نحو إسلام الرسول

(463) 30/5/2016 (المرجعيات الدينية، ومستقبل الحركات الإرهابية التكفيرية)

إن التأصيل التاريخي للمرجعيات الدينية، للفرق والمذاهب العقدية المختلفة، يبدأ من عصر التابعين، مع ظهور مدرستين:

الأولى: مدرسة الكوفة، أو العراق

والثانية: مدرسة المدينة أو الحجاز

ولقد كان للكوفة النصيب الأكبر من الثورات حتى سقطت الدولة الأموية، فأصبح لها مكانة سياسية وعلمية.

فهذه مرجعيات فرقة واحدة من الفرق الإسلامية، وهي فرقة أهل السنة والجماعة، انقسمت في عصر التابعين إلى مرجعتين رئيسيتين: أهل الحديث وأهل الرأي، وكل منهما يرفع راية التمسك بـ «الكتاب والسنة»، وبينهما خلاف عقدي تكفيري كبير!

ولقد قامت الحركات الإرهابية التكفيرية على أساس أن مرجعية الإسلام «كتاب وسنة»، مثلها مثل جميع الفرق والمذاهب المختلفة، وأن «السنة النبوية» هي الوحي الثاني المبين والمكمل لأحكام القرآن، وأن الصحابة هم الحلقة الأولى من «السند الروائي».

فإذا ذهبنا إلى هذا «السند الروائي»، وجدنا أن أهل السنة أقاموا مرجعياتهم الحديثية على أساس «عدالة الصحابة»، الذين هم الحلقة الأولى في هذا السند، وأقام الشيعة مرجعياتهم الحديثية على أساس «عصمة الأئمة»، وأصبحت مرجعيات علم الحديث من المقدس الذي يحرم المساس به.

ومن هذه المرجعيات الحديثية انطلقت فتاوى التطرف الديني وسفك الدماء بغير حق، وانتشرت البؤر الإرهابية التكفيرية في معظم دول العالم، لتدافع عن الإسلام، وتقتل الكافرين، وتقيم دولة الخلافة الإسلامية في الأرض، استنادًا إلى هذه المرجعيات الحديثية، وما استنبطه أئمة السلف منها من فتاوى الإفساد في الأرض.

فإذا أردنا تأصيل هذه المرجعيات الحديثية تأصيلا علميا، لنثبت حجيتها كشريعة إلهية، وجدنا أن وجود هذا «السند الروائي» في علم الحديث، هو في حد ذاته شهادة علمية على سقوط حجية علم الحديث من قواعده، وذلك لسبب منطقي:

هل يوجد حديث واحد منسوب إلى النبي بدون «سند روائى»؟! لا يوجد مطلقا! لماذا؟!

لأن هذه «الأحاديث» لم تدوّن في حياة النبي، ولا في حياة الخلفاء الراشدين، ولا حتى في عصر الخلافة الأموية، وإنما دوّنت بعد قرن ونصف القرن من وفاة النبي، لذلك كان لابد أن يكون لها «سند روائي»: روى فلان عن فلان عن فلان…، إلى أن يصل إلى رسول الله!

فهل يُعقل أن تكون هناك مرجعية إلهية تشريعية ثانية، تحمل «سنة نبوية» يكفر منكرها، ثم لا تُدوّن في حياة النبي وتحت إشرافه، كما دُوّن كتاب الله، ويُترك تدوينها لأهواء الرواة والمحدثين، كلٌ حسب مذهبه العقدي والتشريعي؟!

إن مرويات «السنة النبوية»، التي يكفر منكرها، لو كانت حقا وحيا إلهيا، لنُسبت إلى النبي مباشرة من غير سند روائي امتد قرنا من الزمن، وما كنا في حاجة إلى علوم الحديث المذهبية، ولا إلى جرح وتعديل!

إن المنهجية العلمية في البحث والتحقيق، تقوم على طلب البرهان المثبت للحقائق التي يريد الباحث التوصل إليها، « قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ »؟!

فأين البرهان على أن للإسلام مرجعيات دينية للفرق والمذاهب المختلفة، يدعي أئمة كل فرقة أنهم «الفرقة الناجية»، وأن مصادرهم التشريعية هي التي حملت مرويات «السنة النبوية» الصحيحة واجبة الاتباع؟!

أولا: هذه هي القضية الرئيسية التي يجب أن نتوقف عندها كثيرا: «المرجعيات الحديثية المذهبية»
إن كل فرقة، وكل مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، يدعون أن مرويات السنة التي صحت عندهم « وحي يوحى »، وبذلك أصبحت من المقدس، فتعالوا نتعرف على جذور هذه الأزمة، من إمام المذهب الأشعري «ت ٣٣٠هـ»، الذي تنتمي إليه مؤسسة الأزهر، من خلال ما أثبته في كتابه «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»، حيث قال:

* اختلف الناس بعد نبيهم، صلى الله عليه وسلم، في أشياء كثيرة، ضلل فيها بعضهم بعضا، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين، وأحزابا متشتتين.

* وأول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين، بعد نبيهم، اختلافهم في الإمامة وذلك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما قبضه الله عز وجل، ونقله إلى جنته ودار كرامته، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة بمدينة الرسول، وأرادوا عقد الإمامة لسعد بن عبادة.

* وبلغ ذلك أبا بكر وعمر، رضوان الله عليهما، فقصدا نحو مجتمع الأنصار في رجال من المهاجرين، فأعلمهم أبو بكر أن الإمامة لا تكون إلا في قريش، واحتج عليهم بقول النبي «الإمامة في قريش»، فأذعنوا لذلك منقادين، ورجعوا إلى الحق طائعين، بعد أن قالت الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير»، وبعد أن جرَّد الحباب بن المنذر سيفه وقال: أنا جُزَيْلها المحكّك، وعذيقها المرجب، من يبارزني؟!، ثم بايعوا أبا بكر، رضوان الله عليه، واجتمعوا على إمامته.

* وكان الاختلاف بعد الرسول في الإمامة، ولم يحدث خلاف غيره في حياة أبي بكر رضوان الله عليه، وأيام عمر، إلى أن وليّ عثمان بن عفان رضوان الله عليه.

* لقد أنكر قوم على عثمان في آخر أيامه أفعالا، كانوا في ما نقموا عليه من ذلك مخطئين، وعن سنن المحجة خارجين، فصار ما أنكروه عليه اختلافا إلى اليوم، ثم قتل رضوان الله عليه، وكانوا في قتله مختلفين، فأما أهل السنة والاستقامة فإنهم قالوا: كان رضوان الله عليه، مصيبا في أفعاله، قتله قاتلوه ظلما وعدوانا، وقال قائلون بخلاف ذلك، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.

* ثم بويع علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، فاختلف الناس في أمره، فمن بين منكر لإمامته، ومن بين قاعد عنه، ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلافته، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.

* اختلف المسلمون عشرة أصناف: الشيعة، والخوارج، والمرجئة، والمعتزلة والجهمية والضرارية، والحسينية، والبكرية، والعامة، و”أصحاب الحديث”، والكلابية أصحاب عبد الله بن كلاب القطان.

* فالشيعة ثلاثة أصناف، وإنما قيل لهم الشيعة لأنهم شايعوا عليا رضوان الله عليه ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله..، ثم ذكر عشرات الفرق التي تفرعت من هذه الأصناف الثلاثة.

ثم تكلم بعد ذلك، في عشرات الصفحات، عن طائفة الخوارج وأصنافهم، ثم تحدث عن فرق المرجئة، وهم اثنتا عشرة فرقة، ثم عن المعتزلة وفرقها، وعن الجهمية والضرارية والبكرية، والحسينية، والعامة، ثم عن أهل السنة والجماعة، وبيّن بعض المسائل التي يختلف فيها أهل السنة مع الفرق والمذاهب الأخرى.

فإذا نظرنا إلى مذاهب فرقة أهل السنة، وجدنا أن الحنابلة وأهل الحديث يرون أن المذهب «الأشعري» أصلا ليس من مذاهب «أهل السنة»، وإنما هو من المذاهب المبتدعة، كالمعتزلة والخوارج، ولقد قام الإمام الأشعري بالرد عليهم في كتابه «الإبانة عن أصول الديانة»، فقال:

إن قال لنا قائل: «قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافعة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون!

قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله عز وجل، وبسنة نبينا محمد، وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون»!

لقد توفي أبو الحسن الأشعري في الربع الأول من القرن الرابع الهجري، في عصر كانت تؤمن فيه كل فرقة من الفرق الإسلامية، وكل مذهب من مذاهبها العقدية، أن مرجعية الدين الإسلامي هي «الكتاب والسنة»، فإذا ذهبنا إلى مرجعية «الكتاب» وجدناها كتابا واحدا، أما إذا ذهبنا إلى مرجعية «السنة» وجدناها مئات الكتب، فهل يعقل أن تكون مرجعية «السنة» وحيًا إلهيا، مستقلا بالتشريع عن مرجعية الكتاب؟!

ثانيا: إن المرجعيات الدينية المذهبية، وخاصة المرجعيات الحديثية، تحمل شعلة التفجير، التي تظل كامنة مسالمة، لا تعرف عنفًا ولا إرهابًا، فإذا استخدمت اشتعلت، وحرقت الأخضر واليابس.

إن تجفيف منابع الحركات الإرهابية التكفيرية يجب أن يبدأ بنزع شعلة التفجير عن هذه المرجعيات، وإعلان أنها ليست من المقدس واجب الاتباع.

لقد تخرج على أيدي هذه المرجعيات أمراء الجماعات والحركات الإرهابية، التي أصبحت اليوم تملك من الأسلحة المتقدمة، ما جعلها تتوسع يوما بعد يوم في الإفساد في الأرض!

فهل نجحت المواجهات الأمنية والعسكرية في القضاء على هذه الحركات الإرهابية التكفيرية، أو حتى محاصرتها، وتجفيف منابعها المالية والاقتصادية في العالم، أم ازداد نشاطها واتسع، ليشمل دولا ما كان يُتخيل أن يصل إليها الإرهاب يومًا، ويقوم فيها بمناورات عسكرية؟!

وهل إذا نجحت التحالفات العسكرية الدولية، التي تقودها الدول العظمى، في ضرب الخلافة الإسلامية الداعشية في العراق، وإلقاء القبض على زعيمها، نكون بذلك قد قضينا على الإرهاب؟!

إن التنظيمات الإرهابية ليست هي فقط الظاهرة على السطح، التي أصبحت في مرمى النيران، وإنما هناك خلايا نائمة منتشرة في معظم بلاد العالم، وهي الأشد خطورة!

لقد حارب تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن الجيش الروسي في أفغانستان، وقُتل بن لادن، وتوقف نشاط تنظيم القاعدة فترة، ثم بُعث من جديد، وأصبح يوالي ويدعم «داعش»!

وإذا كانت القوى العظمى توظف التيارات والحركات الإرهابية لخدمة مصالحها في المنطقة، فإن ذلك لم يأت من فراغ، فهذه القوى تعلم جيدا تاريخ الإسلام السياسي، والصراع الدموي بين المذاهب العقدية المختلفة، كما تعلم ما في المرجعيات الدينية المذهبية من فتاوى تخاصمية تكفيرية تكفي بتفعيل المسلمين لها، أن تحقق مصالحها في المنطقة!

لذلك لا يكفي مطلقا أن نقاتل البؤر الإرهابية ونقضي عليها، ونترك المرجعيات الدينية التي تحمل فتاوى الإرهاب وشرعية إفساده في الأرض، يتعامل معها الشباب في البيوت والمكتبات والمساجد، وتُقرأ على الناس عبر القنوات الفضائية الدينية!

ثالثا: أين كانت مؤسسة الأزهر، والقنوات الفضائية تبث على العالم أجمع الخطب المنبرية التي تحمل فتاوى الإرهاب، والتطرف الديني، والتخاصم المذهبي، وهل سيشفع لها يوم القيامة، القول بأن هذه مهمة الأجهزة المعنية، وأن مهمتها فقط تقديم التقارير التي تبيّن إشكاليات هذه القنوات؟!

إذن فلماذا لا تتركوا مراكزكم الدينية، من باب اعتزال المنكر، مادامت هذه الأجهزة المعنية لا تستجيب للتقارير التي تُرفع إليها، وأنتم المسؤولون أمام الله أولا وأخيرًا عن ما تبثه هذه القنوات الدينية من أفكار، كان لها أثرها الكبير في تطرف الكثير من الشباب، وانضمامهم إلى التنظيمات الإرهابية التكفيرية؟!

ثم هل تعلم مؤسسة الأزهر، أن سلاح الإعلام يُعد من أخطر الأسلحة القادرة على تغيير عقائد وسلوكيات شعوب بأكملها، وأن هذه القنوات الدينية توظِّف عاطفة الشعوب الدينية لخدمة توجهاتها العقدية والتشريعية، استنادًا إلى هذه المرجعيات الدينية المذهبية؟!

إن على مؤسسة الأزهر أن تعلن على العالم أجمع، أن هذه المرجعيات تراث بشري، حمل الحق والباطل، ويستحيل أن يحمل وحيا إلهيا، يحمل شريعة نبوية، أمر الله اتباعها.

إن مؤسسة الأزهر تتحمل أمام الله مسؤولية انتشار الفكر الإرهابي التكفيري، الذي شوه صورة الإسلام عالميا، مهما أصدرت من بينات الشجب والإدانة، ومهما شاركت قياداتها في مؤتمرات محاربة الإرهاب، وبيّنت أن الإسلام دين الأمن والسلام..، فكراهية الغرب للإسلام وللمسلمين تزداد يوما بعد يوم، وتتسع دائرتها!

إن المعركة الحقيقية في مواجهة الحركات الإرهابية، في المقام الأول، «معركة أفكار»، ونقض لهذه الأفكار من قواعدها الأصولية، وهي مسؤولية مؤسسة الأزهر، بصرف النظر عن قدسية هذه المرجعيات عند أئمة السلف أو الخلف، فالحق أحق أن يُتبع.

رابعا: إننا عندما نرفض أن تكون المرجعيات الدينية المذهبية للفرق المختلفة شريعة إلهية، لا يعني هذا أننا ننكر وجود النبي، وأنه كان يتحرك بين الناس، وكان يقود الجيوش لدفع المعتدين، وكان يتصرف بين الناس كبشر مثلهم، وكان يعاتبه الله تعالى ويصحح له..، لأن هذه السيرة العطرة ينطق بها القرآن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!

إننا عندما نرفض أن تكون المرجعيات الدينية المذهبية شريعة إلهية، فهذا لأن هذه الشريعة الإلهية تُحرم التفرق في الدين، وقد جاء هذا التحريم بالدلالة القطعية، في أكثر من آية من آيات الذكر الحكيم، يحذر فيها الله المسلمين من التفرق في الدين، ومنها قوله تعالى:

* « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ »

* « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »

* « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»

« وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »

فهل قرأ أمراء وقادة الحركات الإرهابية التكفيرية هذه الآيات؟! هل يعلمون معنى قوله تعالى: « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا »؟! وهل يعلمون أنهم من « الَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ »، وأن « لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »؟!

والسؤال: هل جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، والمؤسسات الدينية، والجماعات السلفية، والجمعيات الدينية الأهلية، لم يتفرقوا هم أيضا في الدين؟!

وهل الإمام الأشعري لم يكن يعلم، وهو في القرن الرابع الهجري، أن الفرق والمذاهب العقدية التي تحدث عنها في كتبه، قد تفرقت في الدين، وهو القائل عن أحوال المسلمين في عصره: «ضلل فيها بعضهم بعضا، وبَرِئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين، وأحزابا متشتتين»!

ألم يقرأ قوله تعالى مخاطبا النبي والذين آمنوا معه:

« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »

فكيف لم تخشع لهذه الآية قلوب أئمة المذاهب العقدية المتصارعة في عصر الإمام الأشعري، ولو أنها خشعت، لخلعت ثوب التفرق في الدين، وما تخاصموا، وما تقاتلوا، إلى يومنا هذا!

خامسا: إن الاستعداد النفسي للتطرف الديني، والإصرار على التفرق في الدين، موجود في قلوب أتباع المذاهب العقدية المختلفة، بسبب أزمة التخاصم والتكفير التي حملتها لهم مرجعياتهم الدينية، وحملها أئمتهم وشيوخهم!

واقرؤوا تاريخ الفرق والمذاهب الإسلامية، والجمعيات الدينية الأهلية، لتعلموا أنه يستحيل أن تتنازل مؤسسة دينية، رسمية أو غير رسمية، ولا تيار من التيارات المتشددة وغير المتشددة، عن مرجعياتها، وإلا سقطت مذاهبها العقدية والتشريعية من قواعدها!

ولا يغرنك ما يدعيه أئمة كل مذهب بأن مذهبهم خارج دائرة التطرف، وأنه يحمل «الوسطية الإسلامية» للناس، لأنك إذا قمت بدراسة تاريخ الصراع العقدي بين هذه المذاهب المختلفة، لوجدت من الفتاوى التخاصمية التكفيرية ما يكفي لإقامة عشرات التنظيمات «الداعشية»، ولكن الفرصة لم تأت لأتباع هذه المذاهب بعد!

ولذلك أقول: لمصلحة من تسمح الحكومة المصرية للجمعيات الدينية الأهلية بممارسة الأنشطة الاجتماعية والخدمية والتجارية، ذات الطابع الجماهيري، بما يقوي نفوذها الدعوي والسياسي بين الناس، حتى أصبح لديها من الإمكانيات المادية، ومن المشاريع التجارية الكبيرة، ومن التعاطف الشعبي، ما أصبح يُشكل خطورة على أمن البلاد والعباد، وهي أصلا شعلات تفجير كامنة، وتاريخ الإسلام السياسي خير شاهد على ذلك؟!

لماذا لم نتعلم الدرس؟!

ألم يتحالف أتباع الجماعات الإسلامية، والجمعيات الدينية الأهلية، مع المنظمات الإرهابية، على مر العصور، ووقفوا جميعا صفًا واحدًا في مواجهة العدو المشترك، ثم بعد أن تحقق لهم النصر، اشتعلت أزمة التخاصم والتكفير بينهم، وتمسكت كل طائفة بمرجعياتها الدينية، وبفتاوى التكفير، وسُفكت الدماء بغير حق، وما أفغانستان منا ببعيد؟!

هل يُعقل أن ندعو إلى محاربة الحركات الإرهابية التكفيرية، وجميع المؤسسات الدينية، الرسمية وغير الرسمية، هي التي تقوم على حراسة المرجعيات الدينية التي يستند إليها المفسدون في الأرض، وعلى مرأى ومسمع من الأنظمة الحاكمة؟!

لقد باع المسلمون إسلامهم، واشتروا بثمنه تخلفا وتفرقا في الدين، وإرهابا وإفسادا في الأرض، ومصادر تشريعية يُكفر فيها بعضهم بعضا، وكانت النتيجة: أن يصبح «داعش» قوة تهدد القوى العظمى، ويعمل لها العالم ألف حساب!

إننا في أشد الحاجة إلى مؤسسة علمية «غير مذهبية»، يعمل بها علماء من كافة التخصصات العلمية، تعكف على دراسة القرآن وتدبر آياته، بعيدا عن المرجعيات الدينية المذهبية، وتخرج للعالم بالفهم الصحيح للإسلام، ولأحكام شريعته التي نزلت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، استنادا إلى قوله تعالى يقول:

الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى