلة، وبفتاوى تجعل هذه الروايات حاكمة على فهم النص القرآني، وأهم هذه الروايات وأخطرها، تلك التي حملت عقوبة «الرجم».

أولا: عقوبة «الرجم»

لقد عرف اليهود أن الشريعة الإسلامية جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولتقيم الشهادة على الناس جميعا، فأرادوا ألا تقوم لهذه الشريعة قائمة، فدسوا فيها، بعد وفاة النبي، كثيرا من معتقداتهم المحرفة، ومنها عقوبة «الرجم»، لتصبح الشريعة الإسلامية شريعة دموية.

لقد حذر الله المؤمنين من اتباع معتقدات أهل الكتب السابقة، فقال تعالى في سورة آل عمران:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ . وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»

ويخرج علينا أئمة الخلف، كما خرج أئمة السلف، ويبتعدون بهذه الآية عن مقاصدها، ويقولون:

إن قول الله تعالى: « وَفِيكُمْ رَسُولُهُ »، دليل على أن مرجعية الشريعة الإسلامية هي «كتاب الله»، و«سُنة رسوله»

فإذا ذهبنا إلى هذه «السُنة»، وجدناها مرويات «مذهبية»، أطلق عليها أئمة السلف «المصدر الثاني للتشريع» لتأخذ قدسية في قلوب أتباعهم.

والغريب، أن هذه المرويات «المذهبية»، إن صحت عند فرقة لم تصح عند أخرى، وإن صحت عند مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة لم تصح عند آخر من نفس الفرقة، وإن صحت عند مدرسة من مدارس الجرح والتعديل لم تصح عند أخرى!!

لقد جعل أئمة السلف والخلف، «المرويات الظنية الثبوت عن الرسول، والتي لم يكن رسول الله يعلم عن صحيحها ولا ضعيفها شيئًا، لأنها دُوّنت بعد وفاته بقرنين من الزمان، جعلوها تقوم مقام الرسول نفسه، « وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ».

إن قوله تعالى: « وَفِيكُمْ رَسُولُهُ »، يخاطب الذين كان الرسول «فيهم» قبل وفاته، ثم تخاطب الذين حملوا «رسالته» بعد وفاته، فما علاقة «مرويات» الفرق والمذاهب الإسلامية بشخص «الرسول»؟!

لقد كانت بداية اختراق «الشريعة القرآنية» إيجاد مصدر تشريعي يحمل مرويات تُنسب إلى رسول الله، بدعوى أنها «سنته النبوية»، على أن يكون من خصائص هذه «المرويات»، أن تحمل الصحيح والحسن والضعيف والموضوع..، ليظل باب «الحلال والحرام» مفتوحًا دائما على مصراعيه!!

لقد ظل باب «الحلال والحرام» مفتوحًا على مصراعيه، يدخل منه من يريد أن يقول: «هذا حلال»، ومن يريد أن يقول «هذا حرام»، والله تعالى يقول:

«وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ»

وإن عقوبة «الرجم»، من هذه الأحكام المفتراة على الله ورسوله، والتي اخترقت «الشريعة القرآنية»، من هذا الباب المفتوح على مصراعيه!!

لذلك، أنكر الإمام الشيخ محمد أبو زهرة «شريعة الرجم»، واعتبرها شريعة يهودية، والموضوع مُفصل في مقال لي بعنوان: «عندما يكون الرجم شريعة يهودية، لبست ثوب السنة النبوية»، موجود على الرابط «٢».

ويرجع موقفي من عقوبة «الرجم» إلى عام «١٩٧٢م»، وقت أن كنت داعياً سلفيا، أحمل لطلاب الكليات والمعاهد العليا ثقافة التكفير والتخاصم المذهبي، ثم عندما أباح الشيخ أبو زهرة عن موقفه الشرعي من عقوبة الرجم، ناقشت والدي الشيخ عبد اللطيف مشتهري في ما قاله الشيخ أبو زهرة.

لقد أكد لي فضيلة الشيخ مشتهري، أن كثيرا من علماء الأزهر يؤمنون بما آمن به الشيخ أبو زهرة، ولكنهم يخشون الفتنة إذا أباحوا به، كما يخشون اتهامهم بـ «إنكار السنة».

ويأتي رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، الدكتور يوسف القرضاوي، ويُعبر عن تأييده لأبي زهرة، مؤكدا على أن الرجم شريعة يهودية، وليست من الشريعة الإسلامية، وذلك في برنامج «مراجعات» الذي تبثه قناة «الحوار» الفضائية، والحوار موجود على الرابط (٣).

ثم يأتي الدكتور أسامة الأزهري، المستشار الديني لرئاسة الجمهورية، في حواره مع الأستاذ خيري رمضان، ويمسك العصا من المنتصف، فيُقر بأن عقوبة «الرجم» من الشريعة الإسلامية، وأنها وردت في «حديث صحيح»، إلا أن شروط تحققها تكاد تكون مستحيلة، لأن الشرع جاء بها بصورة شبه افتراضية، ولا تكاد تقع في عدة قرون، والحوار موجود على الرابط (٤).

والسؤال: إذا أصبح الدكتور أسامة الأزهري مفتيا للديار المصرية، وتحققت شروط تنفيذ العقوبة، فهل سينفذها، استنادًا إلى أنها من أحكام الشريعة التي وردت في الحديث الصحيح؟!

الجواب: نعم سيفتي بتنفيذها، وإلا كان عاصيًا لله ورسوله، حسب ما يؤمن به!!

فكيف يُحل سفك الدماء بروايات ظنية الثبوت عن رسول الله، ويعطي ظهره لحكم قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، عن الله عز وجل؟!

ما الفرق بين سفك الدماء بغير حق، بعقوبة «الرجم»، وسفكها بحزام «ناسف»، إذا كانت المرجعية الدينية التشريعية واحدة، وهي «المصدر الثاني للتشريع»، هذا الباب المفتوح على مصراعيه، لتدخل منه مرويات أحكام الحلال والحرام، التي ما أنزل الله بها من سلطان؟!

سيقولون: إن هذا «المصدر الثاني للتشريع» هو الذي تعلم المسلمون من خلاله كيفية أداء العبادات..، والحقيقة أنهم يريدون بذلك إيجاد شرعية لمصدر مفترى على الله ورسوله، وقد بيّنت ذلك في مقال لي بعنوان: «عندما تكون الصلاة حجة من يسفكون الدماء بغير حق»، موجود على الرابط (٥).

ثانيا: استحلال دماء المسلمين في «الفتن الكبرى»

إن الذي منع فضيلة شيخ الأزهر من تكفير داعش، هو مذهبه «الأشعري» الذي يتدين به معظم علماء الأزهر، والذي يقوم على أن الذي يُقر بأصول الإيمان لا يمكن تكفيره، ولو ارتكب فظائع الدنيا كلها، كما ذكر ذلك في اللقاء المفتوح الذي أشرت إليه سابقا.

إن القضية ليست في تكفير أو عدم تكفير المسلمين، وإنما في ماذا قال الله تعالى عن المفسدين في الأرض، الذين «يُصرّون على ارتكاب الكبائر» ليل نهار، بل ويستحلّونها لتصبح شريعتهم التي يُعرفون بها؟!

لقد كانت مسألة بقاء المسلم على إيمانه، مع ارتكابه فظائع الدنيا كلها، هي المخرج الوحيد، لبقاء الذين اشتركوا في أحداث «الفتن الكبرى» على إيمانهم، مع سفكهم الدماء بصورة بشعة لم تتكرر في تاريخ الإسلام السياسي، هذا إذا أخذنا في الاعتبار أن من صحابة رسول الله من اشتركوا في هذه الأحداث!!

لقد ذهبوا إلى آية في كتاب الله، لا علاقة لها مطلقا بما ذهبوا إليه، وإنما وجدوا أنها تصلح عن طريق تأويلاتهم المذهبية، أن تكون هي طوق النجاة لإخراج الذين اشتركوا في أحداث «الفتن الكبرى» من عقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وهذه الآية هي:

«وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»

ولقد قمت بالرد على هذه التأويلات المذهبية، في مقال بعنوان: «عند السلفيين، اقتل أخاك المسلم وادخل الجنة»، وهو موجود على الرابط (٦).

سيادة الرئيس

إن الذين يُفسدون في الأرض، مع سبق الإصرار والترصد، بالتخريب والتدمير والتفجيرات الانتحارية، لا يستندون إلى كتاب الله، وإنما إلى «المصدر الثاني للتشريع» الذي تحميه وتدافع عنه المؤسسات الدينية الرسمية على مستوى جميع الفرق والمذاهب العقدية المختلفة.

إن ما دفعني إلى كتابة هذه الرسالة إليكم، أنكم تحاولون أكثر من مرة، بمناسبة الاحتفال بليلة القدر، تصحيح مسار المؤسسة الدينية، بعد محنة مرت بها البلاد، ولولا لطف الله ورحمته بهذا الشعب، لأصبحنا مثل البلاد التي ضاعت ولم تعد مرة أخرى، فأردت أن أبيّن لماذا يجب أن نتصدى بقوة للمفسدين في الأرض، وكيف السبيل إلى ذلك.

والسبيل إلى ذلك حسب ما أرى:

وجود هيئة علمية من التخصصات العلمية المختلفة، لا تنتمي عقديا إلى أي فرقة من الفرق الإسلامية، تعكف على دراسة وتدبر كتاب الله، لوضع قاعدة لفقه قرآني متجدد يتلائم مع مقتضيات وتحديات كل عصر.

وأقصد بكلمة «الفقه»، استنباط أحكام الشريعة، على الأصول والقواعد القرآنية، وهو ما أمر الله به أتباع الرسل على مر الرسالات، حيث يقول تعالى:

«مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ، وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ، بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ، وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ»

«فقه قرآني» يضمن السلامة والنجاح والرقي والتقدم والاستدامة، لأي نظام يقوم عليه في أي عصر، وفي أي مكان، بعيدا عن منظومة «الفقه السلفي».

«فقه قرآني» يعمل به المسلمون جميعًا، وهم على يقين أنهم حقا يطيعون الله، ويطبقون شريعته، ويتبعون رسوله محمدًا، عليه السلام، بعيدا عن مذاهبهم المتخاصمة المتصارعة.

إنه عمل يتعلق بمصير أمة تخلت عن مسئوليتها وشهادتها على الناس، وعن أمر الله لها بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولا نجاة لها إلا إذا تحملت مسئوليتها وتكاتف علماؤها بتخصصاتهم العلمية المختلفة، لإقامة هذه المنظومة القرآنية الفقهية المعاصرة.

محمد السعيد مشتهري

الروابط:
١-https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/941785162570033:0

٢-
https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/857209024360981:0

٣- https://www.youtube.com/watch?v=pCTBXt2Q4E0

٤- https://www.youtube.com/watch?v=jb5yx4CBWVU

٥-https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/838641182884432:0

٦-https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/901515953263621:0

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى