نحو إسلام الرسول

(479) 28/6/2016 (جدل الأسلوب والمنهج)

واضح أن هناك لبسًا كبيرًا عند كثير من المسلمين، يتعلق بـ «فقه الدعوة»، والفرق بين «منهج» المسلم في الدعوة إلى الله، و«أسلوبه» في عرض هذا المنهج على الناس، ولعل المثال التالي يُبيّن الفرق.

عندما أكون في محاضرة عامة، موضوعها: «مفهوم الشرك في القرآن الكريم»، وأعلم جيدا، بخبرة تقرب من أربعة عقود، ما أحمله في نفسي من حكمة وحلم ولين مع المخالفين لي، من المسلمين المتشددين «المكفرتية»، ومن غير المسلمين، وأن مس أي شيء يتعلق بثوابت تدينهم الوراثي، يغضبهم غضبا شديدا، ثم قام أحد الحضور وسألني:

لقد بيّنت لنا «مفهوم الشرك في القرآن الكريم»، وأنه ينقسم إلى أقسام: قسم يتعلق بشرك «الهوى»، وقسم يتعلق بشرك اتخاذ الأنداد، وشرك التفرق في الدين..، وأنا أحد الذين ينتمون إلى فرقة من الفرق الإسلامية التي تفرقت إلى مذاهب عقدية مختلفة، فهل أنا «مشرك بالله»؟!

هنا يظهر الفرق بين «المنهج» و«الأسلوب»، في الإجابة على هذا السؤال:

فمن حيث «الأسلوب»، إذا قلت له،: «نعم أنت مشرك»، فقد أخطأت، لأني لا أعلم على أي شيء سيموت هذا السائل، فكيف أحكم عليه؟!

إما من حيث «المنهج»، فيجب أن أسأله: هل لديك شبهة في فهم البراهين القرآنية التي عرضتها عليكم في المحاضرة؟!

فإن قال: نعم عندي شبهة، لأنه لا يعلم ما إذا كانت هذه البراهين القرآنية صحيحة أم لا، وهل هذا هو فهمي لها، أم أن ما عرضته هو دلالاتها الحقيقية، هنا أقول له:

إذن فأنت خارج دائرة التحذير والعقاب الإلهي، بشرط أن تتفرغ لدراسة هذه الآيات، وتبحث مع من تثق في علمه عن مفهومها.

ولكن، عندما تعلم أن هذه الآيات فعلا تتحدث عن المؤمنين، أتباع النبي الخاتم، وتحذرهم من الوقوع في الشرك، إن هم تفرقوا في الدين، فإن عليك أن تخلع ثوب «الفُرقة والمذهبية» فورا، وإلا متَّ مشركًا بنص هذه الآيات!

والسؤال: هل هناك «أسلوب» آخر، يمكن أن نعرض به هذه الحقيقة القرآنية، يكون أكثر لينا وحكمة، ولا يُغضب «المذهبيين»؟! ماذا نقول؟!

أم الأفضل أن نوقف العمل بالآيات القرآنية التي تحذر أتباع النبي الخاتم من الوقوع في ما وقع فيه أتباع الرسل السابقين؟!

إن الحقيقة التي لا يعلمها إلا من قضى حياته كلها في جدل وحوار مع أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، من علماء ودعاة ومفكرين، هي:

أننا لو جئنا بخبراء «التنمية البشرية» في العالم، ووضعنا أمامهم هذه الجملة:

« ثم متَّ قبل أن تخلع ثوب الفُرقة والمذهبية، فإنك ستموت مشركًا، بنص هذه الآيات»

وقلنا لهم حاولوا إعادة صياغة هذه الجملة، بأسلوب ليّن جدا، فما هي الصياغة التي نتوقع أن يخرجوا علينا بها، ولا تُشعل غضب المسلمين «المذهبين»؟!

الحقيقة: أن «المسلم المذهبي» في جميع الأحوال والظروف، وباللين أو الغلظة، بالحكمة أو الثورة..، سيغضب سيغضب، حتى لو كان الهواء الذي يتنفسه هو الذي قال له:

«ثم متَّ قبل أن تخلع ثوب الفُرقة والمذهبية، فإنك ستموت مشركًا، بنص هذه الآيات»

لقد عُرف الشيخ محمد الغزالي بالهدوء واللين و«الحلم الكبير»، وكان السلفيون وأعضاء الجماعات الدينية يتسابقون (وبصعوبة) لحجز موعد لإلقاء محاضرة عندهم، وعندما نشر كتابه «السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث»، ومس بعض الثوابت التي ورثها المسلمون، قامت الدنيا ولم تقعد، وانفض من حوله هؤلاء، وكتبوا الكتب في تكفيره!

هذه هي طبيعة «الإسلام الوراثي»، و«المذهبيين» الذين يتبعونه بغير علم، الذين وقعوا في الشرك كما وقع أتباع الرسل السابقين، بعد وفاة الرسل، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى