لا يَعْرف كثير من المسلمين ربهم إلا وقت الحاجة والابتلاء، فنراهم يُصلّون ويدعون ربهم «اللهم .. ربنا .. يا رب ..» أن يقضي حوائجهم، ويرفع البلاء عنهم.
ولا يَعْرِف كثير من المسلمين ربهم إلا في المناسبات، في شهر رمضان، والأعياد، ومناسبات الزواج والولادة..، فتنطلق ملايين التهاني والأماني والمباركات، «اللهم .. ربنا .. يا رب ..».
وبدل أن يُسارع المسلمون إلى مغفرة من ربهم ورحمة، بعد تفرقهم وتخلفهم عن ركب التقدم الحضاري، سارعوا للّحاق بركب الدنيا وزينتها، وأصبح الأساس الذي تقوم عليه علاقاتهم الاجتماعية، ومعاملاتهم المالية والتجارية، هو المصالح المتبادلة، فإذا تعارضت المصالح مع إقامة دين الله في حياتهم، تتقدم المصالح، والدين له رب يحميه.
لذلك قالوا: عليك أن تصاحب الغني تكون غنيًا، وتصاحب العالي تكون عليًا، وغاب عنهم أن من أقام حياته على صحبة الدنيا خسر الدنيا والآخرة، لأن الله تعالى أمرنا ألا نصاحب إلا الأتقياء، لأن صحبتهم هي الوحيدة الباقية في الآخرة: «الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ».
هذه هي الحقيقة التي يعطي المسلمون ظهورهم لها، حتى لا تضيع مصالحهم، وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية، وانظروا حولكم، ولا تضعوا رؤوسكم في الرمال، فمصالحكم مع من؟! وتربية أولادكم مع من؟! ومن الذي يصنع مستقبلهم: المجتمع الإيماني أم المجتمع الشيطاني؟!
إن «إله الهوى» يمسك بقلوب المسلمين بقوة، حتى لا تفر إلى الله، وتقيم مجتمع الإيمان والعمل الصالح، لأن في إقامته هزيمة كبرى لقوته وسيطرته على قلوبهم، فهم وذريتهم في هذا المجتمع، يتواصون دائما بالحق، ويتواصون بالصبر، فلا تكون هناك فرصة لإغواء الشيطان الرجيم ووسوسته.
إن الفتنة التي تغيب دائما عن المسلمين، أن الله يُمْهِل ولا يُهْمِل، فيعتقدون أن إمهالهم وعدم تعذيبهم في الدنيا، دليل على أنهم على صراط الله المستقيم، لأنهم يجهلون كيف تعمل السنن الإلهية في هذا الوجود، فالله تعالى يقول:
«وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ، وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا»
إن هذه الآية الجامعة لكثير من السنن والعظات والعبر، يجب أن يضعها المسلمون على لوحات داخل بيوتهم، ينظرون إليها ليل نهار، ويتدبرونها.
إن هذه الآية تخاطب كل إنسان بمفرده، لأنه وحده الذي يعلم ماضيه، وحاضره، وماذا يريد لمستقبله، وعليه أن يحذر:
ألا يغتر بصحته، ولا بماله، ولا بسلطانه، ولا يحزن على مرضه، وفقره، وضعفه، وعليه أن يسأل نفسه هذا السؤال: من أنا؟!
إن الذي عرف من هو، وماذا قدم لآخرته في مقابل ما قدمه لدنياه، هو الذي عرف أول الطريق إلى الله، وعندها سيشعر أن كل ما يحدث حوله في هذه الدنيا، والذي لا شك أنه يجهل حكمة حدوثه، لا وزن له عنده، بعد أن عرف طريقه إلى الله.
إن أول الطريق إلى الله تعالى، أن تعلم دلائل وحدانيته، وفاعلية أسمائه الحسنى في هذا الوجود، وهذا الطريق لا يُورّث، فليس هناك «وحدانية» بالجينات الوراثية، وإنما «الوحدانية» تقوم على العلم: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».
وعلى أساس العلم بمقتضى «الوحدانية»، يقر الإنسان بصدق «النبوة»، ثم بصدق «الرسالات» التي أرسل الله بها الرسل، ثم الإيمان بالآيات الدالة على صدق بلاغ الرسل عن الله تعالى، ولقد كانت الآية الدالة على صدق بلاغ النبي الخاتم محمد، عليه السلام، عن الله، «آية قرآنية» تُقرأ على الناس إلى يوم الدين.
إن أول الطريق إلى الله تعالى: الإيمان بأن هذا القرآن الذي بين أيدي الناس جميعا، قد حمل «الآية الإلهية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، عليه السلام، الأمر الذي يقتضي أن تتحول بوصلة حياة المسلمين، الذين أقروا بالأصول الإيمانية السابقة، إلى هذا القرآن وحده، يستقون منه منهج ونظام حياتهم، ولا يلتفتون إلى غيره مطلقا.
ومن منطلق هذا القرآن، وتحذير الله للمؤمنين من التفرق في الدين، وأن التفرق في الدين شرك بالله تعالى:
«.. وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
فإن السؤال الذي سيفرض نفسه:
كيف تحمل ساحة الدعوة الإسلامية، نجوما للفكر الإسلامي المعاصر، يتبعهم آلاف المسلمين، وهم أصلا مشركون بالله تعالى؟!
أولا: إنهم يُقرون بأنفسهم، عبر وسائل الإعلام المختلفة، أنهم ينتمون إلى الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا!!
ثانيا: إنهم يتخذون مرجعيات الفرقة التي ينتمون إليها حجة في دين الله، ولو كان حديثًا واحدًا، وقالوا إنه حديث صحيح!!
إنه إسلام المصلحة، مصلحة النجومية، والمداهنة، وإمساك العصا من المنتصف!!
لقد قال أحد الجهلاء يوما، على هذه الصفحة، إن ظُفْر أحد هؤلاء النجوم، بمحمد مشتهري ومشروعه الفكري!!
هذه هي المصيبة الكبرى التي حلت بالمسلمين جميعا، ويبدو أن من رحمة الله بهم أن جعلهم يضعون رؤوسهم في الرمال حتى لا يرونها!!
ولذلك عندما كتبت عن هذه المصيبة منشورا في «١٤ ـ ٥ – ٢٠١٦» بعنوان: «لا عزاء .. فقد مات المُعَزّون»، لم يفهم بعض الأصدقاء ماذا أعني، لأنهم مازالوا يضعون رؤوسهم في الرمال!!
لقد ترك الله الناس لاختياراتهم، ولا عذر في حساب الآخرة بالغفلة، ولا لتحكم ضغوط الحياة ومتطلبات المعيشة، وشهوات الدنيا والمصالح المتبادلة، لأنه تعالى حذر الناس جميعا أن يأتوا يوم القيامة يحملون هذه الأعذار، فتدبر:
* «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا»
* «أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»
* «أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ، أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ»
* «وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»
ومضت قرون وقرون، ولم يرجع المسلمون إلى «إسلام الرسول»، وظلوا يعيشون مع إله الحاجة، وإسلام المصلحة، داخل منظومة «التفرق في الدين»، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!
محمد السعيد مشتهري