وأقصد بـ (العالم)، في مشروعي الفكري، هو الإنسان الذي تعلم شيئًا بالبراهين العلمية الدالة عليه، ودرسها وفهمها فهما واعيا، وإن لم يكن هو الذي استخرجها وأثبت حجيتها، ولو كان هذا الشيء هو آية قرآنية واحدة، بعد أن تدبر سياقها، وما إذا كان هناك تفصيل (أو تقييد) لها في مواضع أخرى.
صديقي العزيز محمد السعيد، وضع التعليق التالي على المنشور السابق «اللهم بلغنا رمضان»:
« وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »
ثم علق بعدها بقوله: (حنانيك ،،، يا دكتور)
ولأن استدلاله بهذه الآية القرآنية جاء في غير موضعه، لأن الآية تتحدث عن المشركين الكافرين ببعثة النبي الخاتم، عليه السلام، وصديقي ظن أنها تتحدث عن المسلمين، وفهم (كما هو قول السلفيين) أن الله لن يعذب المسلمين والرسول فيهم، أي وسنته النبوية فيهم…، لذلك أردت أن أرد على هذه الشبهة بمنشور خاص كي تعم الفائدة.
أولا: قوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ »
لقد جاءت هذه الآية (٣٣ من سورة الأنفال) في سياق الحديث عن موقف المشركين من بعثة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، هؤلاء الذين وصل بهم الكفر والاستهزاء بالنبي وبرسالته، أن دعوا الله الذي يشركون به أصلا، فقالوا في الآية قبلها (٣٢):
« وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»
تدبر قولهم « أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ »، الذي جاءت الآية (٣٣) تعقب عليه.
وهنا تأتي أهمية أن يكون (العالم) الناقل للمعلومة القرآنية، على دراية كاملة بالموضوع الذي ينقله، حتى لا يرتكب معصية، ليست ككل المعاصي، لأن التقول على الله بغير علم جريمة كبرى!!
فعلى سبيل المثال، قوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ »، يجب أن يُفهم في إطار قوله تعالى مخاطبا الكافرين المشركين:
« وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ ( وَفِيكُمْ رَسُولُهُ )»
ثانيا: إن قوله تعالى لرسوله: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ »، أي « وَأَنتَ فِيهِمْ »، أي أن فاعلية هذه الآية قد انتهت بموت النبي.
والذي يقول إن المحدثين الذين نقلوا المرويات المنسوبة إلى النبي، قد أخذوا مكان النبي، فقد كفر بالله تعالى.
ثالثا: قوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »
هنا تأتي أيضا أهمية أن يكون (العالم) الناقل للمعلومة القرآنية على فهم واع لسياق الآية التي يستدل بها، فإذا لم يفهمه عليه إلا ينقلها إلى غيره حتى يسأل عنها ويفهما.
فعلى سبيل المثال، قوله تعالى: « وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »
فهل المشركون مؤمنون أصلا، حتى يطالبهم الله تعالى بالاستغفار؟!
إن فهم القرآن يحتاج إلى تعليم ودراسة، وهذه كانت مهمة الرسل، يُعلّمون الناس كيف يقرؤون آيات الله ويتدارسونها بينهم، فالله تعالى يقول:
« مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ »
« ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ »
« وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ »
« بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ »
ومما يجب أن يتعلمه متدبر القرآن، المستنبط لأحكامه، علم اللسان العربي، وعلم «البيان» المتفرع عنه، ومنه ما يُسمى بالكناية العرضية، والتي نفهم عن طريقها:
أن الاستغفار الوارد في قوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »، عندما يأتي في سياق الحديث عن أحوال الكافرين المشركين، ومعلوم أنه لا يستغفر الله إلا المسلمون، إذن فقد جاء طلب الاستغفار لبيان القاعدة العامة للجزاء:
أن الاستغفار يجب أن يسبقه توبة من المعاصي، وفي مقدمتها الشرك بالله، وأن هذه التوبة تدفع العذاب، أي وما كان الله معذبهم لو أنهم استغفروا.
ومما تقدم علينا أن نعلم، أن المسلم لا يبقى على إسلامه إذا أصر على ارتكاب السيئات دون توبة واستغفار.
وما أنا يا صديقي العزيز إلا (عالم)، أعلم ما أنقله لكم، لذلك لم أجد لجملة (حنانيك ،،، يا دكتور) محلا من الإعراب، وكان من المفترض أن يكون تعليقك على المنشور بعد أن (تعلم) سياق الآية التي قمت بالاستدلال بها، وظننت أنها تخاطب المسلمين، وبالتالي وجدتني أقسوا عليهم، فقلت: (حنانيك ،،، يا دكتور)!!
محمد السعيد مشتهري