نحو إسلام الرسول

(469) 10/6/2016 ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )

يرفض نجوم القراءات العصرية الترادف في القرآن، ولكن، ولغياب «المنهجية العلمية» في مشاريعهم الفكرية، يؤمنون بالترادف ويستخدمونه وهم لا يعلمون، والضحية: هم التابعون لهم، المقلدون بغير علم.

يقولون: «الإطاقة» في قوله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»، تعني «الاستطاعة»، ويكون معنى الآية:

وعلى الذين يستطيعون الصيام، ولا يريدون أن يصوموا، ولا يوجد مانع يمنعهم من الصيام، عليهم إطعام مسكين، ولا ذنب عليهم، وهذه من وجهة نظرهم هي الرحمة الإلهية!!

أما الغلابة المساكين الذين يستحقون الصدقات، فيجب عليهم الصيام، لأنهم لا يملكون المال الذي يُطعمون به غيرهم من المساكين!!

هذا هو إسلامهم الجميل، المريح، السهل، وخاصة بالنسبة لرجال الأعمال!!

فأقول:

إن الإسلام الذي أمر الله تعالى الناس اتباعه، لا يُحمّل هذا العامل المسكين أو غيره من الذين يقف الصيام عقبة أمام عملهم، لا يحملهم الله شيئًا، لا عدة ولا إطعام مسكين: «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا»، وهذا هو التيسير الإلهي.

إن الذي يريد اتباع الحق، عليه أن يبحث عن معنى «يطيقونه» بنفسه، ولا يكون تابعًا مقلدًا بغير علم، خاصة وقد أصبح من السهل جدًا أن يحقق ذلك من خلال أي محرك بحث على شبكة الإنترنت.

إنك لو أردت أن تعلم عدد المرات التي وردت فيها كلمة «يطيقون» في كتاب الله، عليك أن تبحث عنها من خلال جذر الكلمة «طوق»، فستجد الآتي:

١- كلمة «طاقة»، في سورة البقرة «الآية ٢٤٩»:

«فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ (لاَ طَاقَةَ لَنَا) ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ»

[أي لا نملك «الطاقة» التي تجعلنا قادرين على مواجهة جالوت وجنوده].

وقوله تعالى «الآية ٢٨٦»:

«رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا (مَا لاَ طَاقَةَ) لَنَا بِهِ»

[أي لا تحملنا ما يتطلب منا «طاقة» لا نملكها، كي نؤديه كما أمرتنا].

٢- كلمة «يُطوَّقون»، في سورة آل عمران «الآية ١٨٠»:

«سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ»

[أي سيُعذّبون عذابًا فوق «طاقتهم»، عقاب ما بخلوا به].

٣- وهي الآية موضوع البحث:

كلمة «يُطِيقُونَهُ»، في سورة البقرة «الآية ١٨٤»:

«وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ»

[أي وعلى الذين يحتاجون إلى بذل كل طاقتهم لأداء فريضة الصيام]

ولقد كان هذا الحكم على سبيل التخيير، في بداية مرحلة التشريع لأحكام الصيام، يُفهم ذلك من الآية «١٨٦»، كما سبق بيانه في المنشور السابق، ومن الآية «١٨٤»، حيث عطف الحكم على جملة «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، ولم يعطفه على نفس الجملة في الآية «١٨٥».

نفهم من ذلك، أن هناك حالات تحتاج إلى بذل كل الجهد كي تؤدي فريضة الصيام، وأصحاب هذه الحالات قد أدرجوا ضمن حالات المرض الذي لا يُرجى شفاؤه، لذلك لا عدة ولا فدية على أصحاب هذه الأعذار، لأن الله تعالى قال بعد حكم العدة:

«يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ»

فهذه هي كل الآيات التي وردت في مسألة «الطاقة»، فمن أين جاء أصحاب القراءات العصرية أن كلمة «يُطِيقُونَهُ» تعني «يستطيعونه»؟!

لقد أفتوا على أساس هذا الفقه المتهافت، أن الصائم الذي يستطيع الصيام دون أي مشقة، يمكنه أن يفطر، ولا ذنب عليه، بشرط أن يُطعم مسكينًا عن كل يوم!

إن الله تعالى، بعد اكتمال الدين وتمام النعمة، إذا أراد أن يُخيّر المسلمين في أداء حكم من أحكام الشريعة، فجاء السياق القرآني بكلمة «الاستطاعة»، كقوله تعالى:

«وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَتِ ٱلْمُؤْمِنَتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُم مِّن فَتَيَتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَتِ»
فلم يقل: «وَمَن لَّمْ (يطق) مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ»

ويقول الله تعالى:

«فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً»

فلم يقل: «فَمَن لَّمْ (يطق) فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً»

وأكرر: من أين جاء أصحاب القراءات العصرية، والتابعون لهم بغير علم، بأن مفهوم «يطيقون الصيام»، يعني «يستطيعون الصيام»، مع عدم وجود عذر يمنعهم منه، وأن هؤلاء يمكنهم الإفطار، وإطعام مسكين عن كل يوم، ولا وزر عليهم؟!

لذلك أقول: إن هذا هو المنشور الثالث في بيان تهافت هذه القراءات العصرية، فمن أراد التعليق أرجو منه أن يقرأ ويتدبر جيدا المنشورات السابقة، ولا يُعلق إلا بآية قرآنية يصحح بها آية قرآنية أتيت بها، أما الكلام المرسل، ونظام القص من صفحات أخرى، واللصق على هذه الصفحة، فهذا غير مقبول.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى