نحو إسلام الرسول

(482) 3/7/2016 (تعالوا نتعلم كيف يكون الحوار العلمي)

أولا: هناك في علم «السياق القرآني»، ما يُسمى:

١- «السياق الخبري»: وفيه يخبرنا الله بأشياء، لمجرد العلم بها، كالقصص، والإسراء، وليلة القدر…، لنقف على الحكم والمقاصد العليا من إخبارنا بها، كدلائل الوحدانية، والسنن الكونية، وفاعلية أسمائه الحسنى.

٢- «السياق التشريعي»: وفيه يأمرنا الله بفعل أشياء، وينهانا عن أشياء، وهذه الأوامر والنواهي، هي أحكام الشريعة الإلهية، التي يحرم على من أسلم مخالفتها.

فإذا كان المسلم يقرأ القرآن يوميا، ثم جاء شهر رمضان، وتوقف عند قوله تعالى:

« شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»، أو عند قوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ»، أو عند قوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»

ومكث أمام الآية ساعات، يُفكر، ويبكي، ويصلي، ويدعو…، فهو حر، لا يستطيع أحد أن يُحرّم عليه هذا.

أما أن يُحوّل «السياق الخبري» إلى «سياق تشريعي»، ويصبح عليه التزام بالتماس ليلة القدر في أيام معينة من شهر رمضان، بدعوى أن رسول الله أمر المسلمين بذلك، هنا علينا أن نتوقف تماما عن استكمال الحوار، لماذا؟!

لأننا أصبحنا أمام مشكلة «منهجية»، يجب على أطراف الحوار حسمها أولا، وهي ما يُعرف بـ «الحُجّيات»:

١- فهل من حق «الرسول» أن يُشرّع بغير ما أنزل الله؟!

٢- وهل «المرويات» التي نسبها الرواة إلى رسول الله، من نصوص « الوحي الإلهي » الذي أنزله الله على رسوله؟!

٣- وهل نصوص « الوحي الإلهي »، يمكن أن يخترقها الرواة، ثم يأتي جهابذة علم الحديث، لفصل الوحي الصحيح عن الضعيف؟!

٤- هل يمكن أن يبقى المسلم على إسلامه، وهو يؤمن أن « الوحي الإلهي » المنزل منه الصحيح والضعيف والموضوع؟!

هذا هو أول الطريق، نحو حوار علمي هادئ، بعيدا عن العشوائية والجدل العقيم، أن تجيب على هذه الأسئلة، فما جدوى أن يقوم الحوار بين طرفين في الفروع، وهما مختلفان في الأصول؟!

فإذا ذهبنا إلى محمد مشتهري، لمن أراد الحوار معه، فهو لا يؤمن مطلقا بحجية مرويات الفرق والمذاهب العقدية والتشريعية المختلفة، حتى وإن وافقت القرآن!!

فما الذي يدعوني إلى الاقتراب من مصدر تشريعي آتاه الباطل من بين يديه ومن خلفه، لأستقي منه أحكام الشريعة، حتى ولو وافق بعضها القرآن؟!

إن «مرصد الأزهر»، هو أعلى مؤسسة دينية علمية، تم تأسيسها للرد على الشبهات التي توجه إلى الإسلام.

لذلك، وحتى لا نُضيّع الوقت في جدل عقيم، أرجو من الذين يريدون الحوار معي حول حجية هذا المصدر الثاني للتشريع، أن يطّلعوا أولا على المقالات الخمسة، التي قمت فيها بالرد على علماء «مرصد الأزهر». عندما اتهموني بإنكار «سنتهم المذهبية».

والمقالات منشورة على الصفحة، بداية بالمقال بتاريخ «٢٠ – ٤ – ٢٠١٦»، بعنوان: «عندما يدعي علماء مرصد الأزهر أنهم الأمة الإسلامية».

ثانيا: عندما يتفق أطراف الحوار على مسائل تتعلق بموضوع الحوار، لا يصح أن يخرج أحدهم ويعيد ويكرر ما هو متفق عليه!!

مثال: لقد ذكرت في المنشور السابق أن ليلة القدر ليلة مباركة، خير من ألف شهر، ومنطقيا أن تكون مختلفة عن ليالي رمضان، لذلك اختارها الله لبداية إنزال القرآن، فما فائدة أن تأتي تعليقات على المنشور لتُبيّن لي ما ذكرته في المنشور عن فضل هذه الليلة؟!

إن هذه الصفحة، كما قلت أكثر من مرة، مدرسة للتعليم والتعلم، وأنا أول المتعلمين، وعندما يكون أتباع الفرق والمذاهب المختلفة يمثلون الأمة الإسلامية، (من الناحية النظرية طبعا)، وأوجه الخطاب إليهم وأقول: «فانشغل المسلمون بالليلة، ولم يقوموا بتفعيل القرآن…» فإن التعميم هنا (المسلمون) جاء باعتبار الغالبية العظمى، لأنه لا يصح أن نقول «بعض المسلمين» كما ظن البعض!!

ثالثا: عندما ذكرت في ختام المنشور قوله تعالى في سورة الفرقان «الآية ٣٠»:

« وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً »

كان ذلك باعتبار أن الذي سيقرأ هذه الآية سيرجع إلى سياقها، ليعلم أنه يتحدث عن «سبيل الرسول»، وأنه «الذكر»، وهو «القرآن»، وأن الظالمين المشركين هم الذين لم يتبعوا «سبيل الرسول»، وهم «المجرمون» أعداء النبي.

والسياق يبدأ بقوله تعالى «الآية ٢٧»:

« وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً »

« يَا وَيْلَتا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً »

« لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ ( الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ) وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً »

ثم قال تعالى:

« وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا (هَذَا الْقُرْآنَ) مَهْجُوراً »

« وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ (الْمُجْرِمِينَ) وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً »

إن «المجرمين»، أعداء النبي، هم الذين «اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً»، ومعنى «اتَّخَذُوا» أي حملوه، وتدبروا آياته، ثم هجروه ولم يعملوا به، كقوله تعالى: « الَّذِينَ (اتَّخَذُوا) دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا »، أي حملوا الدين، ثم اتخذوه لهوا ولعبا.

فهل حَمَلَ المشركون والكافرون القرآن، ثم اتخذوه مهجورا، وهم الذين كانوا يقولون: «لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ»؟! ما علاقتهم هم بالقرآن، حتى يتخذوه ثم يهجروه؟!

إن العبرة في سياق الآية «٣٠» بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وموضوع اللفظ هنا هو «هجر القرآن»: « إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً »

فلنفترض أن الله تعالى بعث رسوله اليوم، فهل هناك مسلم عاقل يشك في أنه سيقول لربه: «إِن (المسلمين) اتخذوا هذا القرن مهجورا»

أين هو القرآن، وأين هي فاعليته بين المسلمين، وماذا فعلت تلاوتهم له قرونا من الزمان؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى