نحو إسلام الرسول

(455) 18/5/2016 (عندما يصبح لـ «الجهل» علماء وفلاسفة)

لا يوجد داخل النفس الإنسانية، أو خارجها، شيء اسمه «الجهل»، وإنما توجد في هذا الوجود أشياء لا تُحصى، من عرفها أصبح «عالما» بها، ومن لم يعرفها أصبح «جاهلا» بها، وعليه أن يقول: «لا أعلم».

إن «الجاهل» لا يعلم ما يجب أن يُعلم، وقد وُصف بالجهل لأن صور الأشياء ومعرفته إياها لم تذهب إلى مستودع المعلومات في قلبه، لذلك فإن «الجهل» لا يظهر، ولا يُكتشف إلا في بيئة «علمية»، وسط «علماء» يعلمون الأشياء التي لا يعلمها «الجاهل».

إن إدراك الإنسان أنه «يعلم»، أو «لا يعلم»، يتوقف على تفعيل آليات «التعلم» التي أنعم الله بها عليه، وهي آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه..، إلى آخر آليات عمل القلب، وهذا التفعيل يجعله «عالمًا» بما تعلمه.

ولذلك يصف الله الذين لا يقومون بتفعيل هذه الآليات بقوله تعالى:

« لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا، أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ »

إننا لا نستطيع أن نصف «الأنعام» بأنها جاهلة، لأنها أصلا لا تملك آليات التعلم، ولو تعلمت شيئا بالتدريب، حسب الإمكانيات التي خلقها الله بها، فإنها قد تفوق الإنسان في أدائه، ولكنها لا تفقه ماذا تفعل، لذلك جعل الله الذين لا يقومون بتفعيل آليات عمل قلوبهم أضل من هذه الأنعام، فقال تعالى بعدها: « بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ »

إن الأنعام، وسائر الحيوانات، إذا تعلمت شيئًا فإنها لا تعلم «أنها تعلم»، وإذا جهلت أشياء ً فهي لا تعلم «أنها لا تعلم»، أما الإنسان فقد خلقه الله تعالى بقدرات تمكنه أن يعلم أنه «يعلم»، أو «لا يعلم»، وعليه أن يعترف بذلك، لماذا؟

فرق بين الذي «لا يعلم» الشيء، ويعترف أنه يجهله، وبين الذي «لا يعلم» الشيء، ولا يعترف أنه يجهله، بل ويرى أنه عالم به، والواقع يشهد بجهله!

إن الذي يُميز الإنسان الذي «لا يعلم» الشيء، ويعترف أنه يجهله، أنه يسعى إلى التعلم لمحو جهله، فتراه دائما يستكمل ما نقصه من علم.

أما «الجاهل» الذي لا يعترف بجهله، ويتصور أنه «عالم»، فإنه لا يسعى إلى استكمال ما نقصه من علم، ويظل يعيش في ظلمات «الجهل»، ويستحيل أن يجعل هذا التصور منه عالماً.

إن «الجاهل» الذي لا يعترف بجهله، يعيش داخل دائرة «الجهل المركب»، وهو من أخطر أنواع الفيروسات القاتلة التي أمسكت بشرايين شبكات التواصل الاجتماعي.

إن الإسلام «علم»، لا يحمله إلا من «يعلم» ما هو «الإسلام»، وعلى أي قواعد يقوم، وأن أول هذه القواعد الإقرار بأصول الإيمان، وهذا الإقرار «علم».

وإن من أصول الإيمان الإيمان بالكتب الإلهية، واختيار أي الكتب على الإنسان أن يتبعها يقوم على «العلم».

وإذا اخترت الكتاب الخاتم، القرآن الكريم، فأنت أمام منظومة «علمية»، تحتاج إلى أدوات لتدبرها وفهم آياتها.

فإذا خلا مستودع العلوم والمعارف، الذي تحمله في قلبك، من أدوات تدبر وفهم هذا القرآن، فأنت «جاهل»، ولا تدعى أنك «عالم» بالقرآن، تفهم آياته!

وعليك أن تعلم أنك لم تقم أصلا إيمانك، ولا إسلامك، على «علم»، وفي هذه الحالة تكون أضر على الفكر الإسلامي من «الجاهل» الذي يعترف بجهله، ويسعى إلى التعلم.

إن «الجاهل» الذي لا يعترف بجهله، يُحب ويكره ذات الشيء في نفس الوقت، ويُعجب بأفكار وموضوعات، من هنا وهناك، لو اجتمعت أفسد بعضها بعضا، ويجمع بين الضدّين في وقت واحد، لذلك يقول الله تعالى:

« خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ »

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى